على أثر إعلان ذوالفقار حيدر، طليق الناشطة النسوية الراحلة، نادين جوني، مشاركته/تقديم "قصته" في إحدى مسرحيات "مسرح شغل بيت" لمخرجها شادي الهبر في "مسرح المدينة"، والتي كانت ستعرض في 17 كانون ثاني 2022 تحت عنوان"ستار" من إعداد الدفعة الـ18 من طلاب "مسرح شغل بيت"؛ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي باستنكار الناشطات النسويات وأصدقاء الراحلة لما اعتبروه منح مساحة للمعنّف وتطبيعاً مع العنف وتبريراً للعنف ضد النساء، لا سيما في ظل غياب نادين التي رحلت وهي محرومة من حضانة طفلها.في تشرين الأوّل 2019 رحلت الناشطة النسوية نادين جوني، قبل أن تنتصر على المحاكم الشرعيّة وتستعيد ابنها كرم الذي ناضلت طويلاً من أجله، وبعد رحلة من الجهود المؤلمة وحملات كبرى قادتها الراحلة نصرةً لقضايا النساء والطفلات والفتيات القاصرات أثناء عملها في منظمة "أبعاد" كمسؤولة إعلامية ومديرة حملات حقوقية تُعنى بقضايا النساء.رحلت نادين وهي تطالب باستعادة طفلها، ولم تنته المعاناة هنا، بل ورثت عائلتها المعاناة نفسها بعدما قرر طليقها حرمان العائلة من رؤية حفيدها. وفوجئ كل من كان يقف إلى جانب نادين ويعرف ما تعرضت له من عنف وظلم وحرمان في حياتها، بمنشور لحيدر في صفحته في فيسبوك للترويج لمشاركته في المسرحية، حيث كتب: "لأول مرة برد بعد سنين". وبعد تواصل الناشطات والناشطين والجمعيات النسوية مع مخرج العمل شادي الهبر، قرر على الفور إيقاف العمل وإقصاء حيدر من المسرحية حسبما قال لـ"المدن"، وفي حديثه وضّح الهبر أنه لا يعرف تفاصيل عن قصة نادين جوني، قائلاً: "أشدّد على أن مسرح شغل بيت لا يعتمد شغل أي تقنيات تتعلق بالعلاج الدرامي المسرحي، أو كتابة التاريخ الشفهي أو أي منهجية أخرى تقارب المسرح من زاوية سياسية، إنما حصراً يقدّم التدريب على تقنيات التمثيل والكتابة المسرحية من دون الغوص في التجارب الخاصة للأفراد بصورة معمّقة، بالتالي فإن انتساب الأشخاص إلى التدريب لا تسبقه أي مراجعة لخلفية الأشخاص في المساحة العامة في حال وجودها".أضاف الهبر: "أود أن أشير أن في المسرحية قضايا نسوية مهمّة جداً، ولا أقبل بأي شيء قد ينتقص من قضايا النساء وحقوقهن". وجاء في البيان التوضيحي لمسرح شغل البيت الذي صدر قبل يومين: "يهم مسرح شغل بيت التأكيد على أنه على الرغم من كوننا لم نختر أن ننخرط في منهجية عمل مسرحي تتبنى بعدها السياسي، بل حصرنا عملنا في التدريب التقني تاركين المجال لكل طالب ان يختار الزاوية التي يراها للعمل المسرحي لاحقاً بعد تخرجه، غير أننا ندرك ان السياسة ببعدها الاجتماعي اليومي ستفرض نفسها في النهاية، وهكذا كان مسرح شغل بيت، مكاناً داعماً وآمناً لنساء عديدات ليعبّرن عن قضاياهن بالصيغة التي تناسبهن، وبالمعنى نفسه، رفضنا أن يكون مسرح شغل بيت، مساحة "ردّ" على النساء أنفسهن". وينظم مسرح "شغل بيت" سنوياً محترفاً للتمثيل والإخراج المسرحي من إعداد وتدريب المخرج شادي الهبر، على أن ينتهي بعرض مسرحي من تمثيل وإخراج المشاركين والمشاركات مع شهادة في التمثيل والإخراج بعد فترة تسعة أشهر. ناهلة سلامة، إحدى الطلاب القدامى في مسرح "شغل بيت"، كانت من المشاركين في الحملة لإيقاف عمل ذوالفقار حيدر. وكتبت في صفحتها: "قديه الإنسان ممكن يكون وقح وبلا