2024- 06 - 30   |   بحث في الموقع  
logo "قرارٌ مصيري"... شخصٌ وحيد له تأثير نهائي على بايدن! logo رسالةٌ حازمة... "حرب لبنان لا أحد يريدها"! logo صعودُ أقصى اليمين في فرنسا! logo بعد محاولة خطف قاصر... بيانٌ من "الكتائب"! logo الجيش: إزالة التعديات على أملاك الدولة في طرابلس – الحارة البرانية logo شخصياتٌ حزبية "بارزة" في انتخابات فرنسا! logo من أعلى الجسر... سقطت وتوفيت! logo بحر صيدا يخطف شاباً سورياً!
تالين: زيارة قصيرة إلى بلاد "البولت"
2022-11-26 13:56:06

أول ما استقبلنا في المطار هو ألوان العلم الإستوني الباعثة على الحزن. على خلفية من سماء رمادية ملبدة، توسط الأسود الشرائح الثلاث للعلم الوطني، الذي كان راية لاتحاد الطلبة الإستونيين نهاية القرن التاسع عشر قبل أن تتبناه الحركة القومية شعاراً للمطالبة باستقلال البلاد. أزرق منطفئ، لون الشريحة العليا منه، والأبيض في الثلث السفلي. يخلو العلَم من الألوان الدافئة، ومن حرارة ألوان النار الأصفر والأحمر ودرجاتهما، وربما لهذا يعطى انطباعاً بارداً. الأزرق لون سمائك.. والأسود لون الأرض التي تغطيك منذ القدم، كلمات قصيدة "العلم الإستوني" للشاعر مارتين ليب، لن تصبح النشيد الوطني للبلاد، لكن النشيد الملحن من كلماتها سيصبح واحداً من الشعارات الأبرز لـ"ثورة الغناء" في البلطيق، نهاية الثمانينيات، الاحتجاجات التي ستتوج بإعلان استقلال دول المنطقة الثلاث كفاتحة لنهاية الاتحاد السوفياتي. في مهبط مطار العاصمة تالين، ينتصب إلى جوار العلم الإستوني، علَمان، واحد بشعار حلف الناتو والآخر لأوكرانيا. ولاحقاً، وطوال الزيارة القصيرة سنرى العلم الأوكراني يرفرف في كل ركن في المدينة.
(مارتين ليب)ما زلنا في المطار، ومن أسقف الممر الطويل الذي يقود إلى الجوازات، تتدلى لوحات إعلانية سياحية، عن الألفي جزيرة صغيرة التي تمتلكها إستونيا، وعن السكان الذين يتجاوز عددهم 1.3 مليون نسمة بالكاد ويتوزعون بين 211 اثنية، عن حب الإستونيين للسباحة الشتوية. بخفة دم، تنتزع بعض الضحكات من فرط التكرار، وتحيلنا نصوص الإعلانات جميعاً إلى تطبيق سيارات الأجرة "بولت"، فالزائرون يستطيعون زيارة واحدة من البحيرات الكثيرة للسباحة باستئجار سيارة من التطبيق، أما الجزر فلا يمكن للأسف الذهاب إليها بواسطة التطبيق، والأهم هو إنه بالإضافة إلى كل تلك الاثنيات، فإستونيا هي أيضاً موطن لتطبيق "بولت". ليست هذه حملة دعائية عن التطبيق أو برعايته، بل ترويجاً للبلد الصغير، عبر نسبته إلى التطبيق المنتشر في عشرات من مدن حول العالم، والمنافس الأول لتطبيق "أوبر". يعرف العالم عن "بولت" أكثر ما يعرف عن إستونيا بكل تأكيد. أتذكّر، قبل وقت طويل أن الإستونيين القلائل الذين قابلتهم خارج بلادهم، كان يبادرون بتقديم أنفسهم دائماً بالطريقة نفسها: أنا من إستونيا... تعرف برنامج "سكيب"؟ صمّمه مبرمج إستوني. على ما يبدو أن البلد الصغير جداً، وغير المشهور بأي شيء في الخارج، يفخر سكانه بصناعة اسم لهم بالانتساب إلى علامة تجارية لأحد التطبيقات أو البرامج الحاسوبية.وسط المدينة المحاط بالأسوار العتيقة ما زال يحتفظ بمعماره القروسطي، بمعالم "هانزية" واضحة توثق التأثير الألماني القوي في ثقافة البلاد. في القرن الثالث عشر، فرض الفرسان الألمان من أخوية التيوتونيين، على سكان البلطيق، اعتناق المسيحية بالقوة، كان بعض من هؤلاء الفرسان قد فروا من عكا والقدس بعد استعادة الأيوبيين لهما، ومن ثم حولوا وجهتهم بعيداً من الأراضي المقدسة ليشنوا الحملة الصليبية الليفونية في شمال أوروبا. للوهلة الأولى تبدو بوابات تاليين الأثرية وكأنها بوابات مدينة عربية.
