صدرت لدى دار المدى رواية "جنوب" لدنى غالي، الروائية والشاعرة والمترجمة من مواليد البصرة العراقية والمقيمة في الدنمارك. وجاء في تعريف "جنوب":نندم لأننا غادرنا، ونندم لأننا لم نغادر، ونندم لأننا غادرنا ولم نغادر في الوقت ذاته! هناك ما يبدو على السطح وكأن قراراً ما اتخذه المرء بوعي تام تحت ظرف ما: أن ينتمي إلى حزب سياسي كأن يكون شيوعيا أو بعثيا، أن يتزوج ممن أحبّ لأنها أو إنه الدنيا، أن يترك البيت الصغير وينتقل إلى البيت الكبير الحلُم، أن يحمل سلاحا، أن يسرق أو يبيع جسده أو جسدها، أن يكون لديه أطفالا... كل هذا يبدو مضحكا لحظة فحصه، محض ثرثرة لا معنى لها حيال قيوده، والصدفة التي قادته في النهاية إلى غربته.مقطع من الرواية: "خطوات" و"مانفيستو الحجرة" "كانت تلك الطفلة تستحي من الوقت المتأخر، إذ كل شيء يصير هُلامي القوام. وحين يسكر الرجال الكبار تلمس أياديهم الأمكنة الخطأ، يحضنون بعضهم، جِلْدا بِجِلْد، خدّا بخدّ، يُقَبّلون أطفال بعضهم، يخلّفون بُصاقاً برائحة مُنفِّرة. تستحي الطفلة جدّا بتقدّم ساعات الليل، حين يلتهمون بقايا المزَّات الفاترة، ممزوجة بالرماد في الطاسات المزدحمة على الطاولات الصغيرة المهتزة، حين تتهدّلُ الخصلات ويبطل مفعول مثبِّت الشَّعْرِ للأمهات المتعَبات من كعوبهن العالية، وهنّ ينسحبن لترتيب المطبخ وغسل الصحون، بينما السجائر تُطْفَأ خارج المنفضات، وترُ العود ينقطع، والفمُ بدل الخدّ، النهد المتورِّم للتو بدل الكتف لمداعبة الطفلة.يتكرّر النداء سنة بعد سنة، الذكرى الـ... لتأسيس الحزب. العيون المكلّفة بالحراسة تظلّ مصوَّبَة نحو الباب خوفا من مداهمة. لا يُمنَح الأطفال إذنا أو مساحةً للعب مع بعضهم. المساحة يشغلها الكبار بالأكل وبالشرب، بالرقص، حتى لا يعود هناك أخيراً من مكان للأطفال. وهي لا تريد لهم غير أن يتركوها تنام. الدُّخَان وكلّ السرّية يمشيان يدا بيد مع ذلك الصخب، وهي تعرف كل هؤلاء الآباء، الأبو جميل والأبو تحسين والأبو فولكا، الذين يتحركون مبتسمين ليديروا الماء وغيره في الكئوس. تصطبغ العيون بالأحمر، ولا ضرر من الأصوات العالية المقترنة بصوت الرفاق عبر خطب الوطن وأغاني النضال، لا ضرر في إيقاع الطبلة، وجِلْد الطار الذي بَرَدَ ففَقَدَ رنينه، ولا رقص الأطفال الخجول، نزولاً عند رغبات الكبار، الذي يحتشد من خلفها، من دون أن تفهم، شيء أشبه ببكاء مُلِحٍّ مُختنق، حتى تقع أخيراً تلك الجملة المفزعة.