في سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية على ما آلت عليه أوضاعهم المعيشية وحقوقهم الوظيفية، نفذ أساتذة التعليم المسائي المعنيين بتعليم اللاجئين السوريين والطلاب الأجانب، وقفة رمزية من أمام مقرّ اليونيسيف في منطقة السوديكو- بيروت، صباح اليوم الجمعة 20 كانون الثاني. هذا فيما كانت الروابط في التعليم الرسمي (مهني، أساسي، ثانوي) قد أصدرت آنفًا دعوات فيما بينها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر تصعيدًا للإضراب المستمر منذ نحو الأسبوعين. وبعد السجال الذي حصل في تظاهرة الأربعاء الماضي، والذي أفترّ عن جو من التخاصم والتشرذم في صفوف الأساتذة والمعلمين/ات، لوحظ إقبال ضعيف نسبيًا على هذه الوقفة، التّي انتهت بلقاء وفد من هؤلاء الأساتذة بمسؤولين في اليونيسف.مطالب الأساتذةوفي التفاصيل دعا الأساتذة الجهات المانحة إلى تحمل المسؤولية تجاههم باعتبارها الممول الأساسي للعملية التعليمية للاجئين، وأعربوا عن امتعاضهم من سياسة التحامل والتسويف التّي انتهجتها السّلطة اللبنانية ممثلةً بوزارة التربية ووزيرها في ملفهم، وشددوا على أهمية تحصيل حقوقهم ورواتبهم وحوافزهم في أسرع وقت ممكن، وإلا فإنهم مستمرون بالإضراب الذي اعتبروه حقاً لهم بعد سنة من التعليم التطوعي، قسرًا إن جاز القول. ومن جملة المطالب هو دفع الرواتب بالدولار وتحسينها، وتأمين بدلات النقل التّي حرم منها هؤلاء، وفي الوضع الحالي درج مطلب الطبابة والاستشفاء كضرورة ملّحة. وحمل المتظاهرون/ات لافتات كُتبت عليها مطالبهم كالتالي:" لسنا هواة إضراب، ولكن لا تعليم من دون عيش كريم"، "لا خير في أمة يهان فيها أساتذتها"، " ثورة المعلمين بدأت للتو".
ووسط الأغاني الوطنية والبيانات والأهازيج، تكرر مشهد الاعتصام منذ يومين، حيث حصل خلاف لفظي بين عدّة أساتذة ومعلمات، فيما برره المشرفون على الوقفة معتبرين انه إشكال فردي ولا علاقة له بالمطالب التّي جاء المعلمون من مختلف المناطق اللبنانية من أقصى الشمال وصولاً للجنوب والبقاع، لرفعها. وما لبث أن أعلن المشرفون عن دخول وفد منهم إلى مكاتب اليونيسف في مبنى "سما بيروت" لنقل رسالتهم، والذي انتهى بمحصلة غير منطقية، كما أشار الأساتذة الذين تلقوا رسالة اليونيسف التي جاء بمفادها: "أن اليونيسف كانت لا تعلم بهذه الأزمات وخصوصاً بما يتعلق ببدلات النقل، وأنها ستعمل مع المسؤولين لتحسين أوضاعهم، وبما يخص أجرة السّاعة فإنها في الدولة اللبنانية 100 ألف ليرة، أي ما يساوي دولارين أميركيين".
بتبرم وقلق على مصيرهم الفردي والجماعي لفت الأساتذة إلى كونهم يعانون من ضائقة معيشية صعبة، ولحقيقة كونهم قد قاموا بتأدية وظائفهم التعليمية مجانًا السنة الماضية، ولم يقبضوا مستحقاتهم للآن. وأكدوا أنهم ليسوا بعنصريين فيما وجهوا اللّوم لوسائل الإعلام التّي لم تتبنَ مطالبهم، بل تسابقت على التركيز على حقوق الأطفال فيما حقوقهم مهدورة. وفي حديث "المدن" مع إحدى المعلمات الحاضرات قالت: "السنة الماضية كنت أستدين للذهاب إلى المدرسة التّي تبعد عن بيتي حوالى 14 كيلومتراً، وبالرغم من ذلك واصلت التعليم بالاستدانة والتعب وبضميري الإنساني. وبالرغم من كوني أستاذة في الملاك إلا أنني اخترت التعليم المسائي للاستفادة من الدولارات وتفادي الوقوع في مهانة اقتصادية كما زملائي".العنصرية ومأزق التعليموإن كان الأساتذة والمعلمين/ات قد نفوا مرارًا تهمة العنصرية التّي ألقيت عليهم بعد سلسلة من الحوادث العنصرية الموثقة، فإنهم أشاروا في سياق بياناتهم كما في حديثهم مع "المدن" أنهم لن يقوموا بتعليم الأجانب فيما أطفال بلادهم لا يتعلمون، وشددوا على مبدأ المساواة. فيما تبنى غالبيتهم تصريح الوزير حلبي الذي نادى بالخطاب نفسه، معتبرين أنه منطقي وليس بعنصري. وأكدوا أنه في كل دول العالم، الأساتذة في تعليم اللاجئين يحصلون على أجورهم بالدولار كما في الأردن وتركيا. هذه الأجور التّي تقدمها الدول المانحة والتّي تخلفت عن أداء واجباتها تجاههم، كما أشاروا. وفي سؤال "المدن" لإحدى المشرفات على الوقفة عن سبب لجوئهم للجهات المانحة فيما الوزارة هي المعنية الأساس بهذا الملف، خصوصاً أن هذا الموضوع قد سبب إشكالية سابقة فيما يتعلق بطريقة طرح المطالب والجهات المعنية بالطرح، أجابت: "نرى أن مطالبنا اليوم هي تحديدًا موجهة للدول المانحة، ونستنكر خطاب البعض الذين أكالوا علينا التهم واستهزأوا بمطالبنا، فحقوقنا لا تزال قيد الوعود، ولم نرَ أي جديّة من الوزارة. لذلك لم يتبقَ لنا سوى هذا الخيار".
اليوم حوالى 12 ألف معلم ومعلمة مضربون حتّى إشعار آخر، بانتظار الحلول الحاسمة والتطبيق الفعلي لوعود الوزارة والجهات المانحة. وفي المقابل، حوالى 150 ألف طالب لاجئ مصرح بهم ومسجلين في المدراس الرسمية، يعيشون الضياع والانتظار أسوةً بأقرانهم من الجنسية اللبناني. وهذا الواقع لا يعدو سوى كونه نتيجة حتمية لإهمال السّلطة لحق التعليم وحق المعلمين وفسادها الموصول الذي كان المسبب الأول لمجزرة الحقوق الجماعية هذه. فيما يواصل المعنيون في هذا الملف تخلفهم عن طرح أي حلول، مكتفين ببث خطابهم العنصري والتمييزي كشماعة لفسادهم، جاعلين المعلم والطالب بمواجهة بعضهم البعض في شبه تسابق على الحق ودرجة المظلومية.