صيادو الطير البرّي في لبنان "مفقوسون". فحركة الطيور المهاجرة تكاد تكون معدومة في أجواء البقاع، وحضورها ضعيف في شمال لبنان، ما يجعل "المرق" (حركة هجرة الطيور) أقل بكثير من حركة الصيادين، فلا يغنم الواحد منهم في كل رحلة سوى ببضعة طيور، لا توازي كلفة "المشوار" الذي بات يحسب له حساب في هذه الأيام.ندرة الطير وقرار المنعمنذ خمس سنوات يلاحظ الصيادون تراجع حركة "المرق". وبعد أن كان الحديث في السنوات الماضية عن تراجع أعداد طير "المطْوق" يبدو أن "الصلنج" تضامن معه هذا العام، لتتسع دائرة "شكوى" الصيادين من قلة الطير، ويتسع انتشار أغنية كان قد راجت قبل عامن على صعيد الفكاهة وتقول بعض كلماتها: خلص الصيد بموطنا خلص بلبنان. وطعنة بهالموسم كله ريته ما كان.."
ولكن قبل أن يفقد الصيادون الأمل بالموسم الحالي، يبدو أن الحظ سيبتسم لهم لأيام معدودة جداً، قبل أن تنتهي هجرة المطوق والصلنج اللذان يشكلان الفريسة المنتظرة لمعظم الصيادين اللبنانيين. فالعاصفة التي تضرب اليونان وتركيا –وفقهم- لا بد أن تخلق زحمة طيور عابرة في سماء لبنان. وبالتالي، أمام الصيادين أسبوع واحد وأخير ليقصدوا السهل شمالاً أو بقاعاً، ويغنموا بكميات طير يمكن لهم أن يتباهوا بها أمام أصدقائهم ومنافسيهم في الحقول.
ولكن مهلاً، أليس الصيد ممنوعاً هذا العام بقرار من وزير البيئة، وخصوصاً بعد أن انتهت ولاية المجلس الأعلى للصيد البري بمناكفات سياسية منعت تعيين مجلس جديد له؟مجازر بحق الطيورمؤسس النادي اللبناني للصيد، إيلي مزرعاني، يأسف لهذا القرار الذي أصدره وزير البيئة بعد ثلاث سنوات من الجهود التي وضعت لتنظيم هذه الهواية، وربط ممارستها برخص مسبقة. ويعتبر "أنه كان الأجدى بالمسؤولين أن يتعظوا من التجارب السابقة، والتي أثبتت بأن منع الصيد لا يمنع الصيادين من ممارسة هواياتهم، وإنما يتسبب بفوضى ومجازر بحق الطيور، يمكن تفاديها من خلال إصدار القوانين والتشدد بتطبيقها".
بنظر الصياد، التغرير بالطيور لإيقاعها بالشباك أو أفخاخ الدبق ليس سوى نوع من "الحقارة" التي تحرم الصياد من ممارسة هوايته. فالصياد الفعلي "فارس" كما يؤكد هؤلاء، ويحترم الطبيعة والبيئة لتأمين استدامة هوايته.
وهذا وفقاً لمزرعاني ما كان يفترض أن يتأمن عبر تطبيق القوانين، "خصوصاً أن ربط الصيد بالرخص المسبقة ورسومها وفر لخزينة الدولة أموالاً بمليارات الليرات، كان يفترض أن تنفق بمشاريع بيئية وخلق محميات تؤمن هذه الاستدامة، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق، وبقي مصير الأموال التي توفرت لها مجهولاً".
