لم أعانِ رِهابَ الُّلغات إزاء وحدانية لغةٍ واحدة أتقِنُها وأكتُب بها نصوصي، هي العربية؛ وفي طويّتي أكتُمُ نقصَ معرفتي بلغات العالم، أو إحداها، أو اثنتين منها، في الأقل؛ وأغبِطُ اولئك المتمتّعين بتعدّد لغاتهم؛ وأعجَبُ كيف لا يهيمنون على سواهم من أهل اللغة الواحدة، المعزولين جَبراً في حُصنهم الأبدي. هل تصحُّ مساواتنا_ نحن المتمسِّكين بعكّاز آدم القديم_ بِمَن يُمسِكون بكِتاب البحر والغابة والجبل_ هؤلاء الذي أجلسَهم "طاغور" على قِمم الهملايا؟
تقع المقارنةُ هذه في صُلب العمل الفكري والأدبي، الذي يشمل آلافَ الكاتبين، بل ملايينَ منهم، على محيط العقل الكونيّ، منذ فجر التاريخ وحتى عصرنا هذا، عصر الكتابة العابرة حُصنَ اللغات وعزلةَ النفس الجالسة على الهمالايا.
وصفَ "طاغور" الكِتابَ، الذي تُمسِكه تلك النفسُ، بالكِتاب الحجريّ، العابرِ للزمن واللغات؛ وأصِفُه من زاويتي اللغوية بكِتاب الرِّمال ذي الصفحات الدَّهرية، والهمساتِ الشَّفرية. فهل يتساوى كتابُ الهمالايا مع كتاب الغار الرمليّ؟ وهل من كتابٍ ثالث، مجهول الموقع، في رحلة الإنسان القارئ_ الكاتبِ قصةَ نُشُورِهِ المستقبليّ؟ وبأيّ لغةٍ دُوِّنَتْ رؤياه؟
بلى، وأيم الحقّ؛ عبارتي المدوَّنة في كتاب النُّشور هي بلغةٍ تُقرأ كيفما يفهمُها إنسانٌ_ لعلّه الإنسانُ الأخير_ على هذا الكوكب الراقص دونما ثبات؛ بلا تمايز أو افتخار أو استباق. ولتكُن هذه اللغة عربيّةً أو سنسكريتيّة، أو نوعاً من لغات الحاسوب الكوني الذي سيحمل شفراتِها روبوتٌ في رحلة بعيدة خارج نطاق الأرض المغناطيسيّ، بعيداً بعيداً إلى نهاية المصير.
حتى ذلك الحين، من النَّفاذ الى الحقيقة_ بعد اللغوية_ تظلّ عربيّتي لُغتي التي تُمسِكُني بِخِناقِها، وتروي عروق كتابتي بترياق الألفيّات اللغوية الساري فيها. وهل من سبيل إلى القفز على قِمم العالم القصيّة؛ وقد شبَّ صبيُّ الكُتّابِ وتجذَّرت قدماه بمثل ما تجذَّرت شجرةُ آدم!
عربيّتي_ همالاياي_ صفحتي المكتوبة مثلما تفرّعات شجرة عميقة الجذور.(*) مدونة نشرها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية