عام الإضرابات والتعطيل: أزمات الرواتب والضرائب ترحّل إلى 2023
2022-12-23 12:26:05
شهد العام 2022 عشرات الإضرابات والاعتصامات والتحركات المطلبية، حتى انه يكاد يوصف بـ"عام الإضرابات والتعطيل" بلا منازع. يشارف العام 2022 على نهايته حاملاً معه سلسلة إضرابات إلى العام المقبل 2023، تنذر بمزيد من الشلل في قطاعات خاصة وعامة.
وإن دلت الإضرابات على شيء، فإنها تدل على عجز مؤسسات وقطاعات برمتها عن الاستمرار، في ظل الواقع الحالي المتعثر، والمعرض لمزيد من التدهور.القطاع العامعند الحديث عن الإضرابات وتعطيل المؤسسات، يتبادر إلى الأذهان فوراً الإضراب الأطول في تاريخ لبنان، وهو إضراب القطاع العام، الذي توقف موظفوه والعاملون في إداراته عن العمل تدريجياً منذ عام 2020، واستمر الحال حتى منتصف العام 2022، حين أعلن العاملون في القطاع العام التوقف التام والشامل عن العمل.
يعود إضراب القطاع العام الذي يقارب عدد مؤسساته وإداراته 115 وموظفيه نحو 230 ألفاً، إلى تآكل القدرة الشرائية لمداخيلهم. فالرواتب لا تزال تحتسب حتى اللحظة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1507 ليرات، في حين يفوق السعر الفعلي للدولار مستوى 46000 ليرة.
لم يحصل العاملون في القطاع العام على زيادات على أساس رواتبهم، ولم يتمكنوا من تحقيق مطالبهم المرتبطة بزيادة مداخيلهم وبدلات النقل والطبابة وغير ذلك، بما يوازي تراجع القدرة الشرائية. ولم يحصلوا حتى اللحظة سوى على مساعدات مالية بلغت ضعفي رواتبهم الأساسية بالإضافة إلى زيادة بدل النقل من 8 آلاف ليرة يومياً إلى 95 ألف ليرة (نحو دولارين).
وبعد توقف مستمر عن العمل دام لأشهر، انقسم الموظفون بين من استأنف عمله ليوم أو يومين في الأسبوع، بما يتناسب وقدرته المالية، وبين من استمر بالإضراب رافضاً العودة إلى العمل إلى حين تحقيق المطالب. وبذلك أصبحت غالبية المرافق العامة ومؤسسات الدولة خارج الخدمة بشكل كامل أو جزئي. وبات المواطنون عاجزون عن إنجاز ابسط المعاملات بما فيها وثيقة الولادة والأوراق الثبوتية.قطاع التعليمتستمر معاناة القطاعات التعليمية منذ سنوات، وقد وصلت إلى ذروتها في العام 2022. إذ تتوقف المدارس والمؤسسات التعليمية الرسمية عن العمل للسنة الثالثة على التوالي، وإن كانت تعمل في بعض الأحيان بشكل جزئي.
فعلياً، لم يتلق طلاب التعليم الرسمي في لبنان، تعليمهم بشكل طبيعي منذ 3 سنوات، أما في العام 2022، وعلى الرغم من محاولة وزارة التربية تحسين أوضاع الكوادر التعليمية الرسمية، إلا أن المعلمين لا يزالون عاجزين حتى اللحظة عن الحضور إلى أماكن عملهم، بمعنى أن رواتبهم لا تكفي اليوم لتأمين تنقلاتهم إلى المدارس والمهنيات والمؤسسات التعليمية.