(تالين)كانت شوارع البلد القديمة، المعروفة عادة بازدحامها بالسائحين، فارغة تماماً، تكاد تالين كلها تكون خالية. فزيارتنا في شهر نوفمبر كانت بعيدة من الموسم السياحي. لاحقاً، سنعرف أن إستونيا واحدة من أكثر دول أوروبا تراجعاً ديموغرافياً، نسب المواليد فيها أقل من نسبة الوفيات، والهجرة المتزايدة بين الشباب إلى الخارج تجعل من الصعب تعويض التراجع السكاني. الإستونيون هم الشعب الأكثر شقرة الذي رأيته في أي مكان، كنا قد أطلقنا مزحة بيننا أن هؤلاء الذين نصادفهم في المدينة ولا يكونون على الدرجة نفسها من الشقرة الفاقعة، هم على الأغلب من الأقلية الروسية. يعيش ثلاثمئة ألف من أصحاب الأصول الروسية في إستونيا، ويحمل بعضهم جنسية البلاد والبعض الآخر يحمل الجنسية الروسية، وبعض آخر بلا جنسية على الإطلاق، بسبب الاشتراطات التمييزية التي فرضتها السلطات بعد الانفصال عن الاتحاد السوفياتي لتعسير حصول المتحدثين بالروسية على الجنسية. لم يكن هؤلاء أقل شقرة فقط، بل كانت هيئتهم متواضعة وبدت على أحيائهم علامات الفقر.بعد جولة ليلية في المنطقة الأثرية، خرجنا وسرنا في واحدة من الشوارع الحديثة، كان الشارع واسعاً بحارتين للمرور وخالياً من المارة، في إحدى الزوايا وجدنا نصباً تذكارياً مع رأس للرئيس الروسي السابق، يلتسين، ولوحة رخامية متواضعة تقر بدوره في نيل البلاد استقلالها. وبعد مسافة ليست بالكبيرة من هناك، مر بجوارنا أحد روبوتات التوصيل البريدي، روبوت بحجم مكنسة كهربائية متوسطة الحجم. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها واحداً من تلك الروبوتات البيضاء، تقاطع طريقي مع واحد منها في لندن من قبل. لكن كانت هذه المرة الأولى التي أستأنس فيها بواحد منها لمسافة طويلة، مشينا بمحاذاته بعضاً من الوقت، فوجهتنا كانت واحدة. وعند واحد من التقاطعات رأينا روبوتاً آخر قادماً من الاتجاه المقابل، توقفنا مشدوهين لنشاهد اللقاء، أبطأ كلاهما بشكل تدريجي ثم توقفا في مقابل أحدهما الآخر، أبرقت أضواؤهما في توقيت واحد، وصدر صوت آلي منهما، يشبه التحية، ثم افسحا الطريق واحدهما للآخر واستكملا السير في اتجاهين متعاكسين.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top