2024- 12 - 23   |   بحث في الموقع  
logo مقدمات نشرات الأخبار المسائية logo أسرار الصحف logo عناوين الصحف logo الاستراتيجية والتكتيك لدى الحلف الصهيو-أمريكي منذ تسعينيات القرن الماضي!.. بقلم: المحامي عبد الناصر المصري logo سوريا بين نيل الحرّية وتحدّي الكرامة الوطنية!.. بقلم: حمد رستم logo جلسة 9 كانون الثاني: التفاؤل والتّشاؤم متساويان… عبدالكافي الصمد logo جنبلاط في قصر الشعب في زيارة سياسية وجدانية بأوجه عدّة!.. غسان ريفي logo الاحتلال يستهدف مستشفى كمال عدوان.. والفاتيكان يندد بـ"القسوة الإسرائيلية"
إعلام وسياسة وكتاب مقدّس
2022-12-18 08:56:07

يلفت في حلقة برنامج «ألبوم حياتي» التي عُرضت على «صوت بيروت إنترناشيونال» يوم الجمعة الواقع فيه التاسع من كانون الأوّل/ديسمبر 2022 أنّ ضيف الحلقة، الدكتور فارس سعيد، استشهد بإنجيل يوحنّا لتوصيف السلوك السياسيّ لكلّ من نايلا معوّض، وليد جنبلاط، وكميل شمعون (الجدّ). وعند الدكتور سعيد أنّ نايلا معوّض «قرأت» إنجيل يوحنّا فيما وليد جنبلاط وكميل شمعون لم يفعلا. معدّة البرنامج ومقدّمته ديانا فاخوري لم تفهم، بادئ ذي بدء، ماذا كان يومئ إليه سعيد، فعاجلته بطلب توضيح. قراءة إنجيل يوحنّا تتلخّص لدى سعيد في أنّ نايلة معوّض «صغرت»، بمعنى أنّها انسحبت من المشهد السياسيّ، كي «يكبر» ابنها، أي كي يزداد حضوره في السياسة، فيما كميل شمعون ووليد جنبلاط لم يتعلّما أمثولة هذا الإنجيل العظيم.
إشارة فارس سعيد هي إلى آيتين في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنّا، وهو الرابع في تعداد الأناجيل كما ترد في العهد الجديد: «من له العروس فهو العريس. وأمّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً، فرحي هذا قد كَمُل. ينبغي أنّ ذلك يزيد وأنّي أنا أنقص». الكلام، هنا، هو ليوحنّا المعمدان الذي يوصّف علاقته بالمسيح يسوع على أنّها تشبه الرابط بين صديق العريس والعريس. فالمسيح هو العريس. ويوحنّا هو الصديق الذي يفرح لعرس صديقه، لكنّه يقف، بمعنًى ما، في الظلّ ويتوارى شيئاً فشيئاً. بظهور المسيح، يتراجع دور يوحنّا، الذي كان نوعاً من التحضير لهذا الظهور. بهذا المعنى، يوحنّا ينبغي له أن ينقص ويسوع ينبغي له أن يزيد.
خلفيّة كلام يوحنّا المعمدان هذا هي علاقته الملتبسة بالمسيح يسوع التي تشهد عليها الأناجيل الأربعة. ويحاول كلّ كاتب من كتّاب هذه الأناجيل أن يتدبّرها ويؤوّلها بأسلوب خاصّ به. فالنبيّ يوحنّا، وهو إيّاه يحيى القرآن الكريم، أكبر سنّاً من يسوع. والمصادر القديمة تتّفق على أنّه هو الذي عمّده في نهر الأردنّ. يوحنّا، إذاً، يمتلك كلّ الأسباب التي تؤهّله لأن يكون متقدّماً على يسوع. لكنّ الأناجيل تُجمع على أنّ يسوع صار هو الأهمّ في المخطّط الإلهيّ لخلاص البشر بوصفه المسيح، وأنّ دور يوحنّا، على أهمّيّته لكونه كان يعمّد ويدعو الناس إلى التوبة، هو في آخر المطاف دور تحضيريّ لمجيء المسيح. هذه الجدليّة بين المعمدان والمسيح تتراجع في القرآن. فهناك، كلاهما نبيّ من لدن الله ولا مجال للمفاضلة بينهما إلّا من حيث إنّ ولادة يحيى كانت من امرأة عاقر فيما ولادة عيسى كانت من عذراء، وبالنظر إلى أنّ عيسى المسيح أوتي كتاباً هو الإنجيل فيما لا ينسب القرآن إلى النبيّ يحيى أيّ كتاب.
استشهاد أهل السياسة (والإعلام) بالكتب المقدَسة، ولا سيّما المسيحيّة، ليس ظاهرةً شائعة. لكن من الواضح أنّه تكثّف في الآونة الأخيرة. إعلاميّ، مثلاً، يَحسن الاستماع إليه لا لمقدرته الفذّة على التحليل السياسيّ، بل لما يتمتّع به من موهبة خطابيّة تجمع بين المعلومة السياسيّة والعبارة الطريفة وروح الدعابة، معروف عنه أنّه كثيراً ما يقتبس من الإمام عليّ. لكنّه، مؤخّراً، وسّع مروحته واقتبس من بولس الرسول في إحدى المقابلات معه. سياسي آخر، أشار في حديث تلفزيونيّ إلى أنّ المسيح قال إنّ الله لا يحتمل الفاتر، إذ على المرء أن يكون إمّا بارداً وإمّا حارّاً. معدّ البرنامج، الذي لم يكن يلمّ بخلفيّة القول، قام باتّصالاته. وما لبث أن أتى الجواب من مصدر «موثوق» به أنّ المسيح لم يتفوّه بكلام من هذا النوع. اعتذر السيّد السياسي، وقال إنّه نقل هذه المعلومة عن أحد رجال الدين المسيحيّين من دون أن يدقّق فيها. ما لم ينتبه إليه أحد آنذاك هو أنّ الكلام الذي نقله السياسي بتصرّف ينسبه كتاب رؤيا يوحّنا اللاهوتيّ إلى المسيح فعلاً، وذلك في أثناء مخاطبته أحد شيوخ الكنيسة في آسية الصغرى: «هكذا لأنّك فاتر، ولست بارداً ولا حارّاً، أنا مزمع أن أتقيّأك من فمي» (١٦/٣). «انتصار» مقدّم البرنامج على السياسي كان، إذاً، انتصاراً وهميّاً.
بقدر ما يشكّل اقتباس أهل السياسة والإعلام من الكتب المقدّسة أمراً لافتاً، ولا سيّما إذا كان الاستخدام في محلّه ولو اختلف السياق، بقدر ما يشكّل جهل بعض الإعلاميّين بالتراثات الدينيّة، بما فيها النصّ الدينيّ ذاته، أمراً غير مستساغ، وخصوصاً أنّ هذا يحدث في سياق لغة إعلاميّة تكاد لا تعرف من الدين سوى الطائفيّة وتوزّع الكتل في الندوة البرلمانيّة على «المكوّنات» الدينيّة والمذهبيّة. إنّ الانحراف السياسيّ لا يمكن التصدّي له بالمعرفة فقط. فهذا يحتاج أيضاً إلى الثبات والعصاميّة والالتصاق بالأخلاق وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصيّة. لكنّ شيئاً من المعرفة والإلمام بحقائق الأمور أمر مفيد بالتأكيد. ولعلّه اليوم بات ضرورة ملحّة في زمن يطغى عليه الجهل والتجهيل.. حتّى في السياسة.



وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top