مئات المؤتمرات وعشرات الندوات تُقام في العالم العربي بشكل دوري، لمناصرة حقوق المرأة العربية. تغُصّ القاعات بالرجال ويعلو صوت تصفيقهم الحماسيّ، مؤكدين دعمهم ومساندتهم لها. تُرفع الشعارات وتُقرأ المطالب وتُقدّم الحلول، التي تهدف جميعها إلى ضرورة إعطاء المرأة حقها في صنع القرار السياسي. فيُسمع التصفيق مرة أخرى. ولكننا، نحن النساء، نُدرك جيداً بأن المرأة ما زالت تعاني من التهميش، وأن النظرة النمطية لها لن تتغير اليوم أو الغد أو الأسبوع المقبل، ولا نملك عصا سحرية أو تعويذة دينية قادرة على تبديل هذا الواقع إلى واقع آخر يتماشى مع مطالبنا. ولكننا نعلم بأن الجهود الدولية والمحلية التي تسعى باستمرارٍ لتعزيز دور المرأة اللبنانية في السياسة، ستثمر إيجاباً ولو بعد حين.النساء.. في السياسةوإيماناً بأهمية دور المرأة في المجتمع أولاً وفي صنع القرار ثانياً، وتأكيداً على ضرورة تطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين، أطلقت منظمة "فيفتي فيفتي" مشروعها الذي يحمل عنوان "ثورة النساء في السياسة" الهادف إلى تشجيع ودعم النساء اللبنانيات من مختلف المناطق والأقضية اللبنانية لخوض انتخابات البلدية المقبلة عام 2023، ومن ثمّ الانتخابات النيابية عام 2026. وشاركت في المشروع فعاليات سياسية واجتماعية وإعلامية من المجتمعين المدني المحلي والدولي، إلى جانب هيئة الأمم المتحدة للمرأة. وانضم إلى جلسة المناقشة التي دارت حول أهمية المرأة في الحياة السياسية وضرورة تعديل القوانين الداعمة لها داخل البرلمان اللبناني كلّ من: وزير الداخلية السابق، زياد بارود، نائب حزب التقدمي الاشتراكي، بلال عبدلله، المديرة العامة للشؤون السياسية وللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات، فاتن يونس، والخبيرة في التنمية المحلية، نجوى باسيل.دعم انتخابيتبرز أهمية مشروع "فيفتي فيفتي" في تقديم الدعم لأكثر من 400 مرشحة لانتخابات البلدية عام 2023، حين سيقوم بدعم النساء اللبنانيات للترشح إلى عضوية أو رئاسة البلدية، ونشر حملات توعوية تهدف لرفع عدد المرشحات. من جهة أخرى، ستُدعم أكثر من 500 مرشحة لرئاسة البلدية وسيعلن عن دورهن الفعال في هذا المركز.
وبعد تحقيق العدد النسائي المرتقب من المرشحات، من أقضية مختلفة، ستُعقد جلسات حوارية ونقاشية بالتعاون مع منظمات ومبادرات غير حكومية. وسيتم اختيار 400 إمرأة من أصل 500 للمشاركة في ورشات تدريبية لمواضيع عديدة كالتنمية المحلية ومكافحة الفساد وغيرها. ومن ثمّ سينتهي المشروع عام 2023 بعد اختيار 50 إمرأة مرشحة للانتخابات المقبلة سيخضعن لتدريبات فردية مكثفة للإضاءة على مشروعهن الانتخابي واقناع الناخبين بهن.تمثيل خجول!لا تصل نسبة تمثيل المرأة في المجلس النيابي أكثر من 5%، وهذا ما أظهرته نتائج انتخابات 2022 حين فازت 8 نائبات فقط من أصل 128 نائباً. وتشدد "فيفتي فيفتي" على ضرورة نشر التوعية في المجتمع اللبناني لدعم المرأة في العمل السياسي من جهة، والضغط على مجلس النواب لتطبيق ملف الكوتا النسائية، الذي لا يزال يلقى تردداً سلبياً، ويحاول النواب تجاهله أو صرف النظر عنه لأسباب كثيرة. وتبعاً لإحصاءات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن لبنان يحتل المركز 119 من أصل 146 في الفجوة العالمية بين الجنسين، والمرتبة 110 من أصل 146 في التمكين السياسي العالمي.
إذن، يسعى مشروع "ثورة النساء في السياسة" إلى كسر العوامل التي تؤدي إلى انكفاء المرأة عن العمل السياسي، كالأعراف والتقاليد الموروثة والتوريث السياسي، وستعمل جاهدةً على دعم المرشحات والتسويق لمشاريعهن. فالمرأة تمثل نصف المجتمع ودمجها في صناعة القرار بات حاجة ملحة.
هذا المشروع يبعث على التفاؤل، وربما هو فرصةً لجعل البعيد قريباً ممكناً، كأن يضم البرلمان اللبناني 50 نائبة أو أكثر، يمثلن نماذج جديدة لنساء مستقلات صانعات قرار، أو أن نرى مرشحات لرئاسة الحكومة أو الجمهورية أو لرئاسة مجلس النواب!