هذه الحقيقة المرة بالنسبة للطيور المهاجرة والصيادين معاً، يتعامى عنها كل مسؤول في الدولة اللبنانية، بدءاً من الوزارات المعنية إلى الجمعيات التي تعنى بالبيئة والبلديات التي تغض النظر عن الطرق غير الشرعية المستفحلة في صيد الطيور، وخصوصاً في فترة المساء، عندما يقوم البعض ممن يدعون أنهم صيادون بغش أسراب الطيور المهاجرة لإيقاعها في الشباك وأفخاخ الدبق المستخدم، عبر وضع شجرة، وبروجيكتور إنارة وبث أصوات الطيور الاصطناعية، ما جعل الطيور تعلق في شباكهم بطريقة "غير إنسانية".التغير المناخي والتلوث والتصحرهذه الأساليب كما يؤكد البعض معتمدة أيضاً في سوريا، ولكن فقط لموسم التين، الذي يشكل أحد أبرز أنواع العصافير المعروضة في برادات السوبرماركت اللبنانية.
ويعتبر المزرعاني هذه الارتكابات جزءاً من الأسباب التي جعلت أعداد الطير تتراجع في سماء لبنان منذ مدة طويلة، وهي تضاف إلى عوامل التغير المناخي والتلوث والتصحر، إلى الحرب في سوريا، والتي خلفت الكثير من الأراضي المهملة، وبالتالي لم يعد للطير مراع يستريح فيها خلال رحلة هجرته الطويلة، ما اضطره لتغيير خط سيره الذي كان يعبر لبنان حكماً.
بالمقابل، فإن هذا التراجع في أعداد الطيور العابرة لسماء لبنان، كان لا بد أن ينعكس على أعداد الصيادين الذين يترددون على سهل البقاع. وخصوصاً في نهاية الأسبوع. ففي ظل تراجع قيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع كلفة التنقلات، يتردد الصيادون كثيراً بأن يقصدوا السهل، إذا لم يكونوا متأكدين من تأمين صيد وافر. إلا أن ذلك لا يعني أنهم لن يخرجوا ولو برحلة صيد لممارسة هوايتهم. والبعض بات يفعل ذلك برفقة زملاء وأصدقاء يتقاسمون معاً كلفة النقل والطعام. ليبقى العائق أيضاً بسعر الخرطوش الذي ارتفعت كلفة صندوقه من سبعين ألف ليرة سابقاً إلى 70 دولاراً حالياً، وهو ما جعل ضغط الزناد همّاً بالنسبة للصياد الذي كان يطلق خراطيشه من دون حساب حتى يغنم بما يرضي غروره أمام ممارسي الهواية المحترفين. بينما نجد أن الكثيرين يكتفون حالياً "بفشة خلق" بسيطة كما يقول هؤلاء.ضربة اقتصاديةيلفت المزرعاني في المقابل إلى التداعيات الاقتصادية التي يخلفها هذا الأمر على دورة اقتصادية كاملة تنتعش في مثل هذا الموسم، بفضل تردد الصيادين أكثر من مرة على المناطق التي تشتهر بها، بدءاً من شتورا إلى مناطق بعلبك الجردية، وهو ما دفع خلال السنوات الماضية لخلق استثمارات جديدة حول هذا القطاع، من شاليهات وأفران ومطاعم ومحلات بيع تجهيزات وحاجات الصيد وغيرها.
فقدت هذه الأمكنة حيويتها مؤخراً، وبات أصحاب "المصلحة" كغيرهم يشكون ضعف الحركة، التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على الصيادين المتوافدين من خارج البقاع.
إلا أن المزرعاني يرى في المقابل "أنه بظل الفوضى التي يخلفها قرار منع الصيد قد يكون للواقع الاقتصادي والعوامل المناخية التي أخرت الهجرة، دور في إنقاذ الطيور من مجزرة فعلية كانت سترتكب بحقهم هذا العام".
وبالتالي، يمكن القول بأن الطير "نفذ بريشه" في سماء لبنان هذه السنة. على أمل أن تتحسن أمور البلد وتنتظم أموره المؤسساتية، ليعيد تطبيق القوانين المرعية في المواسم المقبلة. وإلى ذلك الحين، ينطوي الموسم بالنسبة للصيادين هذا العام وهم غير ممنونين.