دعماً للنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب، الابتزاز أو التحرش، نظمت الجمعيات الحقوقية المعنية بنضال النساء، ومنها جمعية "أبعاد" تجمعاً نسائياً صباح اليوم، السبت 26 تشرين الثاني، أمام مجلس النواب، للمطالبة بتعديل العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان. شاركت مجموعة من الناشطات النسويات في هذا التحرك، إضافة إلى جمع من الناجيات من الاعتداء الجنسي اللواتي رفعن شعارات تؤكد تعذيبهن خلال الاغتصاب، كربطهن بالسلاسل الحديدية أو ترهيبهن بالسلاح. وأمام مبنى مجلس النواب نشرن شعارات مختلفة على ألبسة باللون الأبيض، كتبن عليها باللون الأحمر الذي يرمز للون الدماء. مثال على ذلك:" واجهي خوفك واحكي، ربطني ب3 جنازير، شلّحني بقوة واغتصبني..".
أرقام رسميةخوف النساء من التوجه إلى المخافر للتبليغ عن تعرضهن للاغتصاب، أدى إلى تضاؤل عدد التبليغات، سيما أن اعتكاف القضاء ساهم في ذلك أيضاً. هذا إلى جانب تعاطي المخافر مع الضحية على أنها كاذبة وليست ناجية.
وخلال لقاء "المدن" لبعض الناجيات، تبين أن عدم توجههن إلى القضاء يعود للمبالغ المرتفعة المطلوبة منهن حيث يصل أجر الطبيب الشرعي إلى 400 دولار أما بدل أتعاب المحامي فتبدأ من 1000 دولار، إلى جانب تكاليف الرسوم وغيرها.
ووفق احصاءات قوى الامن الداخلي الأخيرة لعام 2022، التي حصلت عليها "المدن"، سجلت 27 حالة اغتصاب في بداية عام 2022 حتى تشرين الثاني، ووصل عدد شكاوى العنف الأسري على النساء في العام نفسه إلى 808 حالات، أما عدد حالات الابتزاز والتحرش فوصل إلى 421 حالة، فيما وصل عدد الشكاوى على الخط الساخن إلى 1116 حالة.
تحميل الناجيات المسؤوليةسارة (اسم مستعار لشابة لبنانية مقيمة في بيروت)، 29 عاماً، تعرضت في شهر نيسان الفائت إلى اعتداء جنسيّ. والمعتدي، كان صديقاً تعرفت عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحدث الاعتداء بعد أن رتب لقاءً في إحدى المقاهي بهدف التعارف. عُنوةً، خُدرت سارة، ما سهّل اغتصابها، ولم يكتف بذلك فقط، بل سلب مالها ورماها أرضاً في إحدى الشوارع بعد منتصف الليل. وتقول سارة لـ"المدن": "حصلت على تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد فيه تعرضي للاغتصاب بعد الكشف على الكدمات على جسدي وتصوير مناطق متعددة منه، وذلك بعد محاولته مراراً وتكراراً التشكيك بمصداقية أقوالي، وتكرار الأسئلة بطرق مختلفة بغية الحصول على أجوبة مختلفة في كل مرّة.
كما طالب بالحصول على معلومات خصوصية حول حياتي الجنسية وطبيعتها قبل الاغتصاب، زاعماً أن هذه المعلومات تفيد التقرير الشرعي، وبعد حصولي على التقرير، ردد بعض الجمل والنصائح محملاً إياي مسؤولية الحادثة :"كيف بتأمني تروحي معه؟ معقول يعني؟.."
