صدر عن الدار العربية للعلوم كتاب "حقائق التاريخ الحديث" للكاتب التركي إلْبَر أورطايلي، ترجمة أحمد زكريا. هنا فصل منه:محمد السادس وحيد الدين، آخر سلطان عثماني، فضَّل الهروب. ولم ينشر أي تصريحات مثل "طُردت، اغتُصب عرشي، وكان حقي"، ولم يعلن عن استقالته. على سبيل المثال، قال القيصر الأخير: "أنسحب من أجل روسيا، حفظها الرَّب!" ثم أعلن بيان انسحابه. وتخلى كارل عن التاج الإمبراطوري النمساوي بإعلان (ولم ينزل من على العرش من قبل المجر). لم يفضل وحيد الدين مثل هذه الإعلانات للشعب. وفي رسالة كتبها إلى البريطانيين في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، ذكر أنه لجأ إلى بريطانيا لأن حياته في خطر. فعل ذلك شفوياً، لكن الطرف الآخر طلب منه كتابة ذلك، وكان طلباً معقولاً. ومع ذلك، فقد فكَّر السلطان كثيراً في تقديم هذا الطلب كتابةً، لكن لم يكن هناك أي شيء آخر يمكنه فعله، ولم يكن له أحد آخر ليكتب له، ولكن كان بإمكانه اللجوء إلى البريطانيين. لذلك، يجب تجنب التعليقات مثل "كان خادماً للإنجليز"، لأن فرنسا، التي كانت من بين الخيارات، وقَّعت معاهدة أنقرة ولم تعد تحتفظ بالأسطول هنا، وكان لديها قوة احتلال محدودة في إسطنبول داخل السور. من ناحية أخرى، كانت إيطاليا موجودة بالفعل في أوسكودار، وكانت على علاقة جيدة مع حكومة أنقرة. لذلك يبدو أنها لم تكن من بين الخيارات. وفوق ذلك، فالسبب واضح. حتى عندما كان السلطان الأخير في ورطة بسان ريمو، رفض بأدب عرض الملك الإيطالي بالمساعدة، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون بعضهم البعض عندما كان ولياً للعهد. وبالطبع، لم يكن من المحتمل أبداً أن يلجأ السلطان إلى اليونان. بقيت إنجلترا فقط. وفوق ذلك، فإن السيطرة على منطقة المضيق كانت في يد البريطانيين... بمعنى آخر، لم يكن في وسع السلطان الذهاب إلى البحر الأسود ومنه إلى رومانيا. كما ترون، كل الطرق كانت تؤدي إلى إنجلترا. نتيجة لذلك، كان البريطانيون، من ناحية أخرى، على استعداد للقيام بذلك. باختصار، غادر السلطان وحيد الدين إسطنبول في السابع عشر مع 11 شخصاً، وهم: طبيبه رشاد باشا، ومساعده، وأحد أصهاره المقربين، وسكرتيره، وأحد آغاوات الحرم، وابنه أرطغرل أفندي. هذه هي بعض الأسماء التي ذهبت معه... ولكن ما الذي حمله السلطان معه أثناء ذهابه؟ لا يوجد شيء تقريباً؛ ذهبه وخواتمه وبعض أشيائه الثمينة في خزنته، كما لم تأخذ زوجته وبناته شيئاً أيضاً. النقطة المهمة أنه غادر وطنه بحقيبة فيها بعض أشيائه الخاصة. على الرغم من أن النقود التي أخذها معه ليست مبلغاً كبيراً على الإطلاق، إلا أنه للأسف لم يعرف كيف ينفقه بشكل صحيح. على سبيل المثال، أخذ أحد الأشخاص في حاشيته بعض المال، وبدلاً من القيام بالوظائف المطلوبة، خسرها بسبب المقامرة في مونت كارلو.باختصار، كان السلطان الأخير على حافة الفقر. بعد ذلك، كما هو معروف بالفعل، سيعيش لمدة خمس سنوات أخرى. ورث السلطان مرض السلُّ عن والده، وكان يدخن كمية غير طبيعية من السجائر. لم يعش طويلاً، لأنه استمر في التدخين بشراهة، إلى جانب مرضه. مات عندما ولدت حفيدته الأخيرة نجلاء سلطان، ولم يعد بإمكانه تحمل حتى البشرى، ثم هاجمه الدائنون. صبيحة سلطان، التي أتت إلى والدها في المنفى وهي في سن 26 عاماً، أنقذت جسده من الحبس بإرسال أقراطها إلى الرَّهن. هذه المرة، صارت قضية مكان دفنه مشكلة أيضاً. أخذ صهره وابن أخته شهزاده عمر فاروق أفندي الجثة في نعش من معدن الرصاص وأحضروه إلى بيروت. وكانت جنازة السلطان موضع ترحيب كرئيس دولة في بيروت ثم أُقيمت له جنازة مماثلة في دمشق. في هذه الأثناء، كان عمر نامي أفندي ابن الرئيس السوري أحمد نامي بك، صهراً للسلطان عبد الحميد. وقد أظهر الاحترام الواجب، ودُفن وحيد الدين في مسجد السليمانية، الذي أنشأه معمار سنان في دمشق، وقبره لا يزال هناك. هكذا تنتهي هذه القصة الحزينة.خلال حياته في المنفى، حاول نشر صحيفة لحماية حقوقه واسمه، لأنه من وقت لآخر كانت هناك اعتداءات عليه. الأهم من ذلك، أنه تعرَّض للخداع مرة واحدة، رغم أنه لم يؤسس جمعية ولا لجنة، ولم يتكلم بشكل مسيء أو مهين عن الدولة التركية. لدرجة أنه وبَّخ حفيدته حميرة هانم سلطان -حظيت بفرصة البقاء مع جدها السلطان، لأن كلمة "هانم سلطان" تعني الحفيدة التي لم تعد في القصر- بسبب ترديدها لأغنية مهينة عن مصطفى كمال باشا، والتي تعلمتها مع الأطفال من بعض الجهلاء، وقال لها: "لن أسمع هذه الأغنية مرة أخرى! مصطفى كمال من باشاواتي وجنودي!". ومثل كل أفراد الأسرة الحاكمة، كان لديه تربية أبناء الدولة. كانت السلالة العثمانية كلها لا تتحدث علانية ضد الدولة، والجنرالات، ومصطفى كمال باشا. وما يتحدثون عنه في منازلهم ليس من شأن أحد. هل يمكن أن نتوقع من حاكم عثماني أن يسرق الخزنة، مثل الذين نعرفهم أو بوربون هنري الذي سرق وحمل الخزنة البولندية؟ كان خطأ آخر سلطان أنه وثق في داماد فريد كثيراً ولم يستطع رؤية عدم كفاءته. إلى جانب ذلك، كان لديه عداء لا غنى عنه وغير قابل للشفاء تجاه الاتحاديين. كما ربط السلطان نضال الأناضول ببعض الأفراد والمظاهرات الخاصة بالاتحاد والترقي. ينبع هذا الخطأ من ضعف رؤيته لدرجة عدم التمييز بين الاتحاد والترقي وحركة الأناضول، ولعدم قدرته على مطالعة الأمور بهدوء. لم يستطع فهم أن مؤيديه هم رجال من خارج الأحداث وأنهم لا يقدمون آراء صائبة. كانت قوة ونفوذ السلطان الأخير محدودة للغاية، وكان كابوسه هو القلق من أن المفوض البريطاني سيترك المهام والأنشطة للجيش اليوناني المنتظر في تراقيا. والذي منع هذا المشروع البريطاني كان قائد الاحتلال الفرنسي المارشال لويس فرانشيت ديسبري، الذي لم يُخف تقديره وتعاطفه مع الأناضول.