2024- 11 - 05   |   بحث في الموقع  
logo “المقاومة الإسلامية” تستهدف تجمعًا لقوات العدو logo تحذير اسرائيلي جديد لسكان الجنوب logo حكومة عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان؟ logo المفاجأة الأميركية التي لن تكون مفاجأة logo "نتنياهو يعرض ملايين الدولارات مقابل الأسرى الإسرائيليين" logo تحولات سياسية... هل يتغير ميزان القوى في الكونغرس الأميركي؟ logo تقارب تاريخي... هاريس تتعهد بالوحدة في مواجهة خطاب ترامب للإنقاذ logo "يحملان جنسية آسيوية"... إسرائيل تعلن مقتل مسلحين لحزب الله عند الحدود!
فيليب سالم: ليس هناك شيء مستحيل!
2021-06-21 09:55:11




53 عاماً في معالجة الأمراض السرطانية علّمته الكثير، تضحياته وأبحاثه في محاربة “الخبيث” أثمرت علاجات متقدمة أعطت نتائجها. لم ييأس، أصرّ على المحاولة مرة أخرى وعلى عتبة عمره الثمانين نجح في تطوير استراتيجية جديدة لمعالجة الأمراض السرطانية للحالات المتقدمة جداً تبدو بمثابة تتويج لمسيرة من الإنجازات الطبية . مدماك متواضع في عمارة المعرفة، خطّ البروفسور فيليب سالم إسمه في عالم الطب بجدارة وأبداع فيما هو أيضا الكاتب والناشط والمفكر واحد أعمدة الكتابة في النهار والرفيق الاوثق لصديقه الكبير الراحل الأستاذ غسان تويني . استراتيجيته الثورية أيقظت الأمل في المرضى الذين يذهبون إلى حتفهم المحتم، لكن بفضله عادت الحياة اليهم.

هو المؤمن بأن فكره سيبقى حياً وأن أعماله ستُضيء عتمة الألم وتحوّله إلى أمل، رفض الاستسلام ، وأبى أن يترك هذه الفئة التي تحارب “الأمراض السرطانية على أنواعها” وحيدة في مسارها. عمل على تطوير استراتيجية جديدة تمزج بين العلاجات الثلاثة (المناعي، الكيميائي، والمستهدف) مخصصة لكل مريض على حدة.

خبرته الطويلة جعلته اليوم يقف منتصراً على هذا الخبيث برغم كل شيء، هو الذي يدرك تماماً أن السرطان عند كل مريض يختلف عن مريض آخر، وانطلاقاً من هذه النتيجة قرر الخوض في غمار الأبحاث بلا توقف ليقدم استراتيجية علاجية متطورة تُعطي نتائج واعدة وايجابية.

صريح ومتواضع ومؤمن كبير، كما هو صادق وعلمي، يشدد على أن هذه “الاستراتيجية لا تشفي كل مريض بالسرطان. وليست الجواب النهائي للقضاء على جميع الامراض السرطانية. الا انها خطوة الى الامام. خطوة متواضعة في العلم ولكنها خطوة كبيرة للمرضى”.

هو الذي تعلّم هذه الأمثولة أن “ليس هناك مستحيل” نجح في تحقيقها مع أكثر الأنواع الأمراض فتكاً. ومعه يولد الأمل. في هذه المقابلة خص البروفسور فيليب سالم “صحيفته” بكل الوقائع عن استراتيجيته الجديدة.

¶ أولا أود ان أسألك . ماذا يعني لك ان تقوم بإنجاز علمي بعد 53 عاماً في معالجة الامراض السرطانية، وها انت على عتبة الثمانين عاما؟

– انا في حالة دائمة من الشكر والحمد لله. ولكنني اشعر دائما انني لا اشكره الكفاية. لقد أعطاني الله العمر الطويل، وأعطاني الفرصة الفريدة لمعالجة المرضى المصابين بالأمراض السرطانية. ان الناس العاديين يلهثون وراء الأقوياء، اما انا فكان لي الشرف الكبير ان اقضي حياتي مع أضعف الضعفاء، المرضى المصابين بأخطر الامراض. هذه الفرصة علمتني الكثير. كثيرون تكلموا عن العطاء؛ ولكن الله عرفني في رحلتي هذه على عطاء من نوع آخر، ألا وهو عطاء الحياة.

