2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo صاروخ من لبنان يسقط في الأردن.. ماذا حدث؟ logo أعداد النازحين تتضاعف جراء العدوان الإسرائيلي.. وزير يكشف عن الحصيلة! logo غارة عنيفة تهزّ صور.. مبنى مُستهدف وانفجار كبير! logo ياسين يكشف عدد نازحي الجنوب حتى الآن! logo لافروف: روسيا قلقة بعد اغتيال نصرالله logo متظاهرون يحاولون اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد (فيديو) logo إسرائيل تبلغ واشنطن نيتها شن عملية برية في لبنان logo عدوان إسرائيلي عنيف على لبنان يخلف خسائر بشرية كبيرة.. إليكم الحصيلة
غسان كنفاني... الغائب الحيّ
2022-11-13 07:56:12

نجتمع اليومَ في مناسبةٍ لا تزال، رغم انقضاء نصف قرنٍ من الزمان، حيةً فينا. شرارةً تأبى أن تنطفئ، ومصدرًا للإلهام ودافعًا للالتزام بالقضية. لم تخطئ رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير حين قالت عند اغتيال غسان كنفاني: "اليوم تخلصنا من لواءٍ فكريٍ مسلح، فغسّان بقلمِه كان يشكّلُ خطرًا على اسرائيل أكثر مما يشكّله ألف فدائيٍ مسلح"!
شرف كبير لي أن اتحدّث في ذكرى غياب غسان كنفاني، قد يقول أحدهم لست بأديبة، ويقول آخر ولا متخصصة بالشأن الفلسطيني والعلوم السياسية، ومجالُ دراستها يدور في فلك تحليل الخطاب وتقنيات الاتصال، وأقول أنا إنني عاشقةٌ للكلمة مؤمنةٌ بقِدرتها على خلق المستحيل. ألم تكن هي الطلب الأول الذي توجّه به رب العالمين إلى الرسول الأمين؟
حول عوالم غسّان كنفاني الغائب الحاضر بيننا دائما سيدور الكلام، وبالعودة للكلمة عند غسان كنفاني اسمحوا لي بمشاركتكم هذا البوح الوجداني لمن ساهم في تكوين شعور الانتماء لقضيةِ حق، وأعطى فخرَ التلحّف بالكوفية الفلسطينية، لفتاةٍ ولجيلٍ من الشباب العربي من المحيط إلى الخليج.
كيف نقول غائب والحكاية كما كتب الياس خوري، لم تنته بعد....
حيث كتب على صفحته الخاصة في 25 اكتوبر "في الواحدة والنصف من فجر الأحد 23 تشرين الأول/أكتوبر، انفجرت عبوةٌ ناسفةٌ في درّاجة في حارة الياسمينة، محوّلة أحد قادة "عرين الأسود"، في نابلس المحاصرة، تامر الكيلاني، إلى أشلاء.
كان هذا الاغتيال تكراراً مقصوداً لمشهدِ اغتيال غسان كنفاني في الحازمية – بيروت منذ خمسين عاماً".
إنه الغائب الحيّ فينا، أصبح اسمُه مرادفًا لفلسطين هو ومحمود درويش وآل البرغوثي وإبراهيم نصر الله وغيرهم كثر، كم هو جميلٌ هذا الوطن الذي يحملُ وجوهَ وملامح أجيالٍ مختلفة تنطق بالحق وتثبّتٌ حدودًا يعاند العدو على اغتصابها ومحوِها.
قرأت غسان في مقتبل عمري في الثمانينات، من القراءات التي شكّلت وجداني وهويتي ونظرتي للحقِ والعدل. وكلما كنت أتقدّم بالعمر كنت أعود لكتاباته فأقرأها بروحٍ جديدة لأكتشفَ خبايا ونقاط كنت قد غفِلت عنها سابقًا. غير ان هناك ثوابت استطاع أن يزرعها في وجداني حول مفهوم الحق والعدل، الوطن والإنتماء، الهوية والمقاومة... وفلسطين القضية البوصلة.
غسان الذي لا يزال السؤال الذي طرحه في نهاية روايته "رجال في الشمس" "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟" تتكررُ اصداءه في نفوسنا أمام كل عملية هجرة غير شرعية ينتهي بها المطاف إلى الموت.
ولا يزال الحوار بين سعيد وزوجته عند عودتهما إلى حيفا مع ابنِهما كانا تركاه في المنزل الذي غادراه قهرًا، يؤسّس لمفهوم الانتماء والدفاع عن الوطن وسكيّن مريم الذي انغرس عميقًا في جسد النتِن العميل الذي استغلّ ظروف حياتها فحمَلت منه يؤكد أن هذا ما تبقى لنا وما يُفترض القيام به.
بجُمَلِهِ القصيرة واحداثِه السريعة سطّر ملحمةَ التوحّد مع وطنهِ فأصبح مرادفًا لفلسطين مثبتًا إياها في قلوب وعقول القراء. وكأنّه كان يستشعر قرب موعد رحيلِهِ، نقرأ له في برقوق نيسان "أن للرجال أقدارُهم المكتوبة منذ الأزل والتي هي قبل أسمائهم، تلتصق بهم في لحظةٍ لا يدركون كيف جاءت".
كتبَ غسان يقول: "إننا نتعلمُ من الجماهير ونعلمها"...
