أن تحمل بداية يوم جديد في منطقة البقاع خبراً هللت له وسائل التواصل الاجتماعي، عن مخترع شاب من بلدة بريتال، وافقت موسوعة غينيس العالمية على قبوله كأصغر مخترع ومهندس، وأستاذ محاضر في الجامعات، بعد ليلة ضجت فيها هذه المواقع نفسها بأخبار اليأس اليومية التي تدفع بشبان إلى الانتحار، لا بد أن يسترعي هذا المخترع الشاب كل اهتمام. ولا بد أن يكون هذا الاهتمام بعيداً عن تداوله في وسائل الميديا والتواصل كاختراع أو سابقة بحد ذاته، من خلال تظهير إسم بلدته بريتال التي لا يتطرق إليها الإعلام عادة، إلا للإضاءة على ارتكابات عصابات الخطف وسرقة السيارات والمخدرات، والتي يسيء المتورطون فيها لأهل بلدتهم وشبابها أولاً، قبل أن تنعكس تداعيات أفعالهم على المجتمع بشكل عام.فيزياء وهندسة كمبيوترعلي طليس هو الشاب المقصود هنا. إبن بلدة بريتال الذي لم يغادرها يوماً منذ ولادته قبل 19 سنة، وجد في منزله العائلي كل ما يحتاجه للانطلاق بشغفه في عالم الروبوتوكيس، فسخر الإمكانيات التي وفرتها وسائل التواصل المتقدمة، لا لمضيعة وقت، إنما للعمل على تنفيذ أفكاره وترجمتها عملياً في إختراعات، ولكن أيضاً في تحصين هذا الشغف بمعرفة وثقافة، استطاع من خلالهما أن يطرق أبواب المؤسسات التعليمية في الخارج، بينما كان لا يزال في عمر 15 سنة.
قبل يومين تلقى علي -كما يقول- رسالة إلكترونية من المعنيين بموسوعة غينيس، تقول له إنه تم قبوله في سجلها العالمي كأصغر مهندس، ومخترع، ومحاضر جامعي. وضع علي نص قبوله في الرسالة على صفحته في موقع فايسبوك، ومضى لإتمام امتحاناته لنيل شهادة الفيزياء وهندسة الكومبيوتر والاتصالات، في جامعتين لبنانيتين تسجل بهما بعد أن أتم "أونلاين"، كما يقول، دراسة الماجستير في الهندسة الكهربائية، ونال الدكتوراه الفخرية في هندسة الكهرباء والإلكترونيك.
خلال تقديمه لامتحانه فوجئ بالأستاذ المراقب يسأله عما يفعله على مقاعد الدراسة، بينما الفضاء الافتراضي ينشر فرحته باستعداد علي لدخول موسوعة غينيس.12 براءة اختراعإلا أن علي لم يكمل قصته بعد، هو الذي لا يزال يطمح كما يقول لجائزة نوبل، يعلم أن البعض سيسخرون من طموحه، كما سخروا سابقاً من إختراعاته، ولكنه ماض في هدفه ويعلم أن ذلك لا يتحقق إلا بتعزيز معرفته وإنعاشها دائماً بالأحدث من الاختراعات والدراسات.
لم يكن وصول علي إلى موسوعة غينيس وليد الصدفة، وإنما هو يشرح بأن مسيرته بدأت قبل سبع سنوات تحديداً، وبدأت كشغف بمعرفة أسرار الكون، والقوانين التي تحكم الطبيعة منذ كان بعمر السبع سنوات، وقد جذبه عالم الإلكترونيات منذ ذلك الحين، إلى أن صار من الضالعين بإصلاح هواتف الخليوي بينما كان في عمر 12 سنة.
قبل أن تصبح لديه 12 براءة اختراع سجل القسم الأكبر منها بألمانيا، يروي علي بأن نقطة التحول الأساسية لديه كانت بعد إكماله المرحلة المتوسطة، التي أنهاها بفترة أقصر من زملائه، ليلتحق بثانوية بريتال الرسمية، ولكن من دون أن يحضر أي من حصصها الدراسية طيلة تلك السنوات. بل كان يذهب لتقديم الامتحانات فقط، بينما هو منشغل بدراسة عن بعد للهندسة الإلكترونية في جامعة في فلوريدا. لينال من بعدها أيضا شهادة "الماستر" كما يؤكد، من خلال البرامج المكثفة التي خضع لها. وهكذا مع إكماله المرحلة الثانوية في لبنان، كان أيضاً قد أنهى دراسته الجامعية بالهندسة، وقدم مشروع تخرجه، آلة طباعة ثلاثية الأبعاد، كأول إختراع متكامل له، بعد أن طبق عملياً كل ما تعلمه نظرياً.الاستخفاف والصورة النمطيةخلال أزمة كورونا سنة 2019، أراد علي أن يترك بصمة في عالم الأبحاث التي جرت للحد من الجائحة العالمية، فإخترع Multi-Functional Sterilization Robot وهو روبوت يقوم بتعقيم غرف العزل باستخدام ذرات الأكسجين الموجودة في المياه. إلا أن إختراع علي لم يؤخذ جدياً على الصعيد المحلي، مع أن وزير الصحة حينها كان إبن بعلبك، فبقي مهمشاً، ولم يستخدم إلا على المستوى الشخصي، وفي بعض المستشفيات التي قبلت بتجربته.