ليس هناك عطاء أكبر وأعظم وأنبل من عطاء الحياة. كل عطاء آخر يصغر امام هذا العطاء. وأنت، عندما تعطي حياة، تكبر انت امام نفسك وتعلو. وكذلك يكبر معنى الحياة في حياتك.

كثيرون هم هؤلاء الذين يرددون انهم يفضلون الموت وهم يلبسون ثيابهم واحذيتهم ويعملون في مكان عملهم. أما بالنسبة الي فطموحي هو ان أبقى الى آخر يوم من حياتي قادرا على العطاء. على عطاء الحياة. على عطاء فكر جديد. فعيادتي هي كنيستي. وصلاتي هي عملي. وهنا أود ان أقول انه عندما أموت، أود ان أموت بالجسد فقط، ويبقى فكري حياً. أود ان تبقى كلمتي تعيش.

¶ حدثنا عن الإنجاز العلمي الذي قمت به حديثا.

– المعرفة مسار تراكمي. طبقة فوق طبقة. مدماك فوق مدماك. والانجاز الذي قمت به هو مدماك متواضع في عمارة المعرفة. لقد قمنا بتطوير استراتيجية جديدة لمعالجة الامراض السرطانية. نحن لم نكتشف دواء معينا جديدا، اذ ان الادوية التي نستعملها معترف بها كلها من قبل المؤسسات العلمية. ولكننا طورنا رؤية جديدة، ويمكن استعمال هذه الرؤية في معالجة كل مريض بالسرطان.

من هنا أهمية هذه الاستراتيجية اذ انها لا تنحصر فعاليتها في مرض واحد بل تمتد هذه الفعالية الى معظم الامراض السرطانية. وكما تعرفين فهناك ثلاث طرق رئيسية تعالج بها الامراض السرطانية بواسطة الدواء. فهناك العلاج الكيميائي التقليدي، والعلاج المستهدف، والعلاج المناعي. ان تطوير العلاج المناعي أدى حديثا الى تغيير جذري في مشهدية معالجة الامراض السرطانية. لهذا السبب استحق الدكتور جايمس اليسون الذي طور هذا العلاج جائزة نوبل في الطب عام 2018.

والسؤال ما هو الفرق بين هذه العلاجات؟ ان العلاج الكيميائي لا يميز بين الخلية السرطانية والخلية الصحيحة، فهو يدمر الاثنين معا؛ وبالتالي فالمضاعفات الجانبية لهذا العلاج كثيرة. اما العلاج المستهدف فهو يستهدف الخلية السرطانية ولا يمس الخلية الصحيحة باي أذى. اما العلاج المناعي، فهو بحد ذاته لا يستهدف الخلية السرطانية مباشرة، بل يستهدف جهاز المناعة عند المريض فيقويه بحيث يصبح هذا الجهاز قادرا على تدمير الخلية السرطانية.

وفي معظم الأحيان يبدأ العلاج التقليدي بالعلاج الكيميائي واذا فشل هذا العلاج يستعمل الطبيب العلاج المستهدف وان فشل هذا الأخير أيضا يلجأ الطبيب الى العلاج المناعي. في استراتيجيتنا الجديدة نحن نمزج العلاج الكيميائي مع العلاج المناعي ومع العلاج المستهدف ونعطي هذا المزيج للمريض في الوقت نفسه .

الفرق الثاني بين استراتيجيتنا والاستراتيجية التقليدية، أن كل مريض في استراتيجيتنا يأخذ علاجا يبنى على قياسه. أما في العلاج التقليدي فيأخذ المريض في أكثر الأحيان بروتكولا صمم لمئات المرضى وليس خصيصا له. كان البروتوكول يصمم بناء على تشخيص المرض بواسطة المجهر.

