صدر عن دار النهضة في بيروت كتاب "لبعض السفر أحتاجك"، يضمّ قصائد للشاعر خالد الأمين جمَعها وقدّم لها، الشاعر والفنان التشكيلي العراقي علي البزّاز، مع شهادات لعبد الرحمن طهمازي، عبد الرزاق رشيد الناصري، أحمد الباقري، عبد الحسين الهنداوي، عزيز عبد الصاحب، سناء عبد القادر مصطفى، عقيل حبش وفاضل عباس هادي. كما يضمّ الكتاب مجموعة من الصور الفوتوغرافية للشاعر وقصائد بخط يده تنشر للمرة الأولى. يقول البزاز في المقدمة: انشغلتُ بجمعِ أرشيف الشاعر خالد الأمين أزيد من عشرين عاماً، فتعرّفت في أثناء ذلك، إلى أشخاص عدّة وإلى وعودٍ عديدةٍ، أدّعوا بامتلاكهم قصائد ومقالاتٍ له، لكن للأسف لم يفوا بشيء يُذكر!! وكأنّ يُرادُ للسرِّ أن يبقى في سرٍّ ثانٍ وفي طبقاتٍ منه منطوياً على تخفٍ وخوفٍ من العلن. وربّما سيأتي أحدٌ ما، وينشر ما لديه من تراث الشاعر، فيتوّج سعادتنا بسعادات أخرى. فما ذا يريد الشاعر الذي لا قبر له؟بطاقة
ولد خالد الأمين في العام 1945 في مدينة الناصرية وعاشَ فيها. وكان أبوه من أثرياء المدينة القلائل، وقد أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس الناصرية، ثمَّ نال شهادة البكالوريوس بالاقتصاد من جامعة بغداد عام 1967.تأثر خالد الأمين بالشعر الفرنسي، وقرأ رامبو وبودلير ومالارميه وسان جون بيرس واراغون، كما كتب مقدمات لقصائد فرنسية مختارة ترجمها الكاتب أحمد الباقري في كتاب حمل عنوان «رصيف سوق الأزهار». ويقول المترجم إن مقدمات خالد الأمين بلغت مستوى رفيعًا ضاهت فيه القصائد المترجمة.انتمى خالد الأمين إلى تنظيم "القيادة المركزية"، المنشقّ عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والذي قادَ حركة "الكفاح المسلح" في أهوار الناصرية ضدّ حكم البعث في العراق، وفشلت الحركة يومذاك.انتمى خالد الأمين إلى «الحزب الشيوعي»، وكان محظورًا حينها بعد سيطرة «حزب البعث» على السلطة، وعن هذا يقول الشاعر حسين الهنداوي الذي كان رفيقًا لخالد الأمين في تلك الفترة: «لا أذكر أننا تحدثنا بمفردات الأيديولوجيا اليابسة أو بالشعارات. وضع تنظيمنا الطلابي ورفده بالأعضاء الجدد كان موضوعنا الأساسي في لقاءاتنا السرية العديدة التي لم تكن تدوم غير ساعة واحدة في الغالب، وكان هو مسؤول الحزبي خلالها، وكان اللقاء في درابين الباب الشرقي عادة، فالحذر من بطش الأجهزة البعثية صار شاغلنا الأكبر في تلك الأيام».
اعتقلَ خالد الأمين ثانيةً في الناصرية من قبل الأمن العراقي، وسجن في معتقل "قصر النهاية" سيئ الصيت، ولُقّب بذلكَ الاسم لأنّ كلّ مَنْ يدخلُ إليه، لا يخرجُ منه إلّا ميّتاً.بعد ذلك تضاربتْ الآراء حول ظروف اعتقاله ومصيره المأسوي (ثَمّة روايات كثيرةٌ في هذا الأمر، لكنّها للأسف لم توثّق، ولم يُتّفق على صحتها). الأمر الأكيد هو، اعدام خالد الأمين تحت التعذيبِ المفرط، وهو الكائن الرقيق، رقّة التربة العراقية، تتحمّلُ الأهوال والمصائب، على رغم تكوينها النضر. لم يُعثر على جثمانِه لغاية الآن، وهكذا، تطابقَ مصيره مع مصائر الكثير من أبطال التراجيديا الإنسانية، لكن بصورة أشدّ وأقسى.
أتلفت قصائد خالد الأمين بعد إعدامه، وكانت هذه عادة عوائل الشعراء أو الكتاب الذين تعدمهم السلطة، يتخلصون من نتاجهم الأدبي مخافة أن تلاحق السلطة بقية أفراد العائلة. ولا تتوفر للشاعر خالد الأمين سوى ثلاث قصائد هي «القلب البديع»، و«منفضة الأصابع المحشوة بالأصوات»، و«الغرف».
من الكتاب* القلب البديعلبعض السفر أحتاجكلكنما ما فعل طيش الذاكرةوأيّ زنخ يُثيره الليل بهذا النهار البتولبل ويا للصراخ الكالح المقوّسلربما الملائكة... لولب الآونةوالسير دون رجعة...هو أصعب الملاحظاتلأني أعلم...كيف تجرَّدت من الأعضاء التي شغلتهالكنما أيّ جزع يصنعه الطقس الأبيضبسلّة من دخانوودت لو أثقب غرفتيلأسيل نحو الشجر، حزيناً، وبغبرة خفيفةلأني أعلم اليومليس ثمة بلل في هذه الساقيةبل ولا حتى نافذة تشرق منها زهرة الليلفما نفع الديوك المعطرةوما نفع البحر بالزوارق التي تكفّر عن نفسهانحو الوراء... يتقدم الآتي،هذا نصيب الكلوولّى الفجر الذي نصعد إليهوها هو الانتظار يبدأ نقطة... نقطةوبَجَلَبَةٍ واحدة.إلى أيّ الغرف ذات الويل... يقودنيبعنق غيرك لاحقت أرياف الإعدامعزلة مغطاة بأفخم الانكساراتتجري دون توقف ضد حافة الفضاءهي مياه الحديقةوهي هذا المساء ذو العضلات والأكفان الزرقبينما زجاج الفاقة وحدهالذي يصنع محطةً لعشب مثير.