هو القائل عن أم سعد: هذه المرأة تلدُ الأولاد فيصيروا فدائيين، هي تخلّف وفلسطين تأخذ. وها هي والدة الشهيد إبراهيم نابلسي بعد عشرات السنين مما كتبَ، تزغرد عند وصول خبر استشهاد ابنها تقول: إبراهيم راح في مية إبراهيم بعده...
أدرك الشباب الفلسطيني أحفاد غسان كنفاني أن سلاحَ المعركة يمشي بالتوازي، على الأرض بعمليات بطولية نقرأ للشهيد البطل عدي التميمي: "أنا المطارد عدي التميمي من مخيم الشهداء شعفاط، عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطةٌ في ممر النضال، أعلم أني سأستشهد عاجلًا أم آجلًا، وأعلم أنني لم أحرّر فلسطين، ولكني نفذتُها وأنا أضع هدفًا أمامي: أن تحرّك العملية مئات الشباب ليحملوا البندقية بعدي"
أدركَ إذن أحفادُ غسان أنّ للمعركةِ سلاحٌ على الأرض وسلاحٌ عبر وسائل الإعلام وبالذات عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث استجاب مئات الفلسطينيين لنداء تضامن أرسل عبر قناة تلغرام التابعة لعرين الأسود والتي يشترك فيها أكثر من 130 ألف متابع، حيث طُلب من المتابعين الصعود إلى أسطح المنازل وإطلاق التكبيرات تضامنًا مع المقاتلين الذين يشنون هجمات مسلحة على أهدافٍ إسرائيلية.
وها هي منى الكرد وغيرها من الشابات والشباب يحولون حساباتهم الشخصية عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى وسيلة لإيصال صوتهم للعالم حول حقيقة ما جرى في حي الشيخ جراح. إلى حد دفع هذه المنصات إلى حذف منشورات وهاشتاغات متعلقة بالأحداث في القدس المحتلة، فضلا عن فرضها رقابة على أي محتوى متعلق بها.
حول هذه النقطة أدعوكم للاطلاع على أعمال منتدى فلسطين الرقمي الذي يكرّس مساحةً كبيرة لهذا النضال وهذه المقاومة الشبابية بلغة العصر دفاعًا عن الوجود والحق الفلسطيني.
كان غسان كنفاني حاضرًا متوقد الذهن، مدركًا أهمية التواصل بأدوات العصر وفنونه، توزعت انتاجاته بين القصة القصيرة والرواية إلى المسرحيات والرسم والكتابة للإذاعة.
وبالرغم من إن عالم الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي لم تكن في زمنه، إلا أنك تراه حاضًرا عبرها مرات بالاسم ومرات كثيرة بالروح. من خلال جولة سريعة على الصفحات المخصصة لغسان كنفاني عبر منصة الفيسبوك تطالعك عشرات الحسابات التي تجتمع كلُها على رفع صورة الكاتب واسمِه، كذلك حسابات متعددة على منصة الانستغرام الأكثر انتشارًا بين الشباب إلى تطبيق التيك توك، مع ان بعض هذه الحسابات بحاجة إلى إعادة التركيز على المضمون بالكلمة الخاصة بغسان وليس باستخدام اسمه لنشر أقوال الآخرين. ولكن كيفما كان هو موجود بيننا عبر الإعلام الحديث، وهنا أسمح لنفسي بالتوجه إلى لجنة التخليد التي لفتني اسمَها في نهاية المجلدات الخاصة بأعمال غسان كنفاني متمنية عليها رعاية هذا الحضور الافتراضي لغسان كنفاني عبر منصات التواصل الاجتماعي.
في الختام اسمحوا لي ان اتشارك معكم كلمة كتبتها الدكتورة وفاء الشعراني الصديقة وأحد أعمدة النادي من غربتها تحية لهذا اللقاء
أن تجتمعوا حول غسان كنفاني،
لو كنتُ معكم،
كنت سأجلبُ لحنجرتي رنيناً، ولصوتي إيقاعاً، لأقول له:
مرت السنوات، وكل يوم نشتري ورقا، ونبعث لك بخطاب على عنوانك في حيفا، ولا جواب، خلدون امضَّنا، عذَّبنا، دموع صفيّة لا تُنسى، والسؤال الخطير، خلدون ابن مَن؟
ثم مرّت سنوات كثيرة تالية، فاذا أنت باقٍ في حيفا، والسؤالُ يزداد خطورةً وصعوبةً وظلماً، لا زلتَ غسان تقف ُكل ليلة، قرب انتصاف الليل، تكتب رواية فلسطين، ادب الواقع على الضفاف وفي الصحارى عبر ملامح لها حفظناها في وجوه رجال في الشمس، وايقاعات ظلال المفاتيح.
تحية لك د. وفاء انت حاضرة معنا وإن بعدت بيننا المسافات.
شكرًا لحسن استماعكم.
(*) كلمة ألقيت في قاعة المؤتمرات، الرابطة الثقافية في طرابلس، في الذكرى الـ 50 عاماً على استشهاد الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني مع ابنة اخته لميس، بدعوة من مؤسسة كنفاني ونادي قاف للكتاب، وشارك فيها د خالد زيادة، د غادة صبيح، المخرج جان رطل والروائي إبراهيم نصر الله.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top