قمة تغيّر المناخ: سيطرة "لوبيات" الوقود الأحفوري
2023-12-17 11:00:41
لم يشهد تاريخ القمم المناخية مشاركة هذا العدد الهائل من ملوثي البيئة والجماعات المؤيدة للوقود الأحفوري كما في مؤتمر الأمم المتحدة COP28 لتغيّر المناخ، الذي عقد في دبي هذا العام. هؤلاء كانوا حاضرين منذ سنوات عديدة، وبدا تأثيرهم ظاهراً في قمة غلاسكو التي جرت قبل عامين. ولكن هذه المرة، بلغ عددهم أكثر من 100 منظمة و2500 شركة تمثل مصالح إنتاج الوقود الأحفوري، أي أربع مرات ما كانوا عليه في السنوات السابقة.
بينما كانت ظلال الحرب على غزة والمطالبات بوقف لإطلاق النار تتصدر مشاهد الاحتجاجات البيئية في شوارع دبي، وأحياناً داخل جدران فعاليات المؤتمر، لم تتشتت المنظمات البيئية عن هدفها، وتناولت تقاريرها مواضيع متعددة تتعلق بخطورة الاستمرار في إنتاج الوقود الأحفوري ودور الصناعات العسكرية والجيوش في الأزمة المناخية، وفضح زيف الدول الغنية عندما يقدمون اقتراحات من نوع "تخفيضات" بدل التخلص التدريجي والعادل من الوقود الأحفوري.من باريس مروراً بغلاسكو، إلى دبيفي عام 2015، وبتأثير من زعماء ليبراليين مثل ميركل وهولاند، اتفقت الدول في مؤتمر باريس للمناخ على ما يسمى "اتفاق باريس". يقوم الاتفاق على ثلاثة مبادئ لخفض الانبعاثات الكربونية لتحقيق "صافي انبعاثات صفري" بحلول عام 2050:
- اتخاذ إجراءات مناخية تمنع ارتفاع درجة الحرارة فوق 1.5 درجة مئوية قبل عام 2030.
- تقديم الدول تقارير كل خمس سنوات عن خفض انبعاثاتها، مع الالتزام بلائحة قواعد باريس حول التقارير.
- التزام الدول الغنية، التي تتحمل أكبر مسؤولية في تدهور المناخ، بدفع مئة مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على التخلص من الوقود الأحفوري في ما يعرف بـ "تمويل المناخ".
في عام 2021 ، أظهر مؤتمر غلاسكو للمناخ عدم التزام الدول "المتقدمة" بأي من تعهدات مؤتمر باريس، حيث لم تلتزم بلائحة قواعد باريس ولا بتمويل المناخ. وحاولت هذه الدول التلاعب بالكلمات فيما يتعلق بالوقود الأحفوري، حين غيرت النص من "التخلص التدريجي" إلى "الخفض التدريجي".
كان متوقعاً من مؤتمر COP28 في دبي لهذا العام، وبعد أول "مراجعة عالمية" للتقارير التي تم تقديمها في عام 2020، أن يتخذ تدابير عملية لمواجهة تغير المناخ، ولكن بدلاً من ذلك، سيطرت "لوبيات" الوقود الأحفوري والصناعات المرتبطة بها على المؤتمر. واستكمالاً "لانقلاب غلاسكو" تم تجاهل التعهدات السابقة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتم تقديم اقتراحات حول "التخفيضات" بدلاً من ذلك.
لقد دعت الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الدول الغنية بخطابات رنانة إلى "التخلص التدريجي"، ولكنها في الوقت نفسه وافقت على مشاريع جديدة للنفط والغاز التي تستنفد القدرة المتبقية للكوكب على الانبعاثات.أبرز تعبير عن "الهيمنة الأحفورية" التي باتت تسيطر على أنشطة الأمم المتحدة للمناخ جاء على لسان رئيس مؤتمر الأطراف COP28 سلطان الجابر، وهو بالمناسبة الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي، حين قال أنه لا يوجد "علم" يدعم مسألة ضرورة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.النائب السابق للرئيس الأميركي والناشط البيئي "آل غور"، وصف مؤتمر COP28 بأنه على حافة الفشل الكامل.الجيوش والتغير المناخيعلى هامش مؤتمر الأطراف COP28، وربما بتأثير من أجواء الحرب على غزة، برز تقرير من معهد "TNI" بعنوان "Climate Crossfire" حول انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG) الصادرة على الجيوش لا سيما حلف "الناتو". سلط التقرير الضوء على تزايد الإنفاق العسكري لدى الدول الغنية، حيث بلغ الإنفاق العسكري العالمي مبلغ 2.24 تريليون دولار (من دون احتساب الحروب)، وأكثر من نصف هذا المبلغ يتم إنفاقه بواسطة الدول الأعضاء في حلف الناتو البالغ عددها 31 دولة.