في استراتيجيتنا، نأخذ قسما من أنسجة الورم عند المريض وندرس الخريطة الجينية والبيولوجية لنحدد الهوية البيولوجية للمرض. وعلى أساس هذه الهوية نختار العلاج المناعي والعلاج المستهدف. فبينما يأخذ كل مريض العلاجات الثلاثة، الا ان المريض يأخذ علاجا خاصا به وبمرضه يختلف عن العلاج الذي يأخذه مريض آخر ولو كان هذا المريض يشكو من المرض نفسه . ان اهم ما تعلمناه في السنوات الخمس الأخيرة هو ان ليس هناك مريضان في السرطان مصابان بالمرض نفسه . فالمرض عند كل مريض يختلف بيولوجيا وجينيا عن المريض الاخر. لقد تعلمنا ان التشخيص بواسطة المجهر وحده ليس كافيا، يجب ان نغوص الى التشخيص البيولوجي.

¶ ما هي الخطوة الأولى التي قادت الى هذا الإنجاز؟

– ان الخطوة الأولى بدأت مع مريض عمره 28 عاما. كان هذا المريض يعالج في أحد أهم مراكز السرطان في الولايات المتحدة؛ وكان يشكو من مرض Hodgkin’s disease. ولكن بعد خمس سنوات من المعالجة في هذا المركز قال له طبيبه “لم يبق لدينا اية ادوية او علاجات بإمكاننا استعمالها لمعالجة مرضك ، فننصحك بالعودة الى بلادك وقضاء الأيام الباقية من عمرك مع اهلك”.

بعد سماعه هذه الكلمات بيوم واحد حاول هذا المريض الانتحار، الا ان صديقا له اتى به الى عيادتي . وعندما رايته للمرة الأولى كان في احباط شديد كما كان يشكو من ألم هائل حيث أن المرض الليمفاوي قد انتشر الى العظام. وكانت هناك صعوبة كبيرة للقضاء على الألم. يومها قررت ان أعطيه المزيج من العلاجات الثلاثة التي تكلمنا عنها. كان منتهى طموحي القضاء على الألم فقط.

لم احلم يومها ان هذا العلاج قد يقضي على المرض. بعد أسبوع واحد من العلاج زال الألم كليا. وبعد حوالي شهرين زالت كل آثار المرض في جسمه؛ وهو لا يزال حيا الى يومنا هذا. هذه الحادثة حفزتني للبدء ببحث علمي ومعالجة جميع المرضى الذين لم يكن لهم خيار آخر للعلاج بالطريقة ذاتها . وذهلنا للنتائج الأولية اذ ان نسبة الاستجابات كانت حوالى 94% .ونصف هذه الاستجابات كانت استجابات كلية. هذا يعني أن كل اعراض المرض قد زالت. هذه النسبة للاستجابة في المرضى المصابين بحالات متقدمة جداً وغير قابلة للشفاء بواسطة العلاجات التقليدية لم نرها من قبل. كانت اعلى نسبة للاستجابة في هؤلاء المرضى حوالى %15وكانت هذه الاستجابات جزئية وليست كلية.

لذلك نحن اليوم على عتبة استعمال هذه الاستراتيجية في الحالات الأقل تقدما. لقد تعلمت من خبرتي ان العلاج الذي يعطي استجابات جيدة في الحالات المتقدمة، يعطي عادة استجابات افضل في الحالات الأقل تقدما. لقد تم تسجيل هذا العلاج علميا وقانونيا تحت اسمICTriplex وتم نشره في المجلات العلمية.

¶ ما هي الامراض التي تستجيب لهذه الاستراتيجية؟

لقد استعملنا هذه الاستراتيجية في أمراض عديدة مثل سرطان الرئة، البنكرياس، وسرطانات الليمفوما وسرطانات الجهاز الهضمي، والكبد، وغيرها من الأمراض وكانت نسبة الاستجابة هي ذاتها في كل الأمراض. وهنا تكمن أهمية هذه الاستراتيجية؛ اذ انها تستعمل في معظم الامراض السرطانية وليست محصورة بنوع معين.

