بلديات الفيحاء والمتن وصور: تقهقر التنمية والحوكمة السيئة
2022-11-30 12:56:03
بعدما عمّق الانهيار مستوى الانحلال في مختلف مرافق الدولة على مدار ثلاث سنوات، اكتشف اللبنانيون هشاشة دور البلديات واتحاداتها كإدارة محلية للمناطق والمحافظات. واللافت أن تمديد ولاية المجالس البلدية لعام إضافية حتى أيار 2023، لم يتعاط المواطنون معه بأي أهمية ملحوظة، وكأن ثمة إحباطًا عامًا من أدائها وعجزها عن توفير التنمية المحلية. انهيار البنيةفي هذا الوقت، أطلقت يوم أمس الثلاثاء من طرابلس نتائج دراسة "الاتحادات البلدية كعنصر تمكين للتنمية الاقتصادية المحلية" على مستوى اتحاد بلديات الفيحاء. وذلك في إطار مشروع مشترك للتمكين البلدي بين "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (UNDP) و"برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" (UN-HABITAT)، بالتعاون مع جمعية المدن المتحدة في لبنان
وتم تنفيذ الدراسة على مدار أشهر في ثلاثة اتحادات بلديات لبنانية، وهي: اتحاد بلديات الفيحاء، اتحاد بلديات المتن الشمالي الساحلي والوسط، واتحاد بلديات قضاء صور.
ووجهت "المدن" مجموعة أسئلة لكل منUNDP وUN-HABITAT، حول الدراسة.
ففي إطار مشروع التمكين البلدي (MERP) وقّع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN Habitat)) وبرنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP لتسليمهما ثالثة دراسات لتقييم واقع التنمية الاقتصادية المحلية (LED) في اتحادات بلديات الفيحاء، والمتن الشمالي الساحلي والأوسط، واتحاد بلديات قضاء صور.
وبحسب كل من UNDP و UN-HABITAT، يكمن الهدف العام في الدراسة بتقييم واقع التنمية الاقتصادية المحلية، وفي دعم اتحادات البلديات والبلديات الأعضاء لكسب معرفة متكاملة حول أنظمة الحوكمة الوطنية والمحلية، والعقبات والإمكانيات الحضرية والإقليمية، وهيكليات الأسواق والاقتصاد القائمة، ورأس المال البشري المتاح.
ويشير الشريكان إلى أنهما قاما بمسحين إقليميين في الاتحادات الثلاثة، وهما: المسح على مستوى الشركات والمسح حول رأس المال البشري.
لكن، ما أبرز الخلاصات التي خرجت بها الدراسة على مستوى آفاق التنمية الاقتصادية المحلية في هذه الاتحادات البلدية التي تشكو كسائر الاتحادات من انهيار في بنيتها؟ يعدد الشريكان سلسلة من العقبات المشتركة التي تواجه اتحادات البلديات الفيحاء والمتن وصور، ومنها:
ضعف التخطيط الإقليمي الذي يشير إلى تفاعل ضعيف بين الأراضي المحلية والمشهد الاقتصادي والاجتماعي، فيؤدي إلى سوء إدارة الأصول المادية.
تراكم رأس المال البشري الضعيف الذي ينتج عن ضعف الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات العامة، ويؤدي إلى احتكاكات في سوق العمل، ولا سيّما على صعيد المهارات المنخفضة، والبطالة، والعمالة الناقصة.
الحوكمة السيّئة الناتجة عن ضعف في قدرة السلطات المحلية وعيوب في السياسات الوطنية والهيكليات التنظيمية، وهي تؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية سلبية كبيرة، فتمسّ بالوظائف الأساسية كالتخطيط، وإدارة الموارد، والتنسيق، وتأمين الخدمات العامة.
هيكلية الأسواق المقيّدة الناتجة عن نقص في المنتجات الأوّلية الأساسية، وإمكانية الوصول المحدودة إلى المرافق الائتمانية والتمويلية، والمنافسة المنخفضة، وهي تؤدي إلى إنتاج ضعيف، وطلب إجمالي محلي منخفض، وخلق فرص عمل قليلة.نموذج الفيحاء وفي وقت تعيش بلديات الفيحاء التي تضم طرابلس والميناء والقلمون والبداوي أسوأ عهودها، يؤكد تشخيص الدراسة التي اطلعت عليها "المدن" وجود ضعف كبير بالتنمية الاقتصادية المحلية.
فعلى مستوى العقبات المرتبطة بتخطيط الأراضي، يواجه اتحاد البلديات والبلديات تحدي الاستفادة من الأراضي التي تملكها الدولة والبلدية لمشاريع تنمية محلية حيوية التي يمكن أن تعزز إمكانية العيش في المناطق الحضرية والريفية وتحفيز أنشطة القطاع الخاص الاقتصادية.
وأظهرت الدراسة أرقاماً مقلقة على مستوى العقبات المرتبطة برأس المال البشري، في بلديات اتحاد الفيحاء، ومنها مثلاً:
ارتفع معدل البطالة من 11% في العام 2019 إلى 14% في العام 2021.
يعزو أولئك العاطلون عن العمل ذلك، غالبًا، إلى غياب فرص العمل (73 % منهم).
معدّل البطالة بين الراشدين هو 22%، تمثّل هذه النسبة 53 % من النساء و15% وحسب من الرجال. علاوةً على ذلك، يشكّل أغلبية الرجال جزءًا من القوى العاملة (92 %)، بينما نسبة النساء العاملات منخفضة جدًا (18%).
