شعرت رولى بالخذلان في اللحظة التي اكتشفت فيها في محل المجوهرات أن "علامة زواجها"، هدية زوجها لها، ليست ذهباً أصليا بل برازيلياً، وذلك بعد أن توجهت الى المحل لرهن "ذهبها" بسبب وضعها المالي الصعب، بحسب ما تقول لموقع "المدن"، مشيرة الى أنها "حين عرفت بطبيعة الذهب شعرت بالحزن والغضب الشديد".
إذا كانت رولى قد تعرّضت للخداع، إلا أن ناهدة اختارت الذهب البرازيلي بقرار منها ومن خطيبها. وتقول لـ"المدن": "بعد مرور 12 عاماً على علاقتنا، وبسبب الصعوبات الكبيرة التي تواجه أي مشروع زواج، وبسبب ضغوطات الأهل والمجتمع، قررنا الزواج والتوفير قدر الإمكان، لذلك اشترينا الذهب البرازيلي".
الذهب البرازيلي ليس ذهبًا حقيقيًا ولا من فصيلة الذهب، وبحسب علي، وهو أحد أصحاب محلات المجوهرات، فإن هذا النوع هو معدن لا قيمة له مكون من رصاص وقصدير، ويشبه بلونه إلى حد كبير لون وبريق الذهب الحقيقي، لكن لونه ولمعانه يتغيران بعد فترة قصيرة، كاشفاً أن "علامة" كاملة من الذهب البرازيلي لا تكلف أكثر من 100 دولار أميركي، بينما أسعار "علامة" الذهب الحقيقي تبدأ من 800 دولار.ليس بالذهب وحده!الأوضاع المعيشية في لبنان أوجدت صعوبات وتحديات كبيرة للشباب اللبناني، منها بشكل أساسي، الزواج ومستلزماته. صعوبات دفعتهم للبحث عن وسائل التوفير في الذهب، تأمين السكن، شراء الأثاث وإقامة الأعراس وصولاً حتى شهر العسل، الأمر الذي قلّص نسب الزواج في لبنان، فبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين فأن عقود الزواج بدأت بالتراجع منذ سنة 2020 إذ شهدنا الفرق مقارنة بالسنوات التي سبقت، مشيراً في حديث لموقع "المدن" إلى أن أعداد العقود بحسب السنوات بلغت، 36287 عقداً عام 2018، 34076 عقداً في 2019، وهو العام الذي شهد بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان، 29493 عقداً في 2020، وهو الرقم الأقل في السنوات الحالية والسابقة، وصولاً الى 33661 عقداً في العام 2021.
يلفت الباحث شمس الدين في حديثه الى أنه بعد انهيار الليرة اللبنانية فإن صعوبة الحصول على منزل، سواء كان بالشراء أم بالإيجار، هو أبرز الصعوبات التي تواجه مشروع الزواج، خصوصاً مع توقف خدمات قروض الإسكان لفترة طويلة، بالإضافة الى "ضعف" مدخول اللبنانيين، إذ لم يعد يكفي أن يكون الثنائي عاملاً فقط، بل يجب أن يكون راتبهما بالدولار للتمكن من تأمين مستلزمات الحياة، وهذا بالتحديد ما واجه الثنائي مريم وحسن.
تُشير مريم في حديث لموقع "المدن" إلى أن مشروع زواجها من حسن تأجل اكثر من مرة والبداية كانت مع "كورونا" ومؤخراً بسبب الوضع الاقتصادي، مشددة على أن وجود منزل لديهما لم يشفع لهما، فما يحصّلانه من مدخول لا يكفي "لفتح" هذا المنزل وتأمين حياة زوجية كريمة، لذلك كان الخيار بالتأجيل.
ما ينطبق على هذا الثنائي، يسري على فئة كبيرة من الشباب اللبناني الذي "أجّل" مشروع الزواج بالوقت الراهن. رامي على سبيل المثال عمل لمدة 6 سنوات لتأمين الدفعة الاولى من منزل أحلامه، لكن مع توقف قروض الإسكان، فضّل رامي التريّث وزيادة المبلغ الذي كان يحفظه في المصرف. ويقول لموقع "المدن": "الكارثة وقعت عند بدء الإنهيار وحجز الودائع، فضاع جنى العمر، وضاع معه حلم الحصول على منزل وتكوين أسرة. فحتى لو قررت استئجار منزل، فإن تامين مستلزماته يكون بالدولار، من أثاث وأدوات كهربائية ومعدات مطبخ، وغيرها من الأمور والفواتير التي يجب أن تُدفع".الإحتيال على الأزمة!قد يستسلم بعضهم للواقع السلبي، ويؤجل فكرة زواجه، او قد يلجأ الى وسائل للإحتيال على الازمة لتمرير مشاريعه بأقل التكاليف الممكنة. هكذا فعل جود الذي كان قد دفع مبلغاً من المال لحجز صالة أعراس في منطقة الرميلة قبل الانهيار الإقتصادي عام 2019، وبعد وقوع الأزمة، وارتفاع سعر صرف الدولار استبدل العرس بعشاء صغير جداً للمقربين، واستبدل فكرة شراء شقة في منطقة الشرحبيل، بالسكن في منزله الصغير في قريته بقضاء جزين.
صار الثنائي الذي يرغب الزواج يبحث عن حلول متاحة تمكّنه من المضيَ قدماً في مشروعه، مثل إلغاء حفل الزفاف، استبدال شهر العسل بالسياحة الداخلية، تجهيز جزء من المنزل وغيرها. فما يعيشه اللبناني اليوم يتطلب مرونة في التعاطي، بعيداً عن البذخ الذي اختبره سابقاً؛ وربما هذا ما يُفسر عودة ارتفاع عدد عقود الزواج عام 2021، لأن الشباب اللبناني تعايش مع الأزمة واقتنع أن المبالغة والاقتراض لإقامة حفل زفاف "خياليّ"، وبدء الحياة الزوجية بمبالغ كبيرة من الديون قد ولّى زمنهم وبالتالي بدأ الشباب ب،"التواضع" في أعراسهم على كل المستويات.