2024- 11 - 21   |   بحث في الموقع  
logo عون أمل في أن تتطور محادثات وقف إطلاق النار لتحصل هدنة وبعدها السلام logo الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت logo أنقرة تقترح تولّي قتال داعش..مقابل انسحاب أميركي من سوريا logo صور حصرية: صواريخ عالقة في سقف شقة مار إلياس logo روسيا تطلق صاروخاً باليستياً على أوكرانيا.. غير مسلح نووياً logo "سابقة تاريخيّة مهمّة"... حماس تُعلق على أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت! logo "الهجوم الثاني على الضاحية"... إسرائيل "تزعم" استهداف مقرات لحزب الله (فيديو) logo المقاومة الإسلامية تحبط تسللًا إسرائيليًا إلى طيرحرفا!
أَمِنْ جدوى في الانتخابات الرئاسية؟
2023-02-20 15:26:11


يتخيل بعضهم أن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية سيكون خشبة الخلاص للبنان الغارق في خضم المشاكل والكوارث الحقيقية، وأن العمل الحكومي تابع لرئيس الجمهورية، فإذا انتُخب جاء بحكومة موافقة لرؤيته الثاقبة وبرنامج عمله الرامي إلى إصلاح الخِلال في الدولة. بل يذهب بعضهم إلى بطلان عمل الحكومة في غيابه. ومن عجب أن بعض الدول الأجنبية، عربيةً أو ذات عُجمة، تكاد تقول هذه المقالة، أو تتبناها، وربما جعلتها شرطاً لمساعدة لبنان والاعتراف به. ولهذا يختصم الساسة اللبنانيون ورجال الدين وبعض الكتاب وعامة الناس في الأمر، ويسائلون فيه رجال القانون وأئمته وأدعياء الفقه الدستوري، ويستنزلون الآيات البيّنات لتأييد هذا الموقف الانتخابي أو ذاك؛ وينام بعضهم في مجلس النواب في ضوء الشموع أو المصابيح القديمة، ويعِدهم آخرون باللحاق بهم؛ ويطفئ سادن المجلس كهرباءه، لأن الكهرباء تفسد الود بين رفاق المقاعد، ولا يحق للنائمين في برد الكانونين وشباط الاستدفاءَ والاستضاءة على نفقة الدولة.
والحقيقة أن كل ذلك المشهد الملتبس خارج الموضوع! إنه تصور لانتخاب رئيس الدولة في نظام رئاسي لا في نظام برلماني ديمقراطي. وهنا لب المشكلة بل متاهتها. ويزيد الأمر تعقيداً إضفاء صفة الطائفية على النظام. إنه كزراعة نخيل الصحارى العربية في بلاد شمالي أوروبا أو أميركا، وغرسه، فوق ذلك، في تربة متشققة فاسدة.رئاسة الدولة في النظام البرلمانيهل سمعتَ يوماً أن الساسة في دولة برلمانية ديمقراطية قد اختصموا جراء انتخاب رئيس جمهوريتهم؟ لا أظن ذلك، وهو قلما يخطر في بال خبير. إن ذلك الانتخاب في مثل تلك الدولة من أيسر الأمور، لأن رئاسة الجمهورية فيها منصب شرفٍ ومقامٌ فخري، يتنزه صاحبه عن الحزبية والمصالح الشخصية، ويتمتع بصلاحيات قليلة، ويكاد يقتصر عمله على توقيع القرارات الصادرة عن المؤسستين الإجرائية والتشريعية، من غير أي تدخل فيها، ولا يَصدر في تمثيله للدولة إلا عن تلك القرارات؛ ويكفي أن يكون ذا مكانة اجتماعية أو علمية أو تاريخية عالية، وأن يستوفي شروط القيادة الحق، حتى يجتمع الكل على انتخابه، ومن غير أن يكون له منافس في غالب الظن. وربما استعفى ذوو القامات السامقة من قبول هذا المنصب لأن لهم ما يشغل عنه، مثل آنشتاين الذي قيل إن الأحزاب الصهيونية عرضت عليه رئاسة دولة العدو فلم يستجب لها. فرئاسة الجمهورية في الدول البرلمانية الديمقراطية الحديثة، بصرف النظر عن سلوك تلك الدول مع الشعوب الأخرى، وعن كونها عادلة معها أو استعمارية أو مغتصبة، إنما هي تكرمة من كبير من كبار القوم، وليست مكسباً يتسابق عليه الساسة، ويستدعى حرب داحس والغبراء، كالذي يحصل في لبنان، ولا حسدَ.