كان يفترض أن يحصل مجمع المدارس في بئر حسن على المياه، بعد نحو عشرة أيام من انقطاعها عنه، لجأ خلالها الأساتذة والطلاب إلى جلب عبوات مياه من منازلهم لاستخدامها بعد قضاء الحاجة. فبعد تفريغ خزانات المياه في المجمع عقب اكتشاف تلوث المياه بالصرف الصحي، جرى تعقيمها في انتظار تأمين المياه النظيفة. لكن حظ طلاب هذا المجمع عاثر. فقد استغرق تفريغ الخزان الكبير الذي يغذي خزانات المدارس أياماً، وانتهت عملية التعقيم.. لكن لا يمكن تعبئة الخزانات، في ظل انقطاع مياه الدولة، من البئر الارتوازي التابع للمدرسة. فقد استجدت تطورات سيئة للغاية في هذا الملف الذي سبق وكشفته "المدن"، فقد اكتشفت فرق الإرشاد الصحي في وزارة التربية أن البئر ملوّث أيضاً.
تلوث المياه الجوفيةووفق مصادر "المدن"، أجريت الفحوص الأولية لمياه البئر (فحص كوليفورم تحديداً)، وتبين أنها ملوثة أيضاً بباكتيريا الصرف الصحي. وفي التفاصيل، وبعد إجراء هذا الفحص باتت المسألة بحاجة إلى فحص متخصص لمعرفة إذا كانت باكتيريا الكوليرا قد وصلت إلى البئر. فطالما أن فحص الكوليفورم كان موجباً، فهذا يعني أن المياه ملوثة بالصرف الصحي، ما يرجح تلوثها بالكوليرا، تقول مصادر مطلعة.
مصادر في وحدة الارشاد بوزارة التربية، التي تتابع الملف وتعمل على إجراء فحوص المياه في كل المدارس الرسمية، أكدت أنها أبلغت وزارة الصحة ضرورة إجراء فحوص الكوليرا. علماً أن مكتب المنطقة التربوية في بيروت، الذي يتبع إليه مجمع بئر حسن تكتم عن هذه التفاصيل وقلل من أهمية المسألة، كما سبق وأبلغ "المدن". وأكد أن المسألة حلت يوم أمس وذلك بعد إجراء التعقيم اللازم للخزانات، وبالتالي عادت المياه إلى المدارس (وهذا غير صحيح).
لكن تلوث البئر الارتوازي بالصرف الصحي، والتكتم عليه لعدم "ضرب التعليم الرسمي" (حسب تعبيرهم) أعاد القضية إلى المربع الأول، في كيفية عرض الوقائع بشفافية. فالمياه لم تعد إلى المدارس بسبب اكتشاف تلوث المياه الجوفية، الذي يعبر عن خطورة الوضع في لبنان. فتلوث المياه الجوفية بالصرف الصحي يستدعي تحرك وزارة الطاقة، كما أكدت مصادر "المدن" في مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان.تعاون الوزاراتوحدة الإرشاد أرسلت كتباً إلى وزارة الطاقة لإجراء اللازم وتتابع الموضوع مع خلية الأزمة في السرايا الحكومي. فالمسألة باتت تتطلب تظافر جهود مختلف الوزارات، ليس لتأمين المياه للمدارس من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، بل لأن تلوث البئر فتح قضية تلوث المياه الجوفية.الحل الوحيد أمام المدرسة في الوقت الحالي هو تركيب محطة تكرير للبئر الارتوازي لتعقيم المياه، تقول مصادر مصلحة المياه. فهذه الآبار غير تابعة لمصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، التي بدورها تعاني من شح الموارد، والذي يؤدي بها إلى تقنين المياه. ما يدفع المدارس إلى مصادر مياه بديلة، لتتبين أنها ملوثة.قد يكون التلوث بسبب وجود أقنية مكشوفة للصرف الصحي تتسرب إلى البئر الارتوازي، أو بسبب تصدع أقنية الصرف الصحي تحت الأرض بالقرب منه. وفي كلا الحالتين لا يمكن حل المشكلة قبل كشف وزارة الطاقة. وهذا يفتح الباب على قضية مزمنة في لبنان بتلوث المياه الجوفية، جراء السياسات المتبعة وعدم وجود محطات تكرير مياه وأقنية صرف صحي تصب في الأودية والأنهر وصولاً إلى البحر.تشعب القضيةلم تعد القضية محصورة بمعاناة الطلاب والأساتذة في المجمع منذ عشرة أيام، بل باتت تتعلق بتلوث مصادر المياه. فقد حصرت وزارة الصحة إجراء فحوص المياه بها. وهي تجري الفحوص في مختلف أنحاء لبنان وغالباً ما يتبين أنها ملوثة بالكوليرا، لكن لا يتم الكشف عن هذه البيانات للرأي العام. وخطورة الوضع استدعت تصريح وزير الصحة سابقاً، محذراً من استيطان الكوليرا. فمن المعروف أن وجود الكوليرا في المياه بشكل عابر لا يشكل مخاطر، أما استيطانه فيعني الكارثة، تقول مصادر علمية لـ"المدن". ما يعني أن اعتماد الشفافية في كشف الوقائع وكيفية تلوث مصادر المياه، باتت في عهدة وزارة الصحة، لمعرفة إذا كانت المياه التي تصل إلى منازلنا ملوثة بالكوليرا أم لا. لكن ثمة ارباك كبير في أروقة وزارة الصحة في كيفية التعامل مع المستجدات، استدعى عدم حصول "المدن" على المعلومات بشفافية منها، سواء لناحية تلوث مياه مجمع المدارس أو تلوث المياه بشكل عام. أما بما يتعلق بمجمع المدارس، فلا حل لمشكلة تأمين المياه بشكل دائم إلا من خلال مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، تقول مصادر وزارة التربية. وقد يصار إلى شراء المياه من الصهاريج لتمرير الوقت، لكن لا يمكن الاستمرار بهذا الحل، لأنه بحاجة لميزانية كبيرة غير متوفرة حالياً. وقد وعدت مصلحة المياه بإيجاد حل لمجمع المدارس. لكن تلوث المياه الجوفية بات قضية بحد ذاتها، تتطلب تعاون مختلف الوزارات المعنية.