2024- 06 - 28   |   بحث في الموقع  
logo "لا تراجع"... دعموش: المقاومة جاهزة لكل الإحتمالات logo "من داخل المطار"... إسرائيل تنشر "فيديو تحذيري" للبنانيين! (فيديو) logo "فوضى وعشوائية" تضرب قطاعًا هامًا... وللمتضرّرين: بلّغوا فورًا! logo الحجار: فريق عمل "أمان" مستمرٌ بمعالجة الشكاوى logo "الهجرة ودورها في توطين الإسلام في أوروبا: بريطانيا نموذجاً" logo عزرا باوند... الملحمي الملعون logo لـ"مكافحة الاعتراف" بالدولة الفلسطينية... إسرائيل توافق على إجراءات سموتريتش logo مسؤول إسرائيلي يتحدّث عن "لعبة أميركية ثنائية" لمنع الحرب مع لبنان
على بدر... لفائف التبغ لا تسقط من فم شاعر
2022-11-24 11:56:06

هكذا كنت أراها: طريقي المعبّد بالدخان الأبيض إلى المتعة. ضبابها الذي كنت أراه يتلوى أمامي أشبه بسلم يصعد كي يوصلني إلى الفردوس، وعندما تتوهج جمرتها يشتعل العقل والقلب والشعر معاً. يا لك من وحشية وعذبة.
تساءل مرة بابلو نيرودا، وأتساءل أنا معه، ماذا كان يفعل العشاق بعد نهاية الحب قبل اختراع السجائر؟ ماذا كان يفعل الشباب العراقيون بعد أن تسحب مواليدهم للحرب قبل اختراع السجائر؟ ماذا يفعل الشاعر بعد نهاية القصيدة، سوى أن يدخن ويدخن ويدخن...ربما سيجيب عن كل سؤال حولها، لا شاعر إيروتيكياً فقط مثل ريتسوس الذي قال لحبيبته سيجارتي في فمك الوردي، ملمحاً لقضية فرويدية، ففرويد يربط السيجارة باللبيدو أو التصعيد كونها فموية تتناول عن طريق الفم وكونها شرجية تترك رماداً. أو نيرودا الذي تغزل بسيجارة بين شفتيها المرسومتين بالروج الأحمر، إنما شاعر مسيحي ميتافيزيقي هائل مثل بول كلوديل سيقصد منها بطبيعة الأمر الحشيشة، خمرة المتصوفة الأوروبيين، مثل الخشخاش عند محبي الله المسلمين، الزهرة التي سكر بها مولانا جلال الدين الرومي في عشقه لغزال، وهو النسغ ذاته الذي كتب عنه بودلير قبل قرن تقريبا وسمى عالمه الخيالي بجنائن اصطناعية... يقول محمود درويش أشعل سيجارتك الآن، السيجارة الأولى المصنوعة من أجل هذا الفنجان، السيجارة ذات المذاق الكوني التي لا يعادلها مذاق آخر غير مذاق السيجارة التي تتبع عملية الحب. ولمحمود درويش وصف أخاذ للمرأة بعد الحب حيث تدخِّن آخر العرق -عرق الرجل-وخفوت الصوت. صورة محمود درويش الشهيرة مع السيجارة يضعها أعلى رأسه، شبيهة تماماً لصورة غسان كنفاني مع سيجارته. بول شاؤول هو الوحيد في الشعر العربي الذي أفرد ديواناً كاملاً للسيجارة، وهو يشبه في مظهره وهيئته التعبير الفرنسي عن جاك بريفير لوم ألا سيغاريت. فكان يدخن مئة سيجارة تقريباً‮ ‬في اليوم‮. أو كما يقول هو ‬مئة شمس تشرق وتنطفئ بين أصابعه‮.في أميركا اشتريت علبة دخان معدنية من سجائر مصنوعة باليد من علامة والت ويتمان. ويتمان بلحيته الكثة الكثيفة التي وصفها لوركا حين تحوم حولها الفراشات هي البراند العلامة التجارية لأفخم سجائر في أميركا وعلى العلبة المعدنية نقشت قصيدته أو كابتن ماي كابتن، يا قائدي ورباني رحلتنا المخيفة قد انتهت. أي بعد أن تنتهي رحلتنا المخيفة لا نسلي قلوبنا الا بالدخان..