سن علي الصغير في هذه المرحلة، لعب دوراً ضد قبول اختراعاته بجدية. إضافة إلى مسقط رأسه بريتال. ويأسف علي للصورة النمطية التي يتعاطى فيها البعض مع أبناء منطقته، متحدثاً عن أساتذة جامعيين حاولوا أن يسخّفوا مرة من اختراع له لتضمّن أحد أجزائه اللون الأخضر، الذي رُبط فوراً بلون حشيشة الكيف، الرائجة في بعلبك. إلا أن هذه التراكمات -كما يؤكد علي- جعلته أكثر إصراراً على بلوغ هدفه، فكان لها الفضل في الجهود الإضافية التي بذلها حتى دخل موسوعة غينيس كأصغر مخترع، بعد أن كانت صحيفة ألمانية متخصصة قد منحته اللقب سابقاً.بنكرياس اصطناعي؟!تواصلُ إدارة موسوعة غينيس مع علي، جاء بعد ظهوره بقنوات عالمية، كان أحدها في قناة الحرة الأميركية، بمناسبة اليوم العالمي للإبتكار والإبداع في نيسان الماضي. حيث طُلب منه -كما يشرح- تقديم المستندات التي تثبت دراساته واختراعاته.
عندما بدأ يقدم الإثباتات بإختراعاته، كان علي قد أنجز أيضاً مولوده الأخير، وهو عبارة عن بنكرياس اصطناعي، صممه –وفق قوله- ليحل مكان البنكرياس الطبيعي في جسم الإنسان بكافة وظائفه، ويشكل العلاج التام لمرض السكري بنوعيه الأول والثاني، عبر المراقبة المتواصلة لنسب سكر الغلوكوز في الدم، وضخ الهرمونات المناسبة عند الحاجة. وهو بالتالي يتحكم بنسب السكر وإبقائها عند المستوى الطبيعي، ومزود بعدة وظائف تمكنه من التواصل مع المريض عبر تطبيق هاتف ذكي يزوده بكافة المعلومات، إضافة إلى رسم بياني يبيّن تغير نسب الغلوكوز بالدم خلال اليوم. وقد انضم هذا الاختراع إلى 11 اختراعاً آخر، إلا أن علي يطمح أن تتم تجربة اختراعه الأخير على مريض سكري عملياً، الأمر الذي يقول أنه يحتاج إلى تجهيزات مكلفة، ومساعدة للوصول إلى شركات طبية مستعدة للدخول بهذه التجربة. خصوصاً أنه -كما يقول- بدأ من الصفر، ولا يزال يعمل بإمكانيات متواضعة جداً، ويمول نفسه من خلال عمله إما كمهندس أو كأستاذ محاضر في جامعات قررت أن تستعين به لتجعله أمثولة لتلاميذها عن الإمكانيات التي يحفظها كل إنسان، متى توفرت الإرادة والاجتهاد.
في مزيد من البحث عن الحالة الاجتماعية لعلي، يتبين أنه يتحدر من عائلة متواضعة، سلاح الوالدين فيها العلم الذي يعملان في رسالته كمربيين. إلى كونه إبن منطقة مهمشة على كل الصعد، ولكنها أيضاً تصطبغ بسمعة الخارجين على القانون فيها. وهذا ما يقول علي أنه يتطلب جهداً إضافياً من قبل شبابها لانتزاع الثقة، حتى من قبل المجتمع المحلي وسلطاته، التي طرق علي أبوابها مرات عدة، من دون أن تبدي الأخيرة اهتماماً بتظهير هذه الصورة المختلفة للبلدة إلى الرأي العام اللبناني.صورة بريتال وشبابهابعد دخول موسوعة غينيس، لا يتحدث علي عن توقعات كبيرة، إنما يشرح أنه ماض في اختراعات عديدة تدور في عقله حالياً، ولكنها تحتاج إلى إمكانيات. وإذ يقول إنه سيترك الأمور لكي تسير بشكل تلقائي، يتمنى في المقابل أن تأتي جهة لبنانية وتتبنى المخترعين وتدعمهم، حتى تسخر نتائج اختراعاتهم لخدمة المجتمع اللبناني الذي هو أكثر حاجة إليها. مؤكداً في المقابل أنه تلقى عروضاً كثيرة من الخارج، ولكنها جاءت محفوفة بشروط، لا يعتقد أنه قادر على الالتزام بها حتى الآن.
لم يكن الإعلام والظهور الإعلامي يوماً من أولويات علي. ولكنه يجد في ذلك حالياً فرصة ليتعرف الناس إلى وجه آخر من بلدته، حيث لا ينكر أن العصابات موجودة، ولكن أيضاً هناك شباباً مثقفين وطموحين، يحاولون من العدم أن يبذلوا كل إمكانياتهم ليسخروها في مصلحة بلدهم أولاً.