التنافس على الحكومةأما التنافس فيجري في النظم البرلمانية على انتخاب النواب ورئيسهم، وعلى رئاسة الحكومة وعلى الحكومة نفسها، لا على رئاسة الجمهورية، وبمجرد أن يحوز أحد الأحزاب الأكثرية النيابية، بمفرده أو متحالفاً مع أحزاب أخرى، فإن على رئيس الجمهورية أن يسمي من يختاره ذلك الحزب رئيساً للحكومة بغير نقاش أو تردد؛ حتى إذا ألّف رئيس الحكومة مجلس الوزراء في المهلة الدستورية المحددة له أصدر رئيس الجمهورية مرسوم التأليف بلا إبطاء، ومن غير أن يتدخل في صفة رئيس الحكومة ولا في أسماء وزرائها ولا في برنامجها، ومن غير أن يخص نفسه بحصة وزارية له وأخرى لحزبه، لأنه بمعزل عن الأحزاب، ولأن مناقشة الصفات والأسماء والبرامج من صلاحيات مجلس النواب. وأخيراً ليس لرئيس الجمهورية أن يرأس مجلس الوزراء، ولا أن يقحم نفسه في جداول أعماله. أي خلاف ما يجري في لبنان كليةً. البدع السياسيةإن البدع السياسية التي تنبت كالفطر تجعل السلوك الدستوري في لبنان مجموعة مفارقات لا تخلو من الفكاهة. فالدستور اللبناني ينص على برلمانية النظام السياسي وديمقراطيته، وأن الشعب، من ثم، هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، وأن الوطن لجميع أبنائه، وأن الدولة ملتزمة المواثيق الدولية، ولاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنها تقوم على احترام الحريات والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين بغير تمييز، وأنها لهذا تعمل على إلغاء الطائفية السياسية لأنها نقيضٌ للمبادئ الديمقراطية ،الخ. هذا في النص، أما الجسم السياسي اللبناني فيزاول عادات لا يمكن وصفها بالنظام أبداً، بل هي خليط من النظام الرئاسي والنظام البرلماني والأعراف العشائرية والطائفية والمليشية والعصبية المنظمة. وبكلمة، كل ما يجافي مجموعه معنى الدولة ولا تصح نسبته إلى أي نظام من الأنظمة الدستورية المعروفة في الدول الحديثة. والمضحك أن بعضهم يباهي بهذه الفوضى ويعدها نموذجاً يجب أن يحتذيه العالم أجمع، وزيادة في النفع، نراه يضع الخطط لتقسيم هذه الفوضى باسم الفيدرالية أو اللامركزية الإدارية، وكأن تقسيم الفوضى ينشئ أنظمة متعددة صالحة، ولا يقود إلى تركيز الفوضى الفاسدة في مساحات صغرى، أو لا يستدعي مشاكل سياسية قد تبلغ الحروب الأهلية. إن مطامر النفايات تظل مطامر نفايات ولو جعلتها في أشكال هندسية خلابة، أو جعلت لأكوامها حدوداً هندسية بالغة الدقة، ولا يمكن، في أي حال، أن تصبح منتجعات صحية.