نُقل عن ليو تولستوي قوله إن الرجل الذي لم يدخن سيجارة من قبل غير قادر على ارتكاب جريمة حقيقية بالمعنى الكامل للكلمة. يسخر منه الشاعر البولوني ياكوفتش الذي كتب كتاباً مثيراً اسمه السجائر والكحول والحشيشة، بالنظر إلى أن الناس قتلوا بعضهم البعض يميناً ويساراً قبل وقت طويل من إدخال التبغ إلى أوروبا. ياكوفتش انتحر احتجاجاً على اجتياح الروس لبولونيا، ووجدت جنبه عشرات أعقاب السجائر أراد التمتع بالدخان قبل ان يتحول إلى دخان.حين غنى سيرج غينزبورغ قصائد جاك بريفير، وضع صورته على الاسطوانة مع السيجارة. جاك بريفير يُسمى الشاعر ذو السيجارة، لم نره مطلقاً من دون سيجارة في فمه. بريفير لا يمكن تصنيفه وفقًا للفئات المعتادة من الشعراء. رفض الجوائز، هرب من الموضات الدينية والعسكرية والسياسية والعقائدية وحتى الجمالية وصاحب السيجارة. عكس شعره هذا الشغف بالحرية، شاعر غير قابل للإصلاح سياسياً والنقاد الأكاديميون يترددون في الاقتراب من مؤلفاته. ولكنهم تكلموا كثيراً عن سيجارته التي يضعه في طرف فمه. يعلن بريفير صراحةً أنه فوضوي وغير مؤمن ومقاتل للأيقونات. قال بيتر وايز عنه: لقد غفرت الاكاديمية الفرنسية لكامو المتمرد الباهر ولسارتر الفيلسوف المتمرد لكنهم لم يغفروا لبريفير الشاعر الشعبي. ربما كانت سيجارته إعلاناً عن شيئين البساطة العمالية والشغف بالحرية. من الطريف أن ويلي رونيس أصدر كتاباً بعنوان شاعرية الالتزام صدر في العام 2010، وقد عثر على صورة ملتقطة لجاك بريفير في العام 1941 في سور لوب جنوب فرنسا يدخن الغليون فكتب كما لو عثر على مفاجئة، اسمعوا لم يستمتع جاك بريفير بالسيجارة فقط انما كان يدخن الغليون أيضاً، ونشر الصورة. من تاريخ الصورة أعتقد ان تدخين الغليون في الحرب هو بسبب شحة السجائر أو غلائها، هكذا انا أيضاً دخنت الغليون في بغداد أيام الحرب والحصار.هذا الامر لا يعجب شركتا غلواز وجيتان الفرنسيتان، فعندما انتقلت مليكتهما إلى مصانع اسبانية كتبت صحيفة ليبراسيون سيجري تصنيع سجائر جيتان وغولواز الاسطوريتان في اسبانيا، بكت الصحيفة على السجائر التي خففت آلام الحرب واشعلت المقاهي في السان جرمان دوبريه في الفترة الذهبية ما بين الحربين. إن السيجارتين الأسطوريتين كان يقدرهما الشعراء مثل جاك بريفير بقدر ما يقدرها العمال. قصيدته الجميلة الصغيرة شهيرة، فطور في الصباح، وصف على لسان المرأة لصورة الحبيب الصامت. ومن أجل أن يكون في غاية الإثارة والغموض جعله يجلس بعد أن يطلب القهوة، يشعل السيجارة، ثم يصنع الدوائر من دخانها، يضع رمادها في المنفضة من دون أن يتكلم معها، ثم ينظر لها نظرة واحدة، ينهض، يضع قبعته على رأسه، يرتدي معطفه لأن السماء كانت تمطر ويغادر دون أن يقول كلمة. هكذا صنع بريفير دراما من فعل بسيط في قصيدته. وصف صامت للحظة من الحياة اليومية، دون أي تفسير، أو تعليق، قصيدة قصيرة ومباشرة، لكنها قصيدة ساحقة. مثل مشهد سينمائي تتحول كل لفتة روتينية للرجل إلى فعل، من شرب القهوة الى تدخين السيجارة. ثم يصنع دراما الانفصال عندما يخرج البطل والسماء تمطر مع توتر الشخصيتين المجهولتين على وجبة إفطار.
قلدها نزار قباني ببراعته المعهودة بقصيدته مع الجريدة، فبطل نزار أخرج من معطفه الجريدة/وعلبة الثقاب..
أخرج علبة الثقاب دليل على علبة سجائره. الحبيب هنا يدخن. البلاغة العربية تجيز دلالة الشاهد على الغائب.
اخذ نزار من قصيدة بريفير الأجواء والدراما، دراما الحبيب الصامت. الحبيب الذي يدخن ويغادر دون أن يقول كلمة. غنتها ماجدة الرومي رفيقة جيلي أيام ذاك، مع المطر الباريسي الذي تحول الى مطر بيروتي، بأغنية أنا أعدها من أجمل الأغنيات في ذلك الزمان.
لا أنسى قصيدة نزار دخن تدخينك يغريني ما زلت أحفظها عن ظهر قلب. أتذكر في الإعدادية عندما جلب لنا صديق لبناني علبتا غلواز وجيتان. دخناها خارج المدرسة بابتهاج ومرح. مثل عثور بطل فيلم وايزود الأميركي على سيجارة في صحراء أوزبكستان. بريفير. الرجل صاحب السيجارة، هكذا يسميه الفرنسيون ستظل نهايتها المحترقة في فمه حمراء، وسيكون هو حاضراً دائماً في قلوب الشعراء، عندما صدرت مجموعته بارول في العام 1946 أشاد النقاد بها على أنها أهم حدث في حياة شعر الفرنسي منذ نهاية الحرب، والبعض قال إنها صدمة فكرية نادراً ما عرفناها سابقاً، نصوصه غنائية لكنها ساخرة وجامحة. لم نعرفه فقط من شعره إنما من سيجارته، يقول أحد عمال السباكة، أنه في العام 1974، كان عمره 25 عامًا أيام ذاك، وتم استدعائه لإصلاح حمام من قبل سيدة في مدينة اومونفيل في النورماندي. قرع الجرس. فتحت سيدة الباب وخلفها تعرف على جاك بريفير، كان عمره ذلك الوقت 74 عاماً وسيجارته مازالت في زاوية شفتيه! من ذلك اليوم فصاعداً أصبح هو سباكه. ويواصل يقول: بعد ذلك عرفته من خلال شعره وكذلك من خلال السينما.لقد شاهد هذا العامل جميع الأفلام التي صنعها مع مارسيل كارني: "الدراما المضحكة"، "رصيف الضباب"، "زوار المساء"، "يشرق الصباح"، و"أطفال الجنة". الأفلام التي صنعها بريفير وسيجارته في طرف فمه.(*) مدونة نشرها الروائي علي بدر في صفحته الفايسبوكية



وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top