رفع رئيس التيّار الوطني الحرّ النّائب جبران باسيل، أمس، عالياً سقف معارضته إنتخاب رئيس تيّار المردة الوزير سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مبعداً بذلك أيّ أمل بإنتاج توافق قريب بين تحالف فريق 8 آذار وأركان السّلطة حول الإستحقاق الرئاسي، وأكّد الإنطباع بأنّ الفراغ الرئاسي سيمتد طويلاً بانتظار تسوية لم تنجز بعد.
خلال الفترة الماضية، وتحديداً منذ بداية مهلة الشّهرين الدستورية قبل نهاية ولاية الرئيس السّابق للجمهورية ميشال عون من الأوّل من أيلول وحتى نهاية شهر تشرين الأول الماضيين، وبعد دخول لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي وصولا إلى يوم أول من أمس، كان بعض “الشّغل” السّياسي منصبّاً على إقناع باسيل بتأييد إنتخاب فرنجية رئيساً باعتباره ضمانة له ولتيّاره وللحلفاء والبلد في المرحلة المقبلة.
إنطلق العاملون على هذا الخطّ من جملة عوامل، الأوّل أنّ باسيل لا يملك أيّ فرصة ليكون رئيساً للجمهورية، والثاني ليس باستطاعة باسيل إيصال شخصية مقرّبة منه ومحسوبة عليه إلى قصر بعبدا يكون “ناطوراً” على إرث العهد العوني السّابق؛ أمّا الثالث فهو إقناع باسيل بأن إنتخاب فرنجية هو السبيل الوحيد لحماية جماعته في الإدارات العامّة وعدم الإقتصاص منهم وإبعادهم في حال وصول رئيس لا يكن الودّ للتيّار البرتقالي ورئيسه، وبأنّ فرنجية هو ضمانة فعلية ووحيدة في هذا الإطار، وأنّه لن يستبعد باسيل وجماعته من السّلطة كما سيكون الحال إذا وصل رئيس للجمهورية من المعارضة، كما سيكون لهم حضورهم وتمثيلهم في أيّ حكومة مقبلة وفق حجمهم التمثيلي.
لكنّ ما قاله باسيل أمس، علناً أو تسريباً، يشير إلى أنّ مساعي “الشّغل” الرئاسي قد وصلت إلى حائط مسدود، ما جعل أسئلة كثيرة تطرح حول ما هي رهانات باسيل التي استند إليها في مواقفه الرئاسية الجديدة، وما هي المعطيات لديه للتصعيد في وجه حلفائه ـ وعلى رأسهم حزب الله ـ إلى هذا الحدّ، وكيف يمكن له أن يصل شخصياً هو أو أيّ شخصية أخرى مقرّبة منه إلى منصب الرئاسة الأولى وليس لديه حليف في المجلس النيابي سوى حزب الله؟
صعود باسيل عالياً على شجرة مواقفه الرئاسية ستجعله يجد صعوبة في النزول منها دون دفعه ثمناً سياسياً، وسيجد نفسه مضطراً للبحث عن حليف أو صديق لمساعدته في النزول، وإقناعه بأنّه ليس ميشال عون ليفرض شروطاً شبه مستحيلة على قاعدة أنا أو لا أحد، مثلما كان حال الجنرال في استحقاق عامي 1988 و2016، وبأنّ الظروف مختلفة بالكامل، كما أن قواعد التيّار البرتقالي بدأت تتصدع وتتآكل على خلفية الخلافات بين باسيل وشرائح واسعة في التيّار البرتقالي تعتبر نفسها “عونية” وليست “باسيلية”، وبالتالي فإنّ ذهابه في مواقفه الرافضة لأيّ تسوية مع حلفاء الخطّ، لحماية نفسه وتيّاره أولاً، والحفاظ على وحدة الخطّ في المرحلة المقبلة، تبدو وكأنّها محاولة إنتحار سياسي من باسيل يحتاج إلى من ينقذه من الإقدام عليها.