ابتداءً من بداية الشهر الحالي، بدأت مؤسسة كهرباء لبنان بتطبيق التعرفة الجديدة (راجع المدن)، التي تراهن عليها وزارة الطاقة لاستعادة الانتظام المالي في القطاع، وفق خطّة تطمح للوصول إلى معدل تغذية قد يصل إلى 10 ساعات في اليوم. التعرفة الجديدة، المربوطة بسعر صرف منصّة صيرفة، وباستعداد مصرف لبنان لتأمين الدولارات لثلاثة أشهر، وبالتنسيق مع مقدمي الخدمات، يمكن أن تسمح بالفعل بتأمين بانطلاقة جديدة للمرفق العام، بمعزل عن مستوى التغذية الذي يمكن تحقيقه. إلا أنّ إشكاليّة نقديّة ودستوريّة استجدّت خلال الأيام الماضية، بما يطرح أسئلة جديّة عن قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تنفيذ هذه الخطّة بكامل تفاصيلها في القريب العاجل.
الدولارات مؤمّنة...ولكن؟حتّى اللحظة، يتمسّك مصرف لبنان بوعد الحاكم الذي وافق على تأمين 300 مليون دولار لهذه الخطّة، على أن يتم بيعها بسعر المنصّة لمؤسسة كهرباء لبنان على مدى ثلاثة أشهر، بين كانون الأوّل وشباط، لشراء الفيول. إلا أنّ الحاكم، وبحسب مقرّرات آخر اجتماعات المجلس المركزي للمصرف، لن يبيع هذه الدولارات وفق تسهيلات معيّنة، بما يسمح للمؤسسة بسداد قيمتها بالليرة بعد فترات معيّنة، ولن يقدّم أي ضمانات أو كفالات بسدادها تجاه مورّدي الفيول الأجانب، بما يسمح للمورّدين بمنح هذه التسهيلات، بل سيكتفي ببيع هذه السيولة مقابل ليرات نقديّة تُسدد في نفس اللحظة، كأي عمليّة قطع فوريّة FX Spot Transaction. بهذا المعنى، أمّن المصرف المركزي الدولارات، لكنه لن يسهم بتأمين التسهيلات، كما راهنت مؤسسة الكهرباء في السابق.
هنا، باتت مؤسسة الكهرباء أمام إشكاليّة تأمين التمويل في بداية الخطّة، وإلى حين البدء بجباية فواتير الكهرباء وفق التعرفة الجديدة، التي تسمح بتغطية ثمن شراء الدولار واستيراد الفيول. الخيار المطروح حاليًّا، يقضي بتأمين سلفة للمؤسسة من الميزانيّة العامّة، بما يسمح لها بتسديد ثمن الدولارات لمصرف لبنان، على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.
إلا أنّ هذا الخيار يواجه إشكاليّات دستوريّة عدّة، منها عدم قدرة الحكومة على الإلتئام لتقديم مرسوم مشروع قانون بهذا الخصوص إلى المجلس النيابي، وعدم جواز طرح مشروع قانون يتعلّق بشأن مالي من قبل نائب في المجلس. كما يصطدم هذا الخيار بإشكاليّات صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في ظل الفراغ الرئاسي، الذي يفترض أن يوقّع على مراسيم إحالة مشاريع القوانين إلى المجلس، وعلى القوانين نفسها بعد إقرارها في الهيئة العامّة للمجلس النيابي. وأخيرًا، تبقى إشكاليّة تشريع المجلس في ظل الفراغ الرئاسي، الذي يفرض تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة لا مشرّعة، ولو أنّ رئيس المجلس النيابي ارتأى في محطات سابقة (عام 2015) تمرير بعض القوانين في ظل الفراغ الرئاسي تحت عنوان "تشريع الضرورة".لقاء بري-ميقاتيرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن اليوم بعد لقائه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أنّه تمكّن من إيجاد صيغة لهذه الإشكاليّة، بما يسمح بتأمين التمويل المطلوب، دون تقديم أي تفاصيل إضافيّة. لكن حتّى اللحظة، من الأكيد أن أي صيغة متفق عليها بين الرئاستين ستُواجه بعراقيل من طرف التيّار الوطني الحر، خصوصًا أنّ التيّار يبحث عن أي ذريعة تسمح بعرقلة أي مسألة توحي بتجاوز لصلاحيّات رئاسة الجمهوريّة في فترة الفراغ، وخصوصًا من جانب حكومة تصريف الأعمال، فكيف سيكون الحال إذا امتلك بالفعل حجج دستوريّة قويّة تسمح بالاعتراض على إقرار أي سلفة جديدة داخل المجلس النيابي.
