اجتاحت السيول بلدة الفاكهة البقاعية العام الماضي، وتعرضت رأس بعلبك إلى دمار كبير جرّاء السيول عام 2018، وغرقت شوارع بيروت مع الشتوة الأولى في العام 2021، كما امتلأت طرقات الضبية والزوق وجونية بالمياه منذ أيام.
كل هذه الأخبار تُشبه بعضها وتتكرر كل عام، في الأسابيع الأولى من فصل الشتاء، حين تتحول الطرقات إلى بحيرات، والسيارات إلى قوارب غير مجهزّة للسباحة، فما هي الأسباب وما هي التحضيرات للمواجهة هذا العام؟خطر السيول لن ينتهي قريباًإن كانت الشوارع تغرق بالمياه لصعوبة التصريف، فإن المناطق المتواجدة على الأطراف معرّضة لخطر السيول أيضاً، وتحديداً في منطقة البقاع. فكما وقعت السيول سابقاً قد تقع مجدداً. فحسب المهندس المختص في "إدارة المياه" علي حايك، هناك عدة عوامل تؤدي إلى تشكيل السيل أبرزها كمية الأمطار المتساقطة في فترة زمنيّة قصيرة. وهذا ما يتكرر في لبنان في مواسم المطر الأخيرة. درجة انحدار السيل وسرعة المياه، تضاريس تجمّع المياه، وغياب الغطاء النباتي. وهذا هو السبب الأبرز، والذي يؤثر أيضاً على غرق الشوارع في المدن، إذ أن الأمطار التي تتساقط تتجه من المناطق المرتفعة نزولاً باتجاه البحر، وبسبب غياب المساحات النباتية، فلا تنقص كميات المياه التي تتجمع في المناطق السفلية ويصبح تصريفها صعباً لأسباب معروفة، هي أولاً ضيق قنوات التصريف، وثانياً تجمّع النفايات فيها والتي تتراكم من كل المناطق التي يمر السيل بها.
الحلول للسيول تكمن في توسعة مجاري مياه الأمطار ومنع التعديات عليها والبناء قربها، وزرع المناطق الجردية والقاحلة. هذا للمناطق المتواجدة على الأطراف، أما في المدن فالحلول السريعة هي في تنظيف المجاري والشوارع بشكل يوميّ، طالما أن تغيير ثقافة المواطنين الذين يرمون النفايات على الطرقات لن تتغير بين ليلة وضحاها، وعلى المدى الأبعد توسعة قنوات التصريف.آلية تنسيق جديدة.. هل تُثمر؟تحدثت وزارة الأشغال العامة والنقل، على لسان الوزير علي حمية، منذ أسابيع، بعد غرق الأوتوستراد بمناطق الضبية والزوق وجونية، عن مشكلة النفايات التي تؤدي إلى الغرق. وفي هذا السياق يكشف مستشار الوزير، محمد جشي، أن الوزارة اجتمعت مؤخراً مع مجلس الإنماء والإعمار والشركات العاملة بمجال النفايات، مثل رامكو، خطيب وعلمي، وبلو سيتي، ووضعت آلية لتنسيق الأعمال ومحاولة العمل قدر المستطاع لدرء الخطر.
ويضيف جشي في حديث عبر "المدن": "هذه الآلية بدأت تأخذ طريقها نحو التنفيذ شيئاً فشيئاً، ونحن في الوزارة نتابع التنسيق بين الأطراف المعنية باشتراك المدراء الإقليميين التابعين للوزارة في المناطق، والأمور أفضل بكثير مما كانت عليه منذ أيام"، مشيراً إلى أن المطلوب أيضاً من البلديات لعب دور أساسي لتنظيف الشوارع الداخلية، رغم الظروف المالية الصعبة التي يُعاني منها الجميع، لأن النفايات التي تُقفل المجاري تأتي من أعلى إلى أسفل، أي من المناطق العالية باتجاه الأوتوستراد الدولي.
هذا بالنسبة إلى الأمطار، أما بالنسبة إلى الثلوج، فهناك 24 مركزاً لجرف الثلوج تابعة لوزارة الأشغال في كل المناطق. وهذه المراكز -حسب جشي- بدأت تستعد للقيام بعملها، وهي على مشارف الجهوزية، متحدثاً عن بعض الصعوبات التي تواجه العمل تتعلق بالصيانة للآليات، وتأمين المازوت. ويقول: "الاعتمادات قاصرة عن تأمين كل الاحتياجات، لكن العام الماضي كان هناك مساعدات تأتي إلى المراكز، كالمازوت مثلاً، من اتحادات بلديات، أو شخصيات قادرة".البلديات مقصّرة أم غير قادرة؟قد يكون الموقع الجغرافي لبلدات ساحل كسروان سبباً أساسياً لغرق الأوتوستراد في تلك البقعة الجغرافية في حال لم يتم تنظيف الأقنية ومجاري المياه في البلدات الأعلى، فكل النفايات تُجرف مع المياه لتصبّ على الطريق الدولي، لذلك لا ينفع الجهد البلدي المنفرد. وحسب رئيس بلدية زوق مكايل إلياس بعينو، فإن "الشتوة الأولى دائماً ما تكون صعبة، لأن المياه تجرف معها مخلفات كثيرة وأوراق الشجر الذي يتساقط مع تساقط الأمطار"، مشيراً عبر "المدن" إلى أن البلديات تحاول القيام بعملها رغم الإمكانيات، لكن لحلّ هذه المشكلة بشكل نهائي يجب تجديد البنى التحتية التي نشأت قبل 25 عاماً".
ويضيف بعينو: "في منطقتنا هناك نقطة أساسية على الأوتوستراد تتعرض دائماً لمشكلة المياه، قرب مؤسسة جلاد، حيث توجد ثلاث أقنية لتصريف مياه الأمطار، غير قادرة على استيعاب كل الكميات، خصوصاً أن المنطقة خلال الأعوام السابقة شهدت كثافة عمرانية كبيرة، ولم تعد الأرض قادرة على امتصاص أي كمية من المياه، وبالتالي نحن أبلغنا الوزارة منذ سنوات أن هذه النقطة بالتحديد بحاجة إلى 6 أقنية تصريف بدل ثلاث، لكن الوضع الاقتصادي يمنع هذا العمل".
لا يتوقع بعينو أن تتكرر مشاهد غرق الشوارع مرة جديدة هذا العام، لكن الحل النهائي يتطلب الكثير من الجهد والإمكانات.