تستمر فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ64 في مركز سي سايد أرينا في الواجهة البحرية الجديدة، مؤكدة يوماً بعد يوم أن القراءة بتوقيت بيروت لا يمكن أن تتوقف مهما حصل، بدليل أن حركة الزوار للمعرض تشهد كثافة غير متوقعة، لا سيما في صفوف جيل الشباب والطلاب الذين بلغ عددهم حتى الآن نحو 2200 طالب من 25 مدرسة ومعهد وجامعة من مختلف المناطق اللبنانية.
وتستمر بالموازاة، حفلات توقيع الكتب والندوات والمناقشات التي تُغني أروقة المعرض، حيث أقيمت ثلاث ندوات توزعت بين مناقشة لكتاب "رحلة في متاهات الأسر" للأسير رأفت البوريني، و"زواج المبدعين" للشاعر شوقي بزيع، وأمسية بعناون "تحية وفاء لأعلام لبنانية"(رياض نجيب الريس -د.ميشال جحا-أ.سماح إدريس -د.ملحم شاوول-أ.وجيه فانوس-د.جبورالدويهي".
وكان النشاط الأول من تنظيم دار أبعاد التي أقامت ندوة ناقشت كتاب: "رحلة في متاهات الأسر" لرأفت البوريني بإدارة تغريد عبد العال ومشاركة كل من الوزير السابق الدكتور طراد حمادة، الدكتورة فاتن المر، والدكتورأحمد طالب والأستاذة سيلفيا عمون.
والنشاط الثاني كان مناقشة كتاب "زواج المبدعين" للشاعرشوقي بزيع بإدارة ندى حطيط ومشاركة كل من رشيد درباس وسليمان بختي.
بدأت الندوة بتقديم لندى حطيط التي قدمت ملخصاً عن فكرة الكتاب المتعلقة بزواج أو إرتباط كاتب معين مع شخص يُشاركه الإبداع، معتبرة أن العلاقات الزوجية بين المبدعين هي أقرب إلى المقامرة في عالمنا العربي نظراً لذكورية مجتمعنا من جهة، والغيرة الأنثوية من جهة أخرى.
بدوره، مدح الوزير السابق رشيد درباس، الكتاب وقال: "أحرضكم على الكتاب بكل ما أوتيت من قدرة على الإقناع، لتكتشفوا لمحات عن خصوصيات المبدعين الذين تتضارب طبائعهم وتختلف أمزجتهم ويشذّ أو لا يشذّ وفق تكوينهم النفسي، ومنشئهم الإجتماعي". وتابع: "لقد دار في خلدي أن من يلتفّ على حقيقة الموت، هو كمن يكتال البحر، فلقد خلد الفراعنة على غير ما قصدوا، بسبب ما تركوا ولكنني صنفت الخوف من الموت صنفين، خوفاً عادياً لدى الناس العاديين، وخوفاً فنياً لدى الناس الفنانين، والصنف الأخير له أنواع وألون ولبوس وسلوك، وأشكال لا يمكن التنبؤ بها".
من جهته، أشار سليمان بختي إلى أن الزواج في حد ذاته تقنية معقدة لدى المبدعين، فالمبدع لديه مشكلة في الأساس مع الضرورة ومع التجربة، مشيراً إلى أن الكتاب يُقدم مقاربة عميقة لسِيَر المبدعين في فصل أساس وحساس من حياتهم وهو الزواج، فزواج المبدعين، لشوقي بزيع، هو رصد للألم الإنساني ومزيج من لوعة الحب وصرعة الفن.
واختتم يوم الخميس بأمسية تحت عنوان "تحية وفاء لأعلام لبنانية (رياض نجيب الريس -د.ميشال جحا-أ.سماح إدريس -د.ملحم شاوول-أ. وجيه فانوس-د. جبورالدويهي)، بإدارة رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري، ومشاركة كل من يوسف بزي، سلمان زين الدين، نصري الصايغ، علي بزي، هشام دمشقية وجورج دورليان.