مع الإشارة إلى أنّ التيّار ينظر بريبة تجاه نشاط ميقاتي في هذا الملف، وتحديدًا من جهة محاولته إظهار أن المعالجات أخذت طريقها للحلحلة بمجرّد انتهاء عهد ميشال عون. وعلى أي حال، يراهن التيّار في هذا الموضوع على دعم كتل أخرى داخل المجلس النيابي، بالنظر إلى اتصال الملف بصلاحيّات رئاسة الجمهوريّة أولًا، وبموضوع سلف الكهرباء سيّئة السمعة واحتياطات مصرف لبنان ثانيًا، وبمسألة التشريع في ظل الفراغ الرئاسي ثالثًا.
المعالجات الأخرىإذا تم إيجاد المخرج المطلوب لهذه المشكلة، من المرتقب أن تحيط بخطّة الكهرباء سلّة الإجراءات التي يفترض أن تذلل جميع العراقيل الأخرى، ومن بينها إيجاد التوافق السياسي على نزع التعديات عن الشبكة، وتسهيل عمل مقدمي الخدمات في المناطق. كما تم الطلب من مقدمي الخدمات تسجيل أرصدة العدادات كما في بداية الشهر الحالي، للتمكن من الجباية على أساس التعرفة الجديدة ابتداءً من الأرصدة الجديدة. ومن المفترض أن تقوم الشركات خلال الأيّام المقبلة بإصدار فواتيرها عن سنة كاملة، تغطي الفترة التي سبقت إقرار التعرفة الجديدة، على أن يتم تحصيل المتأخرات المتبقية بدفعة أخرى قبل نهاية السنة. وبذلك، سيكون مقدمو الخدمات قد صفّوا المستحقات القديمة قبل نهاية العام الحالي.
على خط موازي، تستمر المفاوضات الرامية إلى تأمين تسهيلات من الشركات المورّدة للفيول، بما يمكن أن يساعد مؤسسة الكهرباء خلال الفترة الانتقاليّة. والرهان الأساسي حتّى اللحظة، يرتبط بشركة سوناطرك الجزائريّة، التي تقدّمت المفاوضات معها دون أن تصل إلى أي خواتيم سعيدة بعد (راجع المدن). وتبقى المسألة العالقة في الوقت الراهن مدى استعداد الشركة الجزائريّة لتقديم تسهيلات في الدفع، بما يمكن أن يسمح لمؤسسة الكهرباء بتأمين انطلاقة مريحة للخطة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. إلا أن ما يعيق التفاهم على تسهيلات من هذا النوع حاليًّا هو هشاشة الوضع المالي للمؤسّسة، وعدم قدرتها على تأمين كفالات من مصارف مراسلة أو المصرف المركزي اللبناني.
في جميع الحالات، تجاوزت مؤسسة الكهرباء استحقاق تعديل التعرفة بأقل قدر ممكن من الضجيج والاعتراضات من قبل المشتركين. إلا أنّ الضجيج السياسي حول مسألة تشريع الضرورة وتأمين الاعتمادات سيمثّل الاشكاليّة الأساسيّة، قبل التمكّن من تطبيق الخطّة بجميع تفاصيلها. أمّا المشاريع الأخرى التي راهنت عليها المؤسسة، وتحديدًا الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة، فما زالت معلقة حتّى إشعارٍ آخر، بانتظار الامتثال لكامل شروط البنك الدولي، المموّل الأساسي للمشروعين.