لم تغن السيدة فيروز لبحر الاسكندرية مصادفة، فدائما ما أثمرت الإسكندرية فنانين أو على الأقل أشخاصا لهم القدرة على التذوق الفني، وكما أغدق علينا بحرها بعظماء أمثال محمود مرسي، محمود عبدالعزيز، بيرم التونسي، هند رستم، فقد انفطر منه أيضا فنان عظيم مثل يوسف شاهين، لكن شاهين لم يكن مجرد فنان، إنه مدرسة سينمائية أضافت كثيرا إلى السينما المصرية، وساعدت في تشكيل وعي وثقافة حشد من أبناء الجيل وقتها.
كانت بدايات شاهين مع تيار الواقعية، الذي ظهر في الخمسينيات من القرن الماضي على يد المخرج صلاح أبوسيف، والواقعية تعني التعبير عن فئة معينة غالبا ما تكون مهمشة اجتماعيا بشكل صادق وواقعي دون إبداء رأي مباشر في حالها، وتشبه غالبا في صياغتها السينمائية الفيلم التسجيلي إلى حد كبير.
وقدم خلالها شاهين أفلاما مثل «باب الحديد» في أواخر الخمسينيات، وفيلم «الأرض» سنة 1969، والذي عبر فيه عن قضية الفلاح المصري.
أما في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات رغم أنها قد شهدت عددا من أهم الأحداث السياسية في مصر، إلا أن اتجاه الواقعية الذي ظهر في بدايات شاهين تداعى إلى حد كبير، إلى أن ظهرت موجة سينمائية واقعية جديدة من أهم أعلامها محمد خان وعاطف الطيب، وفي تلك الفترة بدأ شاهين يتجه لذاتيته، ويقدم أفلاما يتحدث فيها عن نفسه مثل رباعيته السينمائية، ورغم ذلك كان لا يزال محافظا على التيمات السينمائية التي تمس أبناء جيله الذين تكونت عندهم مشاعر مماثلة.
في الحقيقة إن السينما بداية من ثلاثينيات القرن العشرين كانت سينما موجهة واحتكارية من شركات الإنتاج الهوليوودية، وقد تسبب ذلك في كون أغلب الأفلام التي يتم إنتاجها في تلك الحقبة أفلاما تجارية أو كما أطلق عليها وقتها «أفلام المقاولات» لاعتمادها على الرأسمالية، وبسبب افتقار تلك الأفلام للقيمة الفنية، لجأ كثير من المخرجين إلى أوروبا، لأن السينما الأوروبية وقتها - وإن كانت أقل كثافة بكثير من السينما الأميركية - كانت مزدهرة على المستوى الفني والوعي السينمائي.
كان النظام السينمائي في أوروبا وقتها مغايرا لما كان عليه في أميركا، فقد كان يتم العمل على إنتاج أفلام ذات قيمة فنية، وقادرة على استثمار مقومات السينما وعناصرها الدرامية والسردية، للتعبير عن الوجود الإنساني والهواجس النفسية. وكانت هذه في البداية أهم نموذجين في تاريخ السينما الأميركي بكثافة إنتاجه، والأوروبي بدوره في التعبير عن النفس البشرية والتساؤلات الوجودية.
وهنا ظهرت سينما جديدة مختلفة عن النموذجين السابقين، السينما «الوجودية» في أواخر الستينيات، وهذه هي المدرسة التي تبناها يوسف شاهين بعدما تنصل من الواقعية التي بدأ بها مشواره الفني ابتداء من فيلم «الاختيار» سنة 1970، والذي عبر فيه عن جيل الغضب بعد النكسة وروحهم الانهزامية وقتها.
النموذج الثالث أو كما تسمى «سينما الجموع» التي تعلي من شأن الأفكار المشتركة في الجيل الحالي، وتتنزه بقيمة الأحلام والآمال في التغيير السياسي والثقافي للحالة الراهنة.
وبداية ازدهار هذا النوع كان في أميركا اللاتينية، وسرعان ما ظهر في بلدان أوروبية أخرى أهمها: فرنسا إيطاليا وروسيا وإسبانيا.
وقد كانت حركة سينمائية ثورية جدا نشأت بهدف التغيير السياسي أو نقد الوضع، خصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والاستسلام لأنظمة حكم كادت تقتل طموح جيل كامل وقتها.