افتُتح، أَمس الثلاثاء، معرض خاص لمجموعة من لوحات جبران خليل جبران، برعاية البعثة اللبنانية الدائمة لدى الأُمم المتحدة في نيويورك، وذلك في الطابق الأَول من حَرَم مبنى الأُمم المتحدة، احتفاءً بالمئوية الأُولى (1923-2023) لصدور كتاب "النبي" لدى منشورات "كنوف" في نيويورك، في ظل غياب الجهات الرسمية اللبنانية التي تتلهى في الزواريب الضيقة.المعرض بعنوان "جبران يعود إلى نيويورك بعد 100 عام"، ومن تنظيم لجنة جبران الوطنية ومتحف جبران في بشرِّي، تعاوُنًا مع جامعة البلمند والمجلس الأَميركي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالَم. واللوحات المعروضة تدور على ثلاثة محاور رئيسية: 12 لوحة منها هي من كتاب "النبي". والمجموعة الثانية رسمها جبران من وحي وادي قاديشا، والطبيعة في بلدته بشري. أما المجموعة الثالثة من اللوحات فهي للنساء اللواتي تعرف إليهن جبران في نيويورك، مثل ماري هاسكل التي كان لها دور أساسي في مسيرته الإبداعية واحتضانه، وشارلوت تيلر وأخريات. وهناك سبعة دفاتر مخطوطة لجبران هي من مقتنيات متحفه، من بينها اثنان لكتاب "النبي"، وكان اتفق مع شركة خاصة للتوضيب ونقل التحف الفنية، بشروط محددة بينها إِصدارُ جواز سفر خاص بكل لوحة على حدَة، يرافقها في رحلتها ذَهابًا وإِيابًا.وكان من المقرر أن يقام هذا المعرض في الأمم المتحدة معرض قبل ثلاثة أعوام، لكن وباء كورونا حال دون إقامته. ووجد المنظمون أن الوقت ملائم كي يقام في ذكرى مئوية كتاب "النبي" الذي يعد من أكثر الكتب مبيعاً وقراءة في أكثر من خمسين لغة في العالم. وبرأي الأديب ميخائيل نعيمه ( 1889-1988) أن جانباً من نجاح الكتاب - هو في الاختيار الملهم للعنوان، وهكذا بكلمة واحدة، رفع جبران الفنان قمة شعر جبران الشاعر الى مستوى النبوءة وحتى قبل أن يتفوه به". النسخة الأولى من الكتاب وصلت الى ماري هاسكل، فتلقته بفرح غامر وكتبت إليه في أكتوبر 1923: "الحبيب خليل، ها قد وصلني "النبي" اليوم… سيكون هذا الكتاب في المستقبل أحد رموز الأدب الإنكليزي. وفي ساعات الظلمة التي سنمر بها سنفتحه لنكتشف أنفسنا من جديد، ولنجد أيضاً في نفوسنا السماء والأرض ثانية. إنه من بين ما خطه الإنسان أكثر الكتب امتلاء بالمحبة".فكرة معرض نيويورك كانت انطلقت بها الإعلامية اللبنانية في الأمم المتحدة والناشطة الثقافية، سمر نادر، وأيدها مدير متحف جبران في بشري جوزف جعجع، وقاما معاً بتدبير كل ما يترتب على المعرض من تكاليف، ومن اللوحات المهمة في المعرض "الخريف" التي رسمها الفنان العام 1909 وعرضها في العام الذي تلاه مع أعمال أخرى في "معرض الربيع" في باريس. يومها لفتت هذه اللوحة التي تبدو فيها امرأة بكامل تمايلات جسدها العاري المفعم بالأنوثة، نظر رودان، وسأل: "مَن صاحب هذه اللوحة؟". لتكون فاتحة معرفة جبران بالنحات الشهير. ويُروى أن جبران بعد هذا اللقاء، زار رودان برفقة يوسف الحويك، وتحدثوا معاً عن الفن وتياراته وأحواله في باريس في تلك الفترة. وحين عاد جبران إلى أميركا، كان قد أدرك أن الربيع كانت مِفصلاً في حياته الفنية، قال لماري هاسكل: "أصبحت الآن فناناً".وجبران كان غادر مرفأ نيويورك جثماناً في تابوت نقلته باخرة لدفنه في 1932 ببلدة بشرّي حيث ولد في 6 يناير 1883 بشمال لبنان، لعائلةٍ مارونيةٍ فقيرة. سافَرَ منذ صِغَرِهِ مع عائلتِهِ إلى الولاياتِ المتَّحدةِ العام 1895، وهناك تَفشَّى داءُ السُّلِّ في أسرتِه، فماتوا الواحدُ تِلْوَ الآخَر، وعلى إثرِ ذلكَ عانى جبران معاناةً نفسيةً ومادِّيَّةً كبيرة، إلى أنْ تعرَّفَ على ماري هاسكل التي أُعجِبتْ بفنِّه فتبنَّتْه ومنحَتْه الكثيرَ من مالِها وعطفِها. وأكثر ما أثر في ماضي جبران وطفولته على ما يبدو، هو والده خليل، بحسب ما يمكن استنتاجه من كتابات عن جبران، ورد فيها أن شرطة ذلك الزمان اعتقلته في 1891 وسجنته بتهمة الفساد المالي، ثم صودرت أملاكه، مع أنه كان يعمل راعياً للماشية.وكثيرون ممن كتبوا عن جبران، وصفوا الأب بأنه كان فظاً، يسيء معاملة أفراد أسرته ويقسو على جبران بالذات منذ سنواته الأولى، وبسبب هذه التصرفات ابتعدت العائلة عنه بعد خروجه من السجن الذي بقي فيه 3 سنوات، ثم تركته في لبنان وهاجرت إلى أميركا حيث درس جبران فنَّ الرسمِ، وتعمَّقَ في دراستِهِ عندما سافَرَ إلى فرنسا في ما بعدُ.يستمر المعرض لغاية الجمعة 28 نيسان الجاري، ثم تعود الأَعمالُ إِلى متحف جبران في بشرِّي... وسيقام الشهر المقبل، معرض في أهم مركز فني في نيويورك والعالم، هو "دروينغ سنتر"، ويتضمن مجموعة كبيرة من رسوم جبران بالرصاص والفحم والحبر...