وسط التزام شبه كلي في المناطق، مع تسجيل خروقات في الجنوب والضاحية، أضرب أساتذة التعليم الرسمي لليوم الثاني على التوالي.
التخبط الحاصل في روابط المعلمين وفي وزارة التربية، حيال القنبلة الاجتماعية الموقوتة لأساتذة التعليم الرسمي، ظهر جلياً في كيفية التعامل مع الإضراب وكيفية تمرير الشهر الأخير من الفصل الأول للعام الدراسي. وإذا كانت بعض الثانويات، حيث المدراء معيّنون من حزب الله، قررت فتح أبوابها رغم إضراب الرابطة، فإن الأساتذة، بمن فيهم أساتذة موالون للحزب، لم يلتزموا بقرار التعبئة التربوية القاضي بعدم الإضراب.لكن يوم غد الخميس، ورغم عدم وجود غطاء نقابي للإضراب، الذي انتهى اليوم، ستكون الثانويات مفتوحة الأبواب، لكن في ظل مقاطعة كبيرة من الأساتذة، غير القادرين على الذهاب إلى عملهم. فراتبهم الشهري الهزيل لم يصل إلى حساباتهم بعد، وقد يتأخر لنحو أسبوع، كما أكدت مصادر مطلعة لـ"المدن"."أدنى من عبيد"عملياً، انتهى الأمر بالإضراب، الذي امتد ليومين، إلى أن كل مدير مدرسة أقدم على ما يراه مناسباً. فمنهم من فتح الثانوية، كما فعل مدراء حزب الله، وبعض مدراء حركة أمل، فيما التزم باقي المدراء في لبنان، مع بعض الاستثناءات الطفيفة، بالإضراب. لكن لا يعرف المدراء كيفية التعامل مع الواقع المستجد بما يتعلق بالأيام المقبلة. ففي صيدا أبلغ أحد المدراء الأساتذة بأنهم أحرار في حال أرادوا الاستمرار بالإضراب. لأنه واقعياً لا يعلم كيف يتدبر أمر ثانويته في وقت بات الأساتذة غير قادرين على الحضور إلى المدارس. فهم تلقوا راتبهم في مطلع الشهر (معدل وسطي نحو ثلاثة ملايين ليرة)، ولم يعد يكفي لشراء ثلاثة صفائح بنزين. وبات الأساتذة يتداولون أنهم باتوا "عبيداً أو أدنى من عبيد" عند وزارة التربية. فمدير عام وزارة التربية يريد إرغامهم على العمل حتى من دون أجر، بل المطلوب منهم تصديق الوعود بأنهم سيحصلون على مساعدات الدولة، غير الكافية بدورها لدفع فاتورة اشتراك الكهرباء. فـ"حتى العبيد كانوا يستطيعون إطعام أولادهم"، يقولون. مجموعات رقابيةولتزيد مأساتهم، طلب مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر من مدير التعليم الثانوي خالد الفايد، إبلاغ المدراء بتزويد الوزارة بأسماء الأساتذة المتغيبين عن الدوام. ووفق مدراء، تم التبليغ عبر مجموعة واتساب، بهذا القرار، عن طريق دارس المنطقة (في كل منطقة تربوية يوجد شخص بصفة دارس المنطقة مهمته درس حاجة المدرسة لاستكمال الحصص والدروس). لكن مجموعات الواتساب هذه، التي تهدف إلى تسريع تلبية حاجات المدارس، تحولت لتصبح مجموعات رقابية على الأساتذة. هذا في وقت يفترض أن يتبلغ المدراء بواسطة مراسلات رسمية وخطية موقعة من المدير العام، في حال كان الأمر يتعلق بمعرفة أسباب تغيّب الأساتذة، تمهيداً لاتخاذ قرارات مسلكية بحقهم. قرارات اعتباطيةوقد تواصلت "المدن" مع الفايد لمعرفة مدى دقة هذه المراسلات غير القانونية، لكنه لم يشأ الرد. ووفق أكثر من مدير مدرسة، بات الفايد لا يميز بين موقعه السياسي الحزبي والتربوي في الوزارة. فهو من ناحية يريد تلبية رغبات الوزارة