¶ ان المريض عادة يخاف من المضاعفات الجانبية، فكيف تمكنتم من إعطاء ثلاثة أنواع من العلاجات دون تراكم وازدياد في هذه المضاعفات؟

– يعطى العلاج على مراحل؛ وكل مرحلة تمتد الى أربعة أسابيع . وتعطى هذه الأدوية في هذه الأسابيع بأوقات مختلفة. لقد تمت هندسة هذا العلاج بطريقة ترتفع فيها الفعالية بينما تبقى المضاعفات الجانبية على مستوى متدن. لم يكن لدينا مريض واحد رفض العلاج بسبب المضاعفات. كذلك لم يكن لدينا مريض واحد توفي بسبب العلاج. بالطبع فهناك دائما مضاعفات جانبية لكل علاج. ولكن هذه المضاعفات بقيت في استراتيجيتنا محدودة ومعقولة.

¶ ماذا يعني هذا الإنجاز بالنسبة للشفاء من السرطان؟

– نحن أبناء علم. يجب ان نلتزم بالحقيقة العلمية كما نلتزم بالتواضع وبالموضوعية. هذه الاستراتيجية لا تشفي كل مريض بالسرطان. انها ليست الجواب النهائي للقضاء على جميع الامراض السرطانية. الا انها خطوة الى الامام. خطوة متواضعة في العلم ولكنها خطوة كبيرة للمرضى.

هناك مليونان مريض في العالم سنويا لا خيار علاجيا تقليديا لهم. هذا الخيار الذي نقدمه اليوم هو افضل خيار لهم. واذا عولج هؤلاء المرضى حسب استراتيجيةICTriplex، نصفهم أي مليون مريض على الأقل يحرز استجابة كلية. من هؤلاء بعضهم قد يشفى شفاء تاما. نحن لم نحدد بعد بدقة نسبة الشفاء التام ولكن من الأكيد اننا بواسطة هذا العلاج نعطيهم عمرا أطول ونوعية حياة افضل. وعندما تعطي المريض عمرا أطول انت تعطيه فرصة جديدة قد يستفيد من تطوير علاجات وادوية جديدة في المستقبل، وهذه العلاجات بالتالي قد تشفيه. لذلك أقول. ان المريض الذي يعتبر غير قابل للشفاء اليوم قد يصبح قابلا للشفاء غدا.

¶ ما هي اهم امثولة تعلمتها من هذا الإنجاز؟

-أهم امثولة تعلمتها انه ليس هناك شيئ مستحيل . والسر الكامن في إمكانية تحويل المستحيل الى الممكن هو انه على المرء ان يعمل ليس فقط جهده، بل اقصى حدود هذا الجهد. وانا اشدد دائما على ان المرء لا يعرف مقدار ما يمكنه ان يحقق من الإنجازات الا عندما يعمل اقصى جهده. فانا لا ارفع الصلاة الى الله واطلب منه المساعدة قبل ان اصل الى نقطة أكون فيها قد استنفدت اقصى جهدي واقصى قدراتي. عندما يتبنى المرء هذه الفلسفة سيذهله ما يمكنه تحقيقه.

¶ ما هو اهم مردود من هذا الإنجاز لشخصك ؟

-اهم مردود لي ليس الفخر بالإنجاز؛ وليس الرضى الكبير الذي يحدثه في داخلي؛ وليس الصدى العلمي الذي قد ينتج عنه. بالنسبة لي اهم مردود هو القدرة على عطاء الحياة. اهم مردود هو إعادة هذا المريض الذي يسير بخطى ثابتة الى حتفه، الى الحياة . هذا العطاء هو فرحي الكبير.

¶ من خلال مراجعتي لسيرتك العلمية عرفت انك كنت على عتبة جائزة نوبل سنة 2005. هل ما زلت تطمح الى هذه الجائزة؟

-نحن بشر. كل واحد منا يحتاج الى دعم ما. كل واحد يحتاج ان يسمع تصفيقا له. ولكنني اعتبر ان اعلى قمة يمكن ان يصل اليها الانسان هي التواضع والسلام الداخلي الذي يعطيه التواضع. لقد كنت ولا أزال اكرر القول ان اهم تكريم لي هو ليس جائزة نوبل او أية جائزة أخرى بل هو شفاء مريض واحد. لقد جاء في القرآن ” من أحيا نفسا فكأنما احيا الناس جميعا” . انا انظر الى هذه الآية المعلقة على جدران مكتبي كل يوم.




Saada Nehme



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top