يهدف الناتو إلى حث جميع الدول الأعضاء بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش كحد أدنى. وقد تبدو نسبة 2% ضئيلة، لكن إذا التزم بها كل عضو في الناتو، بحلول عام 2028 سوف ينفق الحلف ما يقدر بـ2.57 تريليون دولار إضافي، أي ما يوازي 26 سنة من "تمويل المناخ" الذي تم الاتفاق عليه في باريس، أو ما يكفي لدفع تكاليف "التكيف مع المناخ" التي قدرتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط لسبع سنوات.
من خلال اعتماد الناتو هدف الـ2%، فإن زيادة ميزانيات الجيوش ستزيد بشكل كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة العسكرية وتحرم العمل المناخي من التمويل. ويفند تقرير "TNI" بعض الحسابات التفصيلية. فعلى سبيل المثال "بصمة الكربون العسكرية الكلية للناتو ارتفعت من 196 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون في عام 2021 إلى 226 مليون في عام 2023، أي زيادة 30 مليون طن في عامين. وهو ما يعادل وضع أكثر من 8 ملايين سيارة إضافية على الطرقات".
إلى جانب معلومات دقيقة حول انبعاثات الطائرات العسكرية والسفن الحربية، يبرز التقرير مسألة في غاية الاهمية، وهي أن التكنولوجيا العسكرية وإنتاج الاسلحة والأنشطة العسكرية عموماً لها تأثير واسع على البيئة والتغير المناخي، ولا يجب أن يكون التركيز فقط على الانبعاثات الناتجة عن تشغيل الآليات. فالتحول إلى جيش "أخضر" يستعمل الوقود النظيف في بعض آلياته يبدو مفهوماً مضللاً إن لم نقل مضحكاً، من دون النظر إلى سلسلة الإنتاج وخطوط الإمدادات العسكرية.
يسعى الباحثون في "TNI" من خلال هذا التقرير، إلى الضغط لكي تدرج الانبعاثات العسكرية في التقارير المناخية المقدمة من الدول إلى الأمم المتحدة، حيث ما زالت انبعاثات الكربون العسكرية مستثناة إلى حد كبير من المعاهدات الدولية منذ اتفاقية كيوتو لعام 1997، بعد ضغط من الولايات المتحدة.العدالة المناخيةتقرير آخر جاء من "Oil Change International"، أكد أن الدول الغنية ذاتها، التي تحضر المؤتمرات ويطالب ممثلوها على المنابر بضرورة الحد من ارتفاع درجة الحرارة وإنهاء الوقود الأحفوري، تعمل على توسيع إنتاج الوقود الأحفوري من خلال استمرار إصدار التراخيص والاستثمار في هذه القطاعات.
تسنيم إسوب، المديرة التنفيذية لشبكة العمل المناخي قالت في مقابلة تلفزيونية، بأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري يجب أن يتم بطريقة عادلة وفي السياق السياسي الصحيح. الدول الغنية يجب أن تدرك أنها ملزمة بتقديم مستويات معينة من الدعم المالي لضمان العدالة. الانتقال إلى الطاقة المتجددة، الذي يتعين على الدول النامية القيام به، يتطلب تكاليف كبيرة. في عام 2021، تم تقديم 21 مليار دولار فقط من الـ100 مليار دولار التي تم التعهد بها سنوياً في باريس. بينما يستمر القطاع الخاص في الحصول على تريليونات الدولارات من الوقود الأحفوري وما يتصل به من أنشطة صناعية وتجارية، وهو لن يساهم بشكل طوعي في تمويل "الخسائر والأضرار" أو "التكيف" لأنه ليس مربحاً (انتهت مداخلة إسوب).يتضح أن مبادرة العمل المناخي في الأمم المتحدة منذ "كيوتو" 1997، والتي كان هدفها الأساسي هو حماية الكوكب والفقراء، تحولت إلى منبر للدول الغنية الكبيرة وكبار الملوثين واليمين العالمي، الذين يدّعون بأنهم أبطال المناخ بينما يواصلون شن الحروب وتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري والتهرب من مسؤولياتهم.
سكاي نيوز عربية