حتى مساء 6 تشرين الأوّل الجاري كانت تحليلات وتقارير عدّة، محليّة وخارجية، تشير إلى أنّ إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية يتأرجح بين المراوحة في مكانه أو السير ببطء نحو خطّ النهاية الذي لا يبدو واضحاً بعد في الأفق القريب، إلّا أنّ رهانات مختلفة كانت ترى أنّ الإستحقاق الرئاسي قد يُفكّ الخارج المؤثّر فيه أسره عند أوّل تفاهم إقليمي ودولي حول المنطقة، ولبنان من ضمنها طبعاً.
غير أنّ ما حصل فجر اليوم التالي، في 7 تشرين الأوّل من عام 2023، عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى”، أحدث صدمة داخل الكيان الصهيوني وفي دول المنطقة والعالم، وهي عملية ستترك تداعيات واسعة لا يُنتظر أن ينتهي مفعولها قبل سنوات عديدة، إلى حدّ دفع البعض إلى الإعتقاد أنه إذا كانت حرب تموز في عام 2006 التي ما يزال الإسرائيليون تحت تأثير الضربات الموجعة التي تلقوها فيها، فإنّ عملية “طوفان الأقصى” ستبقى كابوساً يؤرق الإسرائيليين لسنوات وعقود طويلة، فضلاً عن أنّ هذه العملية النوعية شكّلت حافزاً لقيام حركات المقاومة، في فلسطين وخارجها، بعمليات مشابهة أشدّ وجعاً للصهاينة في المرحلة المقبلة.
العملية العسكرية النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية، والتي تعتبر غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، إلى حدّ أنّ الإسرائيليين إعتبروها أشدّ وجعاً من حرب عام 1973، التي صودف إنطلاق عملية “طوفان الأقصى” في الذكرى الـ50 لنشوبها، أعادت خلط الأوراق في المنطقة كلّها رأساً على عقب، وبات ما بعدها غير ما قبلها، وتغيّرت معها الحسابات والعلاقات السياسيّة جذرياً.
ولأنّ تأثير عملية “طوفان الأقصى” سيكون كبيراً وهائلاً على المنطقة برمتها، فإنّها أيضاً ستترك تداعيات واسعة على لبنان، وستدفع الإستحقاق الرئاسي نحو ثلاجة الإنتظار إلى موعد غير محدد، مثله مثل ملفات واستحقاقات عدة تأجّلت أو أُدخل عليها تعديلات جوهرية أو جرفها “طوفان الأقصى” في طريقه.
فالقوى الإقليمية والدولية المؤثّرة في الإستحقاق الرئاسي اللبناني باتت منشغلة هذه
الأيّام بما يحصل في قطاع غزّة والداخل الفلسطيني والحرب الدائرة هناك مع الإسرائيليين، وهو إنشغال تراجع معه كلّ الإهتمام بالملفات الأخرى في المنطقة، خصوصاً في ضوء المخاوف من أن تمتد رقعة هذه الحرب لتشمل لبنان أيضاً، وربّما دولاً أخرى.
وعليه، فإنّ تأجيل البحث ومناقشة إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية بات حتمياً، لكنّ تداعيات عملية “طوفان الأقصى” باتت تشير منذ الآن إلى أنّ محور المقاومة في لبنان وفي المنطقة، وحلفاؤه، هم من سيقطف نتائج هذه العملية وترجمتها في الإنتخابات الرئاسية في لبنان، وهي ترجمة ستكون ـ عندما يحين أوانها ـ إحدى مفاعيل “الطوفان” الذي يبدو أنّه سيجرف في طريقه الكثير.