الفوضى تنتج الفسادوهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ إن الفوضى لا تنتج إلا الفساد، ولهذا فإن انتخاب رئيس الجمهورية لن يهب الصحة لذلك الجسد الفاسد الذي اجتمعت عليه الأمراض، وتداعى عليه ما يسميه الأطباء اشتراكات، وغدا يرفض كل علاج، ويقاوم كل دواء. ولهذا فإن الرئيس المنتظر إما أن يكون مضطراً إلى الانخراط في الفوضى والفساد وإما سيكون عليه التنحي، وقلما ينتحى مسؤول عن منصبه في لبنان. والعقلية الطائفية العشائرية النفعية التي أنتجت الأزمات الدستورية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأمنية ستعود إلى استنساخ كل تلك الأزمات، ولا أحد يعرف وتيرتها الجديدة، أهي أسرع وأقوى، أم أبطأ وأضعف، وحسبه التوقع شبه المؤكد؟ ولهذا لا ينبغي أن نرجو نفعاً يذكر من انتخاب رئيس الجمهورية.عرض النظرية على الواقعولنعرض تلك المقدمات النظرية على الواقع.هل يتصور عاقل أن البدع التي فرضها العهد السابق، مثلاً، وبدت انقلاباً صريحاً على دستور الطائف، وحتى تجاوزاً للدستور القديم نفسه، سيحيد عنها الرئيس المنتظر؟ إن التاريخ يعلمنا أن المؤسسات الطائفية العنصرية لا تنتخب إلا المتشددين، ويزايد فيها اللاحق على السابق في التطرف، وتظل عناصرها تتفاقم ما لم ينشأ عامل خارجي أقوى منها، فيقضي عليها، أو يلجمها، ولو في صورة موقتة.
ومثال على ذلك، هل سيكف رئيس الجمهورية عن اعتبار منصبه منصباً مسيحياً وعن ادعائه تمثيل المسيحيين في السلطة والذود عما يسمى حقوقهم وعن وجودهم في لبنان والمشرق؟
وهل سيكف عن التدخل في تسمية رئيس الحكومة والوزراء واستغلال توقيعه في ذلك وفي تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والقضائيين، وفي استجلاب منافع أخرى؟
وهل سيكف عن تعطيل تأليف الحكومة والتعيينات إذا لم تكن مرضية له، ولو تجاوز في عمله الدستور ومجلس النواب ومجلس الخدمة المدنية وسائر المؤسسات المعنية بذلك؟
وهل ستمتنع الصروح الدينية من التدخل في السياسة، ويمتنع الساسة من جعل تلك الصروح غطاء لهم ومقرات رديفة للقصر الجمهوري، وأحياناً فوق القصر الجمهوري؟
وهل وهل وهل؟قرائن قويةكل ذلك مستبعد جداً، والقرينة على ذلك أن الساسة وفقهاء الدستور وأدعياء الفقه من طائفة الرئيس، حتى أدعياء الانتفاضة منهم، وحتى المعارضين للعهد المنصرم، كلهم كانوا يقرون رئيس العهد على تجاوزاته الدستورية، ويُكرهون الفتاوى على تأييدها، ويبتكرون لها أسماء لا أصل في الدستور لها، حتى زعم بعضهم أن رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس الوزراء وأن رئيس الحكومة نائب له في المجلس، وأن مجلس الوزراء لا ينعقد إلا في وجود رئيس الجمهورية، فإذا انعقد في غيابه سميت الجلسة جلسة وزارية، حتى إذا خلا كرسي الرئاسة بطل انعقاد مجلس الوزراء! ومعظمهم يرفض حلول مجلس الوزراء محل رئيس الجمهورية وكالة على ما يقضي به الدستور، حتى أنهم أقفلوا القصر الجمهوري وأسدلوا علمه عند نهاية الولاية الرئاسية، وذلك لأن رئاسة الجمهورية ملْك طائفي لا يجوز لغريب عن الطائفة تولي مقاليده، ولو بصورة موقتة واستناداً إلى نص دستوري صريح، ولو تعطلت مصالح الأمة كلها؛ أما إذا كان رئيس الحكومة من طائفة الرئيس، جاز له أن يحل يحله في القصر، وأن يبقي أعلام القصر مرفوعة، ولو كانت حكومته غير شرعية لم تنل ثقة المجلس، وكان وزراؤها من طائفة واحدة، خلافاً للدستورين القديم والجديد. وحقاً أن بعضهم تراجع عن بعض ذلك التعصب، لكن كثرتهم بقيت عليه.