تشهد منطقة الفيحاء نزعة كبيرة إلى الهجرة، ولا سيّما بين الشباب. بالإضافة إلى ذلك، إنّ نسبة أرباب الأسر الرجال الذين ينوون الهجرة (56%) أعلى بكثير من نسبة ربّات الأسر النساء(39%). على مستوى واقع السوق في اتحاد بلديات الفيحاء، تبين مثلاً أن خلق الأعمال التجارية الجديدة ضعيف جدًا في منطقة اتحاد بلديات الفيحاء مقارنةّ بالمتن وقضاء صور. إذ تم إنشاء أحدث الشركات في الفيحاء في العام 2018. وهنا، يلفت الشريكان أنه لجهة العقبات المرتبطة بالحوكمة، يعاني اتحاد بلديات الفيحاء من ضعف في القدرات الإدارية والمالية، مما يعيق الاستخدام الأمثل للموارد المتوافرة أو الحصول على موارد جديدة. كما تؤثر الجهود الضعيفة لتحصيل المال بين البلديات الأعضاء، وعدم القدرة على توقّع أقساط الصندوق البلدي المستقل سلبًا على الميزانية العمومية لاتحاد البلديات.المتن ليس أفضل حالاًتقول كل من UNDP وUN-HABITAT، إن تشخيص ضعف التنمية الاقتصادية المحلية في اتحاد بلديات المتن، يؤكد على عائدات اجتماعية منخفضة للغاية نتيجةً لعملية تخطيط الأراضي المعطلة، ورأس المال البشري الضعيف والمتدهور، كما حال اتحادات الفيحاء وصور. فعلى مستوى العقبات المرتبطة بتخطيط الأراضي في المتن مثلا، أدى التوسع الحضري السريع وغير الموجه في العقدين الماضيين إلى انخفاض ملحوظ في الزراعة والمناطق الطبيعية في اتحاد بلديات المتن وقضاء المتن بشكل عام. كما إن الأراضي العامة والأراضي المشاع في المنطقة والمناظر الطبيعية المنتجة والثقافية، التي تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، مهددة بالزحف العمراني، والمضاربة العقارية، والتجاوزات غير القانونية. أما من جهة العقبات المرتبطة برأس المال البشري في المتن، بدا الوضع أفضل نسبياً من الفيحاء. إذ ارتفع معدل البطالة بشكل بسيط، من 3% في العام 2019 إلى 5% في العام 2021. ويعزو معظم العاطلين عن العمل ذلك إلى عدم توافر الوظائف، ما يشير إلى ضعف في خلق فرص العمل محليًا. ورغم أنّ معدل البطالة لم يفرّق بين الجنسين، تبيّن أن نسبة مشاركة القوى العاملة بين ربات الأسر النساء (76%) تقل عن نسبة مشاركة أرباب الأسر الرجال (96%) وبدا واضحاً في نتائج الدراسة أن ظاهرة هجرة الأدمغة بارزة في منطقة اتحاد بلديات المتن، مقارنة بالمناطق الأخرى، خصوصًا بين الشباب. سوقيًا، يفتقر اتحاد بلديات المتن إلى خلق الأعمال التجارية أيضاً. إذ تم إنشاء أحدث الشركات في المنطقة قبل عامين في العام 2019 (أي قبل الأزمة). وتكشف الدراسة إلى أن عدداً من الشركات اضطر إلى تسريح ما يصل إلى 50% من موظفيها للحد من خسائرها وسط ارتفاع التكاليف وتقلّص المبيعات. وبرز هذا التأثير بشكل واضح في الشركات التي شهدت زيادات عالية في التكاليف خلال النصف الأول من الأزمة. على مستوى الحوكمة، يعاني اتحاد بلديات المتن من ضعف في القدرات الإدارية والمالية. كما تؤثر الجهود الضعيفة لتحصيل المال، وعدم القدرة على توقّع أقساط الصندوق البلدي المستقل ورسوم عضوية البلدية، سلبًا على الميزانية العمومية لاتحاد البلديات. كما أن مفهوم التنمية الاقتصادية المحلية في اتحاد بلديات المتن محدود، ممّا يؤدي إلى الإخفاقات في التخطيط والضعف في تنفيذ الخطط الاستراتيجية المتوافرة. ورغم أنّ مستوى التعليم كان جيدًا ما قبل الأزمة في المتن مقارنة بالمناطق الأخرى، فقد أصبحت النتائج التعليمية أسوأ بشكل ملحوظ بين عامي 2019 و2021.أزمات صور يكشف تشخيص الدراسة عن ضعف التنمية الاقتصادية المحلية في اتحاد بلديات قضاء صور، وتفيد أن التوسّع الحضري السريع وغير الموجه في العقدين الماضيين أدى إلى انخفاض ملحوظ في الزراعة والمناطق الطبيعية في اتحاد بلديات صور وقضاء صور بشكل عام. كما يواجه اتحاد البلديات والبلديات في المنطقة تحدي الاستفادة من الأراضي التي تملكها الدولة والبلدية لمشاريع تنمية محلية حيوية. ومن العقبات المرتبطة برأس المال البشري في اتحاد بلديات صور، تتحدث الدراسة عن ارتفاع معدل البطالة من 8 % في العام 2019 إلى 12% اليوم. كما أن ظاهرة هجرة الأدمغة بارزة فيها، لا سيّما بين الشباب. وأظهرت البيانات/المعدلات أنّ النسب متساوية بين الجنسين. وعلى مستوى الأسواق، يفتقر اتحاد بلديات قضاء صور إلى خلق الأعمال التجارية. إذ تم إنشاء أحدث الشركات في المنطقة قبل عامين في العام 2019 (أي قبل الأزمة). ولجهة الحوكمة، يعاني الاتحاد من ضعف في القدرات الإدارية. وتعتبر الحوكمة من أكثر العقبات الملزمة في المنطقة.
وكالات