في شارع سوريا الفاصل بين جبل محسن وباب التبانة، تتجلى ملامح خيبة السكّان وشعورهم بتخلي الدولة عنهم، بعد سنوات أقحمتهم فيها قيادات طرابلس بمعارك دموية لم يمح أثرها بعد.هنا، يظهر الفقر كموروث تتناقله أجيال المنطقة من دون مهرب منه، وما الفرق بين ما قبل الازمة الاقتصادية وما بعدها، الا بدرجة سوئه. هو تعوّد مريع على الفقر وكلّ تبعاته من مشهديات ونمطٍ في العيش.أكثر ما يطمح إليه أهالي التبانة والجبل، الرجال والنساء، هو أن يجدوا من يمدّ لهم يد العون، ويخفف من وطأة الحرمان القاسي في معيشتهم.وفي هذا السياق، وإلى جانب التكافل الاجتماعي بين أبناء المنطقة، تظهر بعض المبادرات والمشاريع غير الحكومية، لتسد ثغرة من فجوة كبيرة افتعلتها الدولة بغيابها مع زعامات المدينة التقليدية.مشروع "وتد"ومن هذه المبادرات ظهر مشروع "وتد"، الذي نفذته جمعية "رواد التنمية" الواقعة بين جبل محسن وباب التبانة، بتمويل من الوكالة الفرنسيّة للتنمية (AFD).ومع اختتام المشروع مؤخرا، أعلن هذا الأسبوع أنه تمكن من دعم 62 مؤسسة محليّة من طرابلس - لبنان، وتزويدها بالمعدّات والارشادات والتدريبات، لا سيما في قطاع الغذاء الزراعي، وقطاع الحرف.وأُقيم حفل الاختتام في معرض رشيد كرامي الدولي، بحضور مديرة الوكالة الفرنسية للتنمية في لبنان كاثرين بونو، ومجلس إدارة رواد التنمية مع فريق عمله، والمستفيدين. بالإضافة إلى عدد من رواد الأعمال وشركاء المجتمع المدني وشخصيات من القطاع الخاص في المدينة.قصة وتدأُطلق "وتد" في العام 2019، قبيل اضطرابات اقتصادية ومالية وسياسية غير مسبوقة في لبنان، وأخذ على عاتقه دعم المشاريع القائمة وإنشاء أعمال تجارية جديدة طموحة في الأحياء الأكثر فقراً في مدينة طرابلس، من خلال ورش عمل لإنتاج الأفكار والتدريبات الفرديّة والجماعيّة وتطوير خطط الأعمال لجميع المستفيدين.واختارت لجنة تحكيم مؤلفة من رواد أعمال طرابلسيين وأعضاء مجلس إدارة رواد التنمية ومديرَيّ مشروع "وتد" 62 مؤسسة للحصول على الدعم بالمعدّات.وكان المستفيدون قد حددوا مسبقاً المعدات التي يحتاجون اليها لتحسين وتطوير مشاريعهم وأشغالهم، وذلك بعد تدريبات خضعوا لها بهدف تحديد وتوضيح رؤيتهم لمستقبل شركاتهم، من أجل تجاوز الأزمة، والحفاظ على الوظائف الموجودة وخلق فرص عمل جديدة، في ظروف اقتصادية صعبة للغاية. وتأهّل في "وتد" 112 مشروعاً، خضع القيّمون عليها لدورات تدريبية وإرشاد تقني. وفاز منها 62 مشروعاً تلقت دعمًا ماديًا لتطوير الأعمال.الدعم الفرنسيخلال حفل الاختتام، شددت مديرة الوكالة الفرنسية للتنمية في لبنان كاثرين بونو، في كلمتها على "أهمية دعم فرنسا اللبنانيين، ولا سيما اللاعبين الاقتصاديين ذوي الإمكانيات المحدودة،" وشكرت فريق رواد التنمية "على مرافقتهم المتميزة للمستفيدين، وتمكن المشروع من اعطاء الأمل ليس فقط ل62 من أصحاب الأعمال، بل أيضاً لموظفيهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم". وتحدثت عن المكانة الأساسية للمرأة في هذه الديناميكية المحلية.من جانبها، تحدثت مديرة "رواد التنمية" في لبنان سارة الشريف ومؤسس الجمعية فادي غندور عن "ضرورة دعم أصحاب الأعمال وتمكينهم من المساهمة بفعالية في تنشيط الاقتصاد المحلي، خصوصا في وقت الأزمات".و"رواد" جمعية غير ربحية تأسست في شارع سوريا بعد معارك جبل محسن وباب التبانة. ويتضمن عملها ثلاثة برامج رئيسة: تنمية الطفل، وتمكين الشباب، وتمكين المجتمع. وتقول الشريف: "إن الاستثمار بالبشر طريق للارتقاء نحو مجتمع أفضل فعال ومتكافئ لا سيما في ظل الأزمات المتتالية الاقتصادية والمالية، الاجتماعية والتعليمية. وعليه، كان لا بد من تعزيز عمل الفئات الاجتماعية ككل وخصوصًا الفئات الأكثر هشاشة وتهميشًا، ليس بتأمين الحاجات اليومية بل عبر دعم القدرات والمواهب والسعي لتطويرها والاستفادة منها".