تتكرر مشاهد الذل والأذى النفسي للأشخاص أصحاب الحاجات الخاصة خلال كل استحقاق انتخابي، في ظل عدم توفر معايير البيئة الدامجة الأساسية، بالرغم من تبني الوزارات المعنية للمطالب الأساسية المقدمة من جمعية الاتحاد للأشخاص المعوقين، والتي لم تُطبّق كما يجب. وتزامناً مع اليوم العالمي للاشخاص المعوقين، أطلق الاتحاد حملة المشاركة السياسية للأشخاص المعوقين في الانتخابات البلدية 2023، اليوم، الجمعة 2 كانون الأول، في بيروت.حقوق مفقودةيصل عدد الأشخاص المعوقين في المجتمع اللبناني إلى حوالى 400 ألف شخص، يمثلون نحو 15 بالمئة من السكان. إلا أن هذه الفئة لا زالت حتى اليوم تفتقد لحقوقها الأساسية في ممارسة حياتها الطبيعية إسوةً بباقي المواطنين. جمعيات مدنية وحقوقية ودولية طالبت بحقوقهم ورفعت مطالبهم إلا أنها لم تستطيع أن توفر معايير التنوع داخل المجتمع، وظلت مطالبهم تُسمع ولا تُطبّق. خسرواإمكانية إيصال مرشح من بينهم يحمل مطالبهم إلى داخل البرلمان اللبناني.مطالب حقوقيةأتت هذه الحملة السياسية للتشديد على ضرورة تطبيق التنوع والدمج الاجتماعي، وللمطالبة بحقوق الأشخاص المعوقين بالترشح للاستحقاق الانتخابي المقبل، ودعمهم لغيصال مرشحين من بينهم من دون تمييز أو تهميش.
ولا شك أن للوزارات المعنية دوراً كبيراً في مساعدة المعوقين للوصول إلى مطالبهم، التي تبدأ من ضرورة اعتماد الطوابق الأرضية بدلاً من الطوابق العليا، وتوزيع الخيم المجهزة في الملاعب، إلى جانب توفير اللوائح المطبوعة بطريقة مخصصة للأشخاص المكفوفين، وتوزيع الإشارات الإرشادية في كل مراكز الاقتراع، إضافة إلى تزويد المصاعد بالكهرباء لمساعدة المعوقين على التنقل داخل المبنى الواحد. علماً أن الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين متمسك بهذه الحقوق والمطالب التي يشدد على تطبيقها خلال الانتخابات البلدية إلى جانب مجموعة من الإقتراحات التي قدمها أمام الرأي العام والجهات المعنية.انتهاكات مستمرةاعتصامات مطلبية متنوعة نظمها الأشخاص المعوقين أمام السرايا الحكومي، لاطلاق شعاراتهم وللتأكيد على مطالبهم بإحترام استخدامهم غرف الطوابق الأرضية في مراكز الاقتراع، أو استخدام المصاعد المتوفرة، لاسيما أن حملتهم لاقت تجاوباً للمرة الأولى من الوزارات والبلديات، إلا أن تقرير مراقبة الانتخابات النيابية 2022 أظهر نتيجة معاكسة تماماً.
إذ أن المراقبة الميدانية أكدت أن المصاعد الكهربائية توفرت في بعض المدارس فقط ولم تبلغ نسبتها 11% من عدد مراكز الاقتراع التي بلغ عددها 1734 مركزاً، و3 مصاعد فقط في جميع المراكز توفر فيها التيار الكهربائي. هذا إلى جانب عوائق كثيرة أدت إلى ممارسة الانتهاكات بحق المقترعين المعوقين كعدم تجهيز المنحدرات، وعدم تجهيز أكثر من 11 خيمة فقط في مراكز الاقتراع لتلبية حاجات أكثر من 80 ألف مقترع معوق.
نويل تيان (امرأة لبنانية تعاني من الإعاقة البصرية، في العقد الرابع من عمرها)، انضمت إلى مؤتمر الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين لايصال معاناتها خلال مشاركتها في الإنتخابات النيابية عام 2022، فتقول لـ"المدن": "توجهت صباحاً نحو بيروت برفقة إبنة عمي لمساعدتي على الوصول. إلا أن المدرسة الرسمية لم تكن مجهزة بالخيم الخارجية، فأجبرت على الصعود إلى الطوابق العليا للاقتراع، وبسبب عدم وجود الإشارات التي تساعدني على معرفة رقم الغرفة، إستمرت جولتي داخل المدرسة لأكثر من ساعتين بسبب صعودي المتكرر للتفتيش عن الغرفة المناسبة. وتعثرت لعدة مرات بسبب الزحمة الخانقة على الأدراج وعدم وجود أي إشارة واضحة."توضيح الوزارةفي السياق نفسه، يؤكد العميد محمد الشيخ، من وزارة الداخلية، أن الوزارة سعت جاهدة لتأمين مطالب الأشخاص المعوقين خلال الانتخابات النيابية الفائتة، إلا أن إمكانيات الدولة كانت ضئيلة في ظل هذه الظروف الصعبة، سيما أن إجراءات عديدة ستعتمدها الوزارة خلال الإنتخابات البلدية القادمة لتسيير أمور الأشخاص المعوقين ومساعدتهم على إتمام حقهم الديمقراطي في الإقتراع أو مساعدتهم على الترشح.بالرغم من كل الوعود ومحاولة اعتماد إجراءات عديدة او اقتراح حلول أخرى، إلا أنه لا يمكن الوثوق بتغيّر أسلوب التعاطي في الإنتخابات المقبلة. والخوف أن تستمر الإنتهاكات بحق الأشخاص المعوقين . ربما، استطاع عدد من اصحاب الإرادة الصلبة الاقتراع داخل الخيم للمرة الأولى، ومنهم من نال وسام تجربة المصعد الكهربائي خلال اقتراعه، إلا أننا نعلم أيضاً أن آلاف المعوقين ما زالوا يعانون من التهميش، ومن الذل خلال أي استحقاق انتخابي بسبب رفعه "كأكياس البطاطا" (بحسب المعوقين). وبحسب التقارير والمتابعات لهذه القضية، فإن مسيرة الاشخاص المعوقين، وكل من يناصر قضيتهم المحقة، مسيرة طويلة وشاقة للوصول إلى بعض من حقوقهم في السنوات المقبلة.