من هنا، تم ترحيل أزمة قطاع التعليم إلى العام 2023، بكل ما يحمل من مطالب ترتبط بالنظام الصحي والرواتب وبدلات النقل. ولا تقتصر أزمة القطاع التربوي اليوم على أوضاع المعلمين وحسب، فوزارة التربية تعجز عن تأمين التدفئة والقرطاسية والمواد الأولية للمدارس الرسمية.الكهرباء والاتصالاتوليس حال قطاعات الكهرباء والاتصالات بأفضل من باقي القطاعات، فالعاملون في الشركات المشغلة للقطاع الخليوي (ألفا وتاتش)، يختمون عامهم بإضراب يعود إلى رفض وزارة الإتصالات تحقيق مطالبهم. وتتركز المطالب على تعديل الرواتب والمداخيل وتكريس المساواة بين الموظفين.
ولا بد من الإشارة إلى أن رواتب موظفي القطاع الخليوي تم تعديلها مؤخراً، وهي بالطبع لا تُحتسب على أساس سعر الصرف الرسمي، غير أن التراجع المستمر بقيمة الليرة اللبنانية يجعل من تلبية المطالب العمالية حالة مؤقتة وغير نهائية.
وكما الاتصالات كذلك قطاع الكهرباء، فقد توقف عمال ومستخدمو مؤسسة كهرباء لبنان عن العمل رفضاً "للإجراءات التي تفرضها المصارف عليهم، والتي تحرم الموظفين من سحب كامل مداخيلهم. ونظراً لارتباط أزمة موظفي الكهرباء بوضع القطاع المصرفي وممارساته، فمن المرجّح ان تستمر التحركات المطلبية وتعطيل العمل حتى العام المقبل.القضاء غائبويبقى الإضراب الأكثر قساوة، إضراب الجسم القضائي، أو ما يحرص القضاة على تسميته "الاعتكاف القضائي". فمهما كانت تسميته يبقى مفعوله قاسياً جداً على المواطنين. فالإضراب المفتوح منذ أشهر رتّب نتائج كارثية على مئات القضايا العالقة في المحاكم، وألحق ظلماً بمئات الموقوفين في السجون اللبنانية.
فإضراب القضاة أدى إلى تعطيل على مستوى العمل الحقوقي والعدلي وشلل كافة المحاكم، ولم ينته حتى اللحظة. إذ ترتبط المطالب ببند أساسي هو "المداخيل". ولأن المداخيل ترتبط بشكل مباشر بالقدرة الشرائية لليرة اللبنانية، فإن تعطيل المحاكم وإضراب القضاة غير واضح المصير، ولا شك تم ترحيل أزمة تعطيل القضاء اللبناني إلى العام 2023.والمصارف كـ"الجُزر"وإذا كان القضاء غائباً فإن القطاع المصرفي حاضر بسبب غياب القضاء. ويعتمد القطاع المصرفي إجراءات تجعل منه جزيرة منفصلة عن البلد. فلا مجال للعملاء المصرفيين الدخول إلى المصارف ولا تسيير تلقائي للمعاملات، ولا سحوبات نقدية إلا ضمن سقوف منخفضة ولا تحويلات. وليست أزمة القطاع المصرفي مؤقتة ولا حتى ظرفية، بل هي أساس الأزمات وجوهره. ولا شك سترحل إلى العام المقبل وسواه من الأعوام اللاحقة، إلى حين صوغ حلول نهائية لقطاع منهار.أزمة الضريبةإضرابات عديدة قد تكون موجعة تم ترحيلها تلقائياً إلى العام 2023، ويكاد يكون أخطرها إضراب النقل الجوي. إذ حذّر اتحاد النقل الجوي ومعه المستشفيات الجامعية وموظفو المرفأ، من تنفيذ إضراب عام وشامل بداية العام المقبل 2023 في حال لم يتراجع وزير المال عن قراره الأخير المرتبط بتعديل ضريبة الدخل.
ولأن غالبية أزمات القطاعات والإضرابات والتعطيل ترتبط بتراجع القدرة الشرائية للعملة الوطنية، فإنها من دون شك ستُرحّل إلى العام 2023، وربما تستمر لأكثر من عام ريثما تشمل الحلول النهائية العملة الوطنية وحمايتها من التآكل بوجه الدولار.
وكالات