وأشياء وأشياء كلها يدل على أن البلد ما بلغ هذا المبلغ من السقوط، ولنقلها بإنصاف، بفضل العهد المنصرم وحده، بل بفعل الفكر الطائفي عامة. صحيح أن ذلك العهد قد بالغ في الاستبداد والطائفية والغباء، لكنه لم يخرج عن المناخ الطائفي المدمر الذي لا يصلحه انتخاب رئيس جمهورية، ولا تبديل حكومة. وهو مناخ لا يكاد يختص بطائفة دون أخرى، على أن أثر بعض الطوائف فيه أكبر من أثر بعض، وكل الساسة ساهموا في الفساد وفي الشلل، وسمحوا بشراكتهم أو بتغاضيهم باستفحال الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية والصحية والتربوية والمعيشية، الخ، ولنقل الأزمة القاتلة الشاملة.
وبكلمة، لا يزال منتخبو رئيس الجمهورية نتاج نظام انتخاب نيابي فاسد، ولا تزال السلطة الفاسدة التي تدير الانتخابات هي نفسها، ولا يزال تكوين مجلس النواب واحداً مع تبديل محدود في النسب، لا في التكوين العقلي - ونستثني قلة من النواب لا تذكر وربما تضطر إلى اعتزال الانتخاب الرئاسي - وإجراء التجربة على مزيج واحد لا بد من أن يفضي إلى نتيجة واحدة، ولهذا سيأتي الرئيس الجديد شبيهاً بسابقه، ولاسيما أن النواب مضطرون في النهاية إلى إجراء التجربة الفاشلة نفسها، لأن أي مجموعة منهم لا تستطيع أن تتفرد بالقرار وأن تبدل قواعد اللعبة.متى يجدي انتخاب الرئيسعلى أن اتفاق النواب على إكمال نصاب الثمانين في المئة المفروض عليهم، وليس في الدستور، وانتخاب رئيس في الدورة الأولى أو الثانية، أمر في علم الغيب، وقد يطول أمده، وتجربة العهد المنصرم غير مشجعة. لكن حلاً ما يمكن أن يتيح فتح الأقفال، وهو إجماع المرشحين والمنتخبين على تطبيق النظام البرلماني بدقة، بحيث تأتي صورة الرئيس على ما بيناه آنفاً من كونه رئيس الدولة، ورمزاً لوحدة الوطن، منزهاً عن الحزبية والمنافع الشخصية، محدود الصلاحيات، ولا يتعسف في تفسير الدستور والقانون، ولا يستغل توقيعه لصرف النفوذ. وحينئذ يسارع الساسة إلى استعطاف كبار القوم من أجل القبول بالرئاسة، ويتحول الأمر من معركة رئاسية إلى ترجّ. لكن هيهات، فداء الطائفية، وربط مكانة الطوائف بمناصبها، لن يتيح مثل هذا الاحتمال في هذه الآونة.
على أنه لا خوف من وقوع أحداث مأسوية، على ما يتوجسه بعض المحللين، وستفرض الظروف الاتفاق على انتخاب رئيس حيادي عاجلاً أم آجلاً، لكن لن يقدر لهذا الرئيس إلا إدارة الأزمة من خلال الحكومة. ومن المتوقع، بعد ذلك، العملُ على تعديل قانون الانتخاب النيابي، وإجراء انتخابات مبكرة، الغاية منها كسر التساوي المعطل بين قسمي المجلس في منظور التقليديين، وتصحيح صورة التمثيل في منظور التغييريين. وسيكون على الثوار الحقيقيين لا الوصوليين، في أثناء ذلك، العمل على التوعية الوطنية الديمقراطية السليمة، ومواجهة الطائفية والعنصرية والتقسيمية، والدعوة إلى ترسيخ وحدة الأرض والشعب، والمطالبة بتطبيق الدستور بأمانة ودقة، بحيث يصبح لبنان حقاً دولة برلمانية ديمقراطية لا تتقاتل الطوائف فيها على النفوذ والسلطة، بل يتنافس المواطنون فيها بحرية وعلى قدم المساواة على اختيار الأفضل والأجدر والأنفع.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top