لم يكن مبلغ الثلاثة ملايين ليرة (متأخرات بدل النقل من شهر كانون الثاني ولغاية حزيران) كافية لإقناع الأساتذة بالعودة إلى التعليم. بات هناك هوة واسعة بين ما تقدمه الدولة من فتات ومتطلبات العودة الكريمة للأساتذة إلى مدراسهم. فقد تلقى هؤلاء راتبهم الشهري (معدل وسطي ثلاثة ملايين ليرة)، إضافة إلى متأخرات بدل النقل. فعمت الفوضى كل المدارس والثانويات، في كل المناطق، باستثناء محافظة بعلبك-الهرمل، حيث أقفلت غالبية الثانويات أبوابها.إضراب لمدة أسبوعمنذ مدة يعيش الأساتذة حال غضب كبير. لم تعد رواتبهم تكفي ليوم أو يومين. وأتت متأخرات بدل النقل الهزيلة بعد تأخر لنحو عام، وفقدت قيمتها التي كانت عليها سابقاً، حيال ارتفاع سعر صرف الدولار. وتزامن الأمر مع انتهاء المهلة التي قررت روابط المعلمين للدولة لصرف المساعدات الاجتماعية وحوافز الدول المناحة. لكن الروابط لم تتخذ أي خطوة تصعيدية، ما استدعى من الأساتذة في مختلف المناطق اللجوء إلى التحرك فردياً وجماعياً.في البقاع استفتى مندوبو فرع بعلبك الهرمل رأي الاساتذة وقرر غالبيتهم عدم الذهاب إلى المدارس لعدم قدرتهم على الاستمرار "بالتعليم براتب يتيم، غير كاف كبدل نقل إلى الثانويات"، وأعلنوا الإضراب لمدة أسبوع، كما جاء في بيان صدر عنهم. ودعوا فيه الهيئة الإدارة لرابطة أساتذة الثانوي "إعلان موقف واضح أمام الاساتذة من عدم تحصيل أي من المطالب المعلنة وخطة التحرك في المرحلة المقبلة".توسع رقعة الاحتجاجاتمصادر الأساتذة في البقاع أكدت أن التزام الثانويات والأساتذة كان بأكثر من ثمانين بالمئة، رغم التهديد والوعيد الذي وصل إلى جميع الأساتذة من مدراء يوالون الثنائي الشيعي. وبالتالي أقفلت غالبية الثانويات أبوابها صباح اليوم، وسيتواصل الإضراب لمدة أسبوع، مع التلويح بتمديده إلى حين تحقيق مطالبهم.وأرسل مدراء للأساتذة تبليغات يعتبرون فيها أن "البيان الصادر عن فرع بعلبك الهرمل في رابطة التعليم الثانوي الرسمي غير ملزم"، وأنهم "يلتزمون حصرا بما يصدر عن الهيئة الإدارية للرابطة"، وبالتالي "مسؤولية التعطيل تقع على عاتق الأستاذ ويتحمل عواقبها القانونية". لكن رغم ذلك تمنع غالبية الأساتذة عن الذهاب إلى المدارس، بما ينذر بتوسع رقعة الاحتجاجات، لتعم باقي المناطق.ووفق أساتذة ومدراء، في مختلف المناطق، عمد كثر إما إلى الاعتصام في حرم مدارسهم، أو عدم توجههم إلى المدراس بتاتاً. وصدرت تعليقات عن الأساتذة على مجموعات التواصل حول إقدام أعضاء في الهيئة الإدارية لرابطتهم، التي تعتبر الجهة المدافعة عن حقوقهم في الإضراب، على ارسال تهديدات لهم من مغبة عدم الحضور إلى المدارس. ورغم ذلك تمنع أساتذة كثر عن التعليم.تفضيل العقوبات المسلكيةإلى ذلك بدأ أساتذة في جبل لبنان بتنظيم استفتاء للأساتذة حول الخطوات التصعيدية التي ستتخذ بمعزل عن الرابطة المتهمة من قبلهم بالتخاذل وبخدمة الأحزاب التي تريد استقدامهم عنوة إلى المدارس، رغم أن لا مساعدات ولا حوافز صرفت لهم، تمكنهم من دفع بدل انتقالهم. ويقول أحد الأساتذة: "أدفع ثلاث مئة ألف ليرة بدل نقل يومياً للوصول إلى المدرسة، وفي حال تعرضت لعقوبة مسلكية بخصم راتبي، سأوفر على نفسي مئتي ألف ليرة يومياً". وبالتالي يفضل العقوبة على الاستدانة لدفع متطلبات الذهاب إلى المدرسة. وهي حال غالبية الأساتذة الذين فقدوا أدنى مقومات العيش، وباتوا غير خائفين من التهديد بالعقوبات المسلكية، ولسان حالهم: "طعمونا خبز حاف يا الله".إلى ذلك واصلت مديرية التعليم الثانوي ارسال بلاغات إلى المدراء لتسجيل جميع أسماء الأساتذة المتغيبين، تمهيداً لاتخاذ العقوبات المسلكية بحقهم. ويعلق أحد المدراء على هذه التبليغات والحال الذي وصل إليه الأساتذة: "لا تخجل رابطة المعلمين ووزارة التربية من تمنين الأساتذة بأنهم تلقوا متأخرات بدل النقل. يعتبرون أن الأمر إنجاز يجب أن يشكروا عليه، حتى ولو باتت الملايين الثلاثة بلا قيمة. نعيش من قلة الموت. لم نعد نسأل عن شراء حذاء أو بنطال لنا أو لأطفالنا. نريد فقط أن نأكل ونشرب".