أخلاق ليطلع على المسرح ويحكي كأنه ضحية وهو سبب بحرمان أمّ من طفلها". وبحسب تجربتها مع "شغل بيت"، تقول سلامة لـ"المدن" إن الجميع يشاركون قصصهم الشخصية في ورشة العمل، ولكل منهمن الحرية في اختيار القضية التي يرغب بتقديمها في المسرح، لكن أي نص لا يمر من دون إطلاع مخرج العمل عليه، "والمخرج الذي قدم مسرحية "عزيزتي ألفت"، التي تتناول قضية الحضانة، سمح لوهلة لمَن حرم نادين حضانة طفلها بالتعبير عن نفسه، بالطبع كان يعلم القصة، بما أن حيدر كتب في صفحته: هذا رد بعد سنين، ما يعني أن شادي الهبر كان يعلم ما في النص، لا يمر أي نص من دون إطلاع مخرج العمل عليه"، تردف سلامة.وكانت جمعية "شريكة ولكن" أول من بادر لإطلاق تحرك تنديداً "بتلميع صورة المُعنِّف" وتواصلت مع الهبر لمطالبته بإيقاف العمل وطالبته بتوضيح ما جرى، لما اعتبرته تطبيعاً مع الظلم وإفساحاً للمجال أمام المُعنِّف لتقديم وجهة نظره في غياب الطرف الآخر. وتواصلت "المدن" مع مديرة البرامج في الجمعية، حياة مرشاد، التي اعتبرت أنه لا مبرر لما حدث، خصوصاً أن ورشة التحضير للمسرحية استغرقت تسعة أشهر، ما يعني أنه كان يجب على المخرج الاطلاع أكثر. وقالت مرشاد: "لا يمكن إعفاء المسرح والمخرج تماماً من المسؤولية حول الموضوع، لكن نتمنى أن يكون ما حدث تجربة لهم ولغيرهم للحرص بشكل أكبر على مضامين مسرحياتهم في المستقبل ولتجنب أي ضرر بقضايا وحقوق النساء". وذكرت مرشاد أن الجمعية كانت قد واكبت رحلة معاناة نادين قبل رحيلها وصراعها مع المحكمة الجعفرية من أجل الحصول على حضانة طفلها، واليوم الحال نفسه يتكرر مع عائلة الراحة التي تُحرَم هي أيضاً من رؤية الحفيد بقرار من طليق نادين، ذوالفقار حيدر، والمحكمة... وإن غابت نادين فصوتها وروحها لن يغيبا وسنستمر في حمل القضية"، ختمت مرشاد.المحاكم الجعفرية (محكمة عليا و20 محكمة ابتدائية) تطبَّق، برعاية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وهو المرجعية الرسمية للطائفة الشيعية في لبنان، أحكام "دليل القضاء الجعفري" النافذ منذ العام 1994، في ظلّ غياب قانون للأحوال الشخصية خاص بالطائفة. والبند المتّصل بشروط الحضانة في الدليل، ينصّ على حق الأب في حضانة ابنه من عمر السنتَين (أي مع انتهاء فترة الرضاعة) وابنته حين تبلغ السابعة من عمرها.وتؤكد ندى جوني، شقيقة الراحلة، لـ"المدن"، أنه العائلة ممنوعة من رؤية حفيدها، وأن هذا قرار من المحكمة التي لطالما تسلّح بها ذوالفقار حيدر بفضل قوته ونفوذه، وتتابع: "نريد أن نرفع صوت نادين الذي سيبقى حاضراً في وجه المُعنِّف وعائلته، ولا صوت يعلو فوق صوت نادين، من غير المقبول أن تُعطى أي مساحة للمُعنِّفين لمشاركة ذكوريتهم وهذا في الأساس تطاول على حرمة الموت وإهانة لحفيدنا كرم". وأضافت ندى أنها لن تصمت بعد اليوم، وستخرج إلى العلن وتشارك كل ما تعرضت له الراحلة من ظلم وعنف مستمرَّين من قِبَل ذوالفقار حيدر وعائلته، حتى بعد وفاة نادين.. "كل ما يطلع يحكي رح نسكته، صاحبة الحق ماتت بس القضية بعدها عايشة، حق نادين بكرم، وحق كرم بنادين، خط أحمر وحق الأمومة خط أحمر".. وتساءلت جوني في نهاية الحديث عن مضمون النص الذي كان حيدر سيقدمه في العرض: "ماذا كان سيخبر في مسرحيته؟ أنه كان مُعنِّفاً وحرمها من طفلها؟".