بدأت الأمسية بكلمة للسيدة بعاصيري قالت فيها: "ولئن كان لقاؤنا اليوم هو لتوجيه تحية تقدير وإكبار لجهودهم الحثيثة وعطاءاتهم السخية لتعزيز المكانة الثقافية للبنان والعاصمة بيروت"، مؤكدة على الإضافة المميزة التي تسجل للمكرّمين في تاريخ النادي الثقافي العربي ومعرض بيروت الدولي للكتاب، فهو أيضاً للإضاءة على بعض من اسهامتهم الفكرية والمعرفية والثقافية التي ستبقى منارة ومثالاً يحتذى لمن يحمل الشعلة من بعدهم.
ثم تحدث السفير هشام دمشقية عن وجيه فانوس بسرد تلقيه خبر وفاته المفجع، مؤكداً أن الراحل لم ينس قضايا العرب يوماً، إذ كان لبناني الجنسية وعربي الهوى، واصفاً إياه بالمثقف المنفتح والإنساني الخلوق.
وتناول يوسف بزي، الراحل رياض الريس، مستذكراً اللقاء الأخير الذي جمعهما يوم إنفجرت بيروت ومرفئها في الرابع من آب، ثم إنتقل للحديث عن اللقاء الأول بينهما عقب إنتهاء الحرب الأهلية في لبنان: "وصل رياض إلى بيروت وطلب أن نلتقي سوياً وخلال اللقاء أبلغني أنه قرر أن ينقل كل شيء من لندن إلى بيروت حيث هي لحظة بداية العمل، فلا رصيف ولا مطبعة ولا مقهى ولا مسرح للثقافية العربية إلا هنا، فكان رياض الريس يفتخر بأن كتبه كانت تهرّب إلى بعض الدول العربية كالمخدرات بسبب الرقابة، وهو غيّر تقاليد نشر الكتب في بيروت ثم في العالم العربي خلال خمس سنوات".
أما سلمان زين الدين، فتحدث عن ميشال جحا الذي لم يكن الهم الأكاديمي وحده ما شغله في حياته، فكنا نراه ينخرط في العمل الوطني والنقابي والثقافي، وإذا كان حقل التراجم والمختارات قد شغل حيزاً كبيراً في اهتماماته الثقافية، فإن حقولاً معرفية أخرى كان لكل منها حيّز خاص في اهتماماته وكان من القلائل الذين أولوا كتابة المقدمات إهتماماً فكتب اثنتي عشرة مقدمة لاثني عشرعملاً أدبياً.
من ناحيته، تناول الكاتب نصري الصايغ، الراحل سماح إدريس، مشدداً على ملاحقته للقضية الفلسطينية نظراً لشدة إيمانه بالحرية، "فسماح كان صعباً جداً ومشاغباً ومشتبكاً دوماً، إذ كان كاتباً على أمل مضنٍ ومتعب، متبعاً مقولة أن اليأس إنتحار والأمل خبز الحياة"، مقتبساً منه قوله:" إياك أن تقف في الوسط فالأمام واجب عليك أن تسلكه".
بدوره، تحدث علي بزي عن الدكتور ملحم شوول قائلاً: "إنه خير من يكرم، فقدناه وفقدنا بغيابه رائداً من رواد الفكر، وعلماً من أعلام المعرفة ذي فكر متنوع ومتنور، وكان الأشد تواضعاً، لأنه الأكثر علماً وهو الصديق الصادق، الهادئ والرصين مع محدثيه، عالم إجتماعي عصامي صاحب قيم ومبادئ، محاور حذق سنفقده في جلسات الحوار وفي المشاريع البحثية" .
من جهته، تكلم جورج دورليان عن علاقته مع الدكتور جبور دويهي، واصفاً صداقته به بالزمالة المهنية التي جمعتهم فتحولت إلى صداقة ثقافية-أكاديمية، فأصبحت شؤون الأدب محور جلسات طويلة وشبه يومية حيث كان نقاشهم يدور حول الكتابة والنقد خصوصاً القصة والرواية، ولم يكن أستاذاً عادياً ولم يقتصر جهده على مجرد نقل معارفه الأدبية، بل كان يسعى من خلال التعليم إلى تطوير نفسه بإغناء معارفه بإستمرار وتمكين قدراته في قراءة النصوص ونقلها إلى طلابه".