في ملاحقة الأساتذة، ومن ناحية ثانية أساتذة التعليم الثانوي المنخرطين بتياره السياسي موجوعون مثل سائر أساتذة لبنان. فتأتي تلك القرارات الاعتباطية عبر دارسي المناطق، وبطرق غير رسمية، كما يفترض القانون. وحينها يلبي الفايد حاجة الطرفين: ترهيب الأساتذة من ناحية كما ترغب الوزارة، والتنصل من القرارات من ناحية ثانية، تلبية لرغبات بعض النقابيين غير الراضين على أوضاعهم الاجتماعية. ليس هذا فحسب، بل إن الفايد لا يجيب على اتصالات المدراء حيال التخبط الحالي في القرارات العشوائية التي تصدر، كما تؤكد المصادر.أجنحة حزب اللهأما الطامة الكبرى، فتبقى عند حزب الله وتخطب المسؤولين التربويين فيه. فقد قرر ممثلو الحزب في رابطة التعليم الثانوي الإضراب. وحاولوا فرض فكرة "العمل بقدر الراتب"، أي ليومين في الأسبوع فقط. لكن التعبئة التربوية تراجعت عن الإضراب، وأصدرت بياناً تدعو فيه الأساتذة إلى اعتماد طرق بديلة عنه، وذلك بعد اجتماع عقد مع مسؤولين في وزارة التربية.
ظهر حزب الله بموقف ضعيف جداً بين الأساتذة، وفي بيئته، خلال يومي الإضراب الحاليين. ووفق مصادر مطلعة، تجلى ضعف الحزب في شرخ على مستوى القيادة التربوية بين جناح "تجمع المعلمين" وجناح "التعبئة التربوية": الأول ميال لوسائل الإضراب والثاني يأخذ الأمور على المستوى السياسي في البلد. وبالتالي، تجلى ضعف الحزب في انقسام حاد بين المندوبين والأساتذة التابعين له. فالمستفيدون من المساعدات الاجتماعية بدوا ملتزمين بقرار التعبئة بعدم الإضراب، وذهبوا إلى الثانويات، وغير المستفيدين اختاروا الانحياز إلى جوعهم وألمهم، بعدم قدرتهم على الاستمرار في ظل الظروف الحالية.الطعن بالموازنةفي سياق متصل بمعضلة الأساتذة، ستتأخر الرواتب هذا الشهر، أسوة بموظفي القطاع العام، بسبب وجود بعض الإشكاليات في وزارة المالية، تقول المصادر. ما يعني المزيد من التعقيدات في ملف التربية المعقد أساساً، خصوصاً بسبب عدم قدرة وزارة التربية على صرف حوافز الـ130 دولاراً من الدول المانحة. ما يستدعي من وزير التربية عباس الحلبي صرف "عيدية" الـ180 دولاراً، لتجنب انفلات الوضع أكثر مما هو حالياً.وأتى الطعن بقانون الموازنة، الذي تقدم به نواب في المجلس النيابي، ليزيد الإرباك بما يتعلق بصرف مساعدات الدولة لموظفي القطاع العام. لكن وفق مصادر "المدن"، سيجتمع المجلس الدستوري لبحث الطعن. والتوجه العام هو التصويت على عدم قبول وقف تنفيذ الموازنة في المرحلة الأولى.وتضيف المصادر أن "الدستوري" -قانوناً- يمكنه التصويت في المرحلة على وقف تنفيذ الموازنة أو عدم وقف التنفيذ، وفي الحالة الثانية يبقى العمل سارياً بالموازنة إلى حين صدور القرار بقبول الطعن أو برده. كما يمكنه قبول وقف التنفيذ ويتعطل تطبيق الموازنة إلى حين صدور القرار النهائي.قانوناً يسلم "الدستوري" الطعن لمقررين يختارهما من أعضائه لدراسته، وتقديم تقرير بمهلة 15 يوماً. بعدها يناقش المجلس التقرير ويرى وجهات النظر المختلفة حوله، ويصوت عليه، وحينها إما يقبل الطعن ويبطل قانون الموازنة، أو يرد الطعن وتكون الموازنة سارية المفعول.