يضمن البند الثامن عشر من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان حرّيّة الضمير والدين والمعتقد لكلّ فرد إنسانيّ. وقد شهدت العقود الأخيرة تصاعد الاهتمام بهذا الجانب من شرعة حقوق الإنسان، وعمد عدد لا يستهان به من دول شمال الكرة الأرضيّة إلى استنباط منصب سفير لما بات يُعرف بحرّيّة الدين والمعتقد (FoRB)، مع ما يستتبعه مثل هذا التدبير من خلق بنًى تحتيّة ودوائر تهدف إلى متابعة تطبيق هذا المبدأ في غير بلد في العالم. وينسحب هذا خصوصاً على ما بات يعرف في بعض الأدبيّات بالحزام المشاكس (resistant belt)، الذي يتألّف من دول غالبيّة سكّانها من غير المسيحيّين، ولا سيّما المسلمين، يعيشون في ظروف اقتصاديّة صعبة، والمصطلح يعود إلى المرسَل المسيحيّ المولود في الأرجنتين لويس بوش (Luis Bush).
من الطبيعيّ أن تثير قضيّة كهذه ريبة من يعيشون في الدول التي تنتمي إلى منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا (SWANA)، إذ يُطرح السؤال حول مدى ارتباط تكثّف الاهتمام بالبند الثامن عشر من إعلان حقوق الإنسان دون سواه بأجندات سياسيّة ودينيّة خفيّة ذات طابع استعماريّ أو تبشيريّ. فالمعروف أنّ حماية الأقلّيّات كانت، منذ القرن التاسع عشر، شعاراً تمّ استخدامه بغية تحقيق مصالح وأهداف سياسيّة. وقد تجدّد هذا الخطاب بقوّة في الآونة الأخيرة لدى بعض اللوبيات في أوروبا والولايات المتّحدة وكندا، وارتبط بنظريّة «حلف الأقلّيّات» التي تبنّاها عدد من المسيحيّين في العالم العربيّ وجعلوا ذاتهم جزءاً منها.
هذه المخاوف وغيرها عبّر عنها القسّ د. متري الراهب، رئيس جامعة «دار الكلمة» في بيت لحم، والاختصاصيّة في علوم الدين د. باميلا شرابية، منسّقة أعمال المنتدى الأكاديميّ المسيحيّ للمواطنة في العالم العربيّ (CAFCAW)، في أثناء افتتاحهما حلقةً تشاوريّةً حول مسألة حرّيّة الدين والمعتقد جرت يومي الثاني والثالث من كانون الأوّل/ديسمبر 2022 في ليماسول من أعمال جزيرة قبرص، وقد تشاركت الجامعة والمنتدى في تنظيمها وإعدادها. ضمّ هذا اللقاء التشاوريّ اختصاصيّات واختصاصيّين في اللاهوت والسياسة والقانون والعلوم الإنسانيّة ونشطاء في شؤون سياسيّة واجتماعيّة وقانونيّة شتّى أتوا من المشرق العربيّ ومصر والخليج والمغرب العربيّ وأوروبّا، فضلاً عن حفنة من المشاركين من غير العرب. وقد تركّز النقاش على محاور ثلاثة هي سياق دول جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا والأجندات السياسيّة، حقوق الأفراد والجماعات وإدارة التنوّع، وقوانين الأحوال الشخصيّة والمساواة الجندريّة.
اتّصفت الحلقة بمداخلات قصيرة ونقاشات في العمق تناولت القضيّة المطروحة. وقد عمل المشاركات والمشاركون على مسوّدة نصّ هو بمنزلة ردّ من منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا على إشكاليّة حرّيّة الدين والمعتقد، على أن يصدر النصّ النهائيّ بعد حوالى أسبوعين. وقد شدّدت هذه المسوّدة على أنّ هذه الحرّيّة يجب مقاربتها بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من مفهوم الحرّيّة كحقّ إنسانيّ عامّ، علماً بأنّ هذا الحقّ يعبّر عن ذاته في مجالات شتّى، غير أنّه لا يتجزّأ ولا يمكن اختزاله بجانب واحد دون سواه. فالحرّيّة السياسيّة والاجتماعيّة لا تقلّ أهمّيّةً عن حرّيّة الدين والمعتقد وتتقاطع معها في مجالات عدّة. من جهة أخرى، أكّد والمشاركون والمشاركات أهمّيّة أخذ سياق المنطقة التي ينتسبون إليها في الاعتبار لما لا تزال تتّصف به من نقص في المساواة بين الأفراد والفئات المجتمعيّة، وذلك في قضايا لا تختصّ بالخيار الدينيّ حصراً، بل تشمل أيضاً، على سبيل المثال، العدالة بين الجنسين وغياب قوانين مدنيّة للأحوال الشخصيّة، فضلاً عن ضرورة قيام الدولة المدنيّة التي تحتضن التنوّع وتحمي الحرّيّة بمندرجاتها كافّة.