توجهت لمخفر حبيش- بيروت برفقة صديقتي، وفور إعلام الحارس برغبتي بتقديم شكوى، نظر إليّ بسخرية وتوجه إلي بأسئلة عديدة تتعلق بحياتي الشخصية وبعائلتي وبعملي، مكرّرا عدة مرات "ماذا كنت ترتدين؟". بعدها، قدمت إفادتي والأدلة المطلوبة إضافة إلى تقرير الطب الشرعي. وبعد اطلاع قاضي التحقيق على القضية، أخبروني بانهم سيتواصلون معي قريباً للاستماع لإفادتي مرة أخرى ولمواجهة المغتصب داخل المخفر. مرّت الأسابيع وحاولت التواصل مع المخفر فاكتفوا بالقول "إن تأخير إبلاغي يعود لعدم اقتناع القاضي بأقوالي". وبعد مرور عدة أشهر على الحادثة، لم أتلق أي اتصالٍ بالرغم من توكيل إحدى الجمعيات لمحامي لمتابعة هذه القضية، فيما لا يزال المغتصب يتابع حياته بشكل طبيعيّ. وحالة سارة، هي واحدة من آلاف الحالات المماثلة في لبنان والعالم العربي، وإن كانت عشرات الناجيات قد قررن رفع صوتهن والتنقيب عن عدالة لا تتحقق، فمن المؤكد أن هناك المئات غيرهن عاجزات عن الاعتراف بجرائم اغتصابهن أمام المجتمع. سيما أن الدراسة التي قامت بها جمعية أبعاد تؤكد أن 55% من اللواتي تعرضن للاغتصاب لم يبلّغن عن الاعتداء.
دعم نفسي وطبيفي حديث "المدن" مع المنسقة التقنية لادارة الحالات في جمعية أبعاد، ليلى حمدان، شرحت أن دور جمعية أبعاد هو متابعة حالات الناجيات من الاغتصاب، عبر تأمين مأوى لحمايتهن، إضافة إلى تقديم الدعم النفسي والطبي المطلوب لكل حالة. هذا عدا عن مساندتهن لتقديم شكوى والحصول على العدالة اللازمة.
وتضيف حمدان، أنها استقبلت عدد من الحالات بثياب ممزقة وبعد ساعات قليلة من تعرضهن للاغتصاب. وتقول:" حاولنا تأمين الفحوصات الطبية اللازمة واعطائهن الأدوية اللازمة كأدوية منع الحمل وغيرها، ومن ثم تشجيعهن على تقديم شكوى ضد المعتدي، سيما أن تعاطي المخافر مع قضية الناجيات يختلف بين منطقة وأخرى، وفي ظل الاعتكاف القضائي لا شك أن متابعة قضاياهن تراجعت، ولكننا نسعى بالتعاون مع عدد من النواب داخل البرلمان إلى تعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاغتصاب".
ومن أبرز أسباب عدم توجه النساء إلى القضاء لمحاسبة المغتصب ، سوء تعاطي الاجهزة مع الضحية، والذكورية الممنهجة داخل المخافر التي تحاول لوم المجني عليها. ومن جهة أخرى، فإن أحكام القضاء غير عادلة أبداً، حيث لا يتعدى حكم المغتصب ثلاث سنوات داخل السجن.هذا إلى جانب عدم مراعاتهم لخصوصية الضحية، إن كان بقراءة محادثاتها الخاصة على هاتفها أو التعرض لحياتها الشخصية وغيرها.. وإن لنظرة المجتمع لجريمة الاغتصاب على أنها عيب اجتماعي، أدى إلى تفادي النساء التوجه إلى المخافر خوفاً من تعميم أسماءهن ومعرفة أهاليهن، والتي من الممكن أن تؤدي إلى قتل الضحية أو إجبارها على الزواج من مغتصبها.
بالرغم من كل محاولات الجمعيات نشر التوعية وتأمين الأمان المطلوب للضحية، إلا أنها لم تستطع فعلياً التخفيف من حالات الاغتصاب. وبالتالي، فإن لبنان يفتقر فعلياً إلى ثقافة التبليغ، حيث يتم التعاطي مع جرائم الجنس كأنها عيب اجتماعي يمنع التداول فيه.
في ظل الفوضى المستشرية في لبنان، تتعرض النساء بشكل يومي لجميع أنواع العنف. ولا تُمارس جريمة الاغتصاب من الغرباء فقط، بل تغتصب المرأة من أبيها أو شقيقها أو زوجها أو من أحد أفراد عائلتها. والاغتصاب ليس حكراً على المرأة الحرة في الشارع، بل يشمل النساء داخل السجون، والتي وفي بعض الأحيان يُمارس عليها أبشع أشكال التحرش أو الاغتصاب. لا يسكن العار بين الساقين، بل العار في مجتمع لا يزال يتعاطى مع الاغتصاب على أنه سلوك ناتج عن خطأ ارتكبته المجني عليها وتعتبر بعده عار على عائلتها.