يوم عاد رمزي الحافظ، نجل الرئيس الراحل أمين الحافظ والأديبة ليلى عسيران، من الولايات المتحدة الأميركية الى لبنان، في بداية تسعينيات القرن المنصرم، بعد هجرة لسنوات بحثاً عن العلم والتخصّص، لم يكن يعرف ما الذي يمكن فعله أو الاهتمام به في بلد خرج للتو من الحرب الطويلة، مفككاً ومتصدعاً منهكاً، وفي مدينة (بيروت) كانت تبحث عن روحها ودورها الريادي بعد جولات العنف والتهجير والقتل. بالتزامن كان قد أتى رفيق الحريري بمشروعه الإعماري والسياسي، وبغطاء دولي وإقليمي، وبدأت مرحلة جديدة في لبنان، جعلت الكثيرين يفكرون بمواكبتها أو حتى الاعتراض عليها ثقافياً وسياسياً ومسرحياً وكتابياً...
رمزي الحافظ المتخصّص في الهندسة الصناعية، والآتي من أميركا، لم يعمل في مجاله أو تخصّصه، كأنه حبّذ أن يبقى أقرب إلى أجواء عائلته الثقافية. فوالده، وإن اشتهر في السياسية بعد توليه رئاسة الحكومة لفترة قصيرة، لكنه في الواقع كان في قلب الاقتصاد اليبرالي والتنظير له بالفعل والكتابة، ووالدته ناشطة سياسية وعروبية وكاتبة روائية. على هذا لجأ إلى تأسيس شركو "انفو برو" وأصدر مجلة "ليبانون أوبرتينيوتي" باللغة بالانكليزية، وعمل فيها على مدى سنوات مع فريق عمله، ولا تزال مستمرة حتى الآن مع تقلّص نشرها بسبب الأزمات المتعددة...
وفي السنوات القليلة الماضية، لجأ رمزي الحافظ الى مبادرة مختلفة، ومن نوع آخر ومغامر، إذ أصدر مجلة فصلية ثقافية بعنوان "غاليري"، تعنى بالفنون التشكيلية والتجهيزية، تغطي الجزء الكبير من النشاطات والمعارض في لبنان، وتعرّف القارئ على أبرز الأعمال لفنانين لبنانين وسوريين ومصريين وعراقيين (من صليبا الدويهي إلى حليم جرداق، ومن حبيب سرور إلى عمر الأنسي)، وتمّ تأسيس جائزة سنوية معنوية تتولى لجنة تحكيمها مجموعة من الباحثين والضالعين في الفن، وتمنحُ لأفضل لوحة، أفضل عمل نحتي، أفضل صورة فوتوغرافية، أفضل عرض تجهيزي، أفضل معرض منفرد لفنان، وأفضل معرض منظّم. والمجلة موجهة إلى فئة واسعة تسعى الى التعرف على الفن...
ليس النقد الفني، عمل رمزي الحافظ، فهو هاوٍ لجمع اللوحات ولديه مجموعة لا بأس بها، ونشأ في بيت يهوى الثقافة والفنون كما قلنا. الوالدة أديبة معروفة صاحبة كتاب "شرائط ملونة"، والوالد يهوى العزف على العود في البيت، ونشر كتاباً واحداً هو "أنا والناس" فنال شهرة بأسلوبه الساخر من شخصيات اجتماعية، وكان لديه نشاطه السياسي الذي يعتبره رمزي الأقل شأناً في حياته مقارنة بأمور أخرى. وسط هذا الجو تعرف رمزي إلى بعض الفنانين الذين يزورون عائلته، مثل رفيق شرف وعارف الريس وغيرهما، وفي البيت كان هناك عدد من اللوحات القيّمة المعلقة على الجدران، شكلت نواة علاقته وشغفه بالفن واقتنائه. في أميركا، لم يكن لرمزي هذا الشغف، مع أنه كان يزور المتاحف الحديثة والضخمة التي تحوي لوحات بأسعار خيالية تفوق المئة مليون دولار.
ليس وراء مجلة "غاليري" تيار فنّي أو مؤسسة فنّية أو فنانون متخصصون أو حتى مجموعة نقاد وصحافيين، هي نتاج جهد شخصي لزمري الحافظ (بمساعدة أحد أصدقائه)، الذي يقول إن المرء في عمر ما، بعد سنوات طويلة من العمل والجهد يلجأ إلى شيء ما يحبّه، أو يهواه، أو "يتسلّى" به الى جانب عمله... هناك من يقود سيارة فيراري على اوتوستراد برفقة فتاة، وهناك من يقوم برحلات سياحية ومغامرات ومراهقات، وهناك من يلجأ الى سبق الخيل، وهو اختار أن يصدر مجلّة متخصصة في الفن التشكيلي، مع أنها مكلفة مادياً، وأتى صدورها في مرحلة اقتصادية صعبة، لكنه غامر فيها، لأنها تُرضي مزاجه... وأضاف: "وجدت في لحظة أن "ملحق النهار" توقف، والصحف الورقية توقفت (جريدة الحياة والسفير وغيرهما)، والصفحات الثقافية تقلّص حضورها، وبقيت في بعض الكتروني منها، فكانت المجلة التي صدر منها حتى الآن ثلاثة عشر عدداً في وقت أقفلت معظم المجلات الثقافية وما تبقى منها على طريق الإقفال... مجلة "غاليري" هي بيروت التي نحبها".