بعد القسم الأول، هنا القسم الثاني من مدونة نشرها الروائي العراقي علي بدر في صفحته الفايسبوكية.
استمرت المذكرات والسير الذاتية بشكل معادي إلى حد كبير نحو فيفيان زوجة توماس اليوت، وقد رمزت الى التعاطف الواسع مع الشاعر المسكين الذي تزوج المرأة المبتذلة المزعومة والأدنى من الناحية الفكرية. وقورنت مع زيلدا زوجة الروائي الأميركي سكوت فتزجيرالد، ككارثة على عبقرية أدبية أخرى، وحوصرت تماماً من طبقة إليوت الأرستقراطية التي أطلق عليها تجمع بلومزبيري فقد وصفها ألدوس هكسلي بالمرأة القاتلة التي حاصرت الشاعر الخجول بسبب حياتها الجنسية. حتى كتاب السيرة الذاتية المعاصرين يميلون إلى تصوير إليوت على أنه ضحية هذا الزواج. رجل تحمل عبء زوجة لا تطاق بصبر وإخلاص وذهب نحوها بنوع من الثقة مثل الأطفال. لقد صنعوا أسطورة الشهيد إليوت. وسمي بـ"القديس توما الأخير".
بعد انتقال إليوت من أميركا إلى بريطانيا في أكسفورد شعر بملل شديد من الحياة هناك، وكان صديقه ثاير في وقت ما قدمه إلى فيفيان، وهي شابة ذكية، جذابة ترتدي ملابس مثيرة، راقصة فذة، عازفة بيانو ورسامة وسباحة ماهرة، لكنها متوترة جداً، وتعاني من الصداع النصفي وبعض الأنواع من التشنجات بسبب دورة حيض غير منتظمة ومتكررة في الشهر الواحد أحياناً. اعترف لها إليوت بعذريته، وذكر هذا الأمر لاحقاً بأنه كان في ذلك الوقت خجولاً وغير متمرس للانخراط في مغازلة أو علاقة غرامية.
تزوج الاثنان. تم زفافهما دون إبلاغ ذويهما. كتب ألدوس هكسلي في مذكراته جملة جاءت عرضاً، أن علاقتهما كانت مسألة انجذاب جنسي فقط، حين قابلها وجدها نوعاً من الاستفزاز المتجسد في روح امرأة. منح إليوت في سن شيخوخته المتأخرة تقييماً حزيناً للموضوع برمته. قال: جئت لأقنع نفسي أنني أحبها لمجرد أنني أردت حرق قاربي وألزم نفسي بالبقاء في إنكلترا. وأقنعت هي نفسها (تحت تأثير باوند أيضاً) بأنها ستنقذ الشاعر بالحفاظ عليه في بلادها. واختتم هذه الرسالة بتقييم قاتم: لم يجلب لها الزواج أي سعادة... لكن الجملة الأخيرة هي المهمة في هذه الرسالة التي بعثها الى حبه الوحيد هيل: بالنسبة إليّ، لقد أخرج هذا الزواج الفاشل الحالة الذهنية التي أنتجت قصيدة الأرض الخراب.
كان حيضها الغزير وغير المنتظم، يؤدى بها إلى إحراج شديد، وتوتر دائم يبدأ قبل الدورة الشهرية ولا ينتهي قبل نهايته. يؤدي بها إلى تقلبات مزاجية ونوبات إغماء وصداع نصفي، وهي من جانبها، وهذه شهادة جميع من عرفها عن قرب بأنها تصر على غسل شراشف سريرها غالباً مرتين في اليوم، وأحياناً إذا كانت في فندق، أو عندما تقضي عطلتها عند أحد أصدقائها تصر على أخذ ملاءاتها معها إلى المنزل لتنظيفها، مما يثير استياء إليوت.
بالنسبة لعائلة فيفيان كانت ضد زواجها ولا سيما والدتها لأنها تعتقد انها مصابة بنوع من الجنون الأخلاقي وبالتالي من الخطأ أن تتزوج وأن تنجب أطفالاً، وكانت قد أحبطت زواجاً لها فيما مضى من معلم قد خطبها تحت هذه الذريعة التي تبدو كانت منتشرة ذلك الوقت أن الشابة المتحرّرة تصاب بنوع من الجنون الأخلاقي الذي يجعل زواجها كارثة. بالنسبة إلى عائلته كانت تريد منه ولا سيما والدته العودة الى اميركا والعمل كأستاذ مرموق في جامعة هارفارد، ولكنه أراد أن يبقى في إنكلترا لكي يحقق حلمه كشاعر. كان إليوت في أكسفورد لمدة عام واحد فقط، ومن المتوقع أن يعود إلى هارفارد ليبدأ حياته المهنية كفيلسوف وهي الفكرة التي أراد الهروب منها بأية صورة. أراد أن يكون شاعراً. كان قد أكمل قصيدته أغنية حب إلى جي ألفريد بروفروك في العام 1911، وقد منحته اسماً واعداً، ورأى البقاء في بريطانيا وسيلة للهروب من خطط والديه بشأنه.
على الأرجح التقى اليوت بفيفيان في حفلة راقصة في لندن، حيث تناول الشاي معها ومع صديقه ثاير الذي كان يعرفها وقدمها له، التقيا مرة أخرى بعد ذلك بوقت قصير في حفل غداء في منزل ثاير، كان ثاير مثل اليوت ذا خلفية ثقافية مميزة، درس مثل إليوت الفلسفة، وكان كلاهما وصل إلى أكسفورد في منحة دراسية. تروي كارول سيمور جونز رواية أخرى بشأن تعارفهما بأن اوكسفورد في ذلك الوقت تجذب الفتيات الشابات للحصول على عريس، فيذهبن برحلات نهرية وفي واحدة من هذه الرحلات النهرية التي تجذب الزائرات الشابات التقت فيفيان بإليوت.
وبالنسبة لشاب مكبوت مثل إليوت وخجول وبعمر 26 عاما، يشعر بالملل في اوكسفورد الذكورية على نحو بغيض، فحتى العام 1920 لم تكن الجامعة تقبل النساء في صفوفها، كانت فيفيان معجزة، شابة جذابة، ترتدي ملابس مميزة، وتدخن في الأماكن العامة، جريئة، كأنها ممثلة، متحررة متكلمة، تنطق مقاطع مسربة من سيرتها التي بقيت إلى الآن طي الحفظ بأنها على ثقافة واسعة. كان إليوت شبه ميت، يعاني من فتق منذ طفولته وبرباطة يحملها تحت ملابسه الداخلية على الدوام، كان مغرما بالطبقة الاستقراطية الإنكليزية وقد أحاط نفسه بهم في حلقة بلومزبيري المميزة، فيرجينيا وولف والدوس هكسلي، وستويل وزوجته وغيرهم ممن كانوا يكرهون فيفيان كراهية واضحة، سمتها وولف في مذكراتها بأنها كيس القوارض الذي يحمله اليوت حول عنقه، وكتب عنها الدوس هكسلي في مذكراته بأنها كانت سوقية، فقد خدعه على الأرجح مظهر فيفيان ومهنة والدها في ساندهيرست بأنها من هذه الطبقة، لكنه سرعان ما اكتشف الحقائق الصادمة.
في الستين من عمره، كتب إليوت أنه لم يكن ناضجاً وخجولاً ذلك الوقت، وربما كان في حالة حب مع إميلي هيل، وهي فتاة من بوسطن ربطته بها علاقة غريبة منذ حداثة سنه في أميركا، علاقة افلاطونية قبل أن يلتقي بفيفيان واستمرت العلاقة معها بعد أن انفصل عن فيفيان.
قال إن ما كان يريده من فيفيان هو علاقة جنسية فقط، لكن لقاءه مع الشاعر الأميركي عزرا باوند أقنعه بأن السعي وراء الشعر ممكن جدا، والزواج من فيفيان يعني أنه يمكنه البقاء في إنكلترا وتجنب هارفارد. وأقنع إزرا باوند فيفيان بأنها ستنقذ شاعرا عظيما من هاوية لا يستحقها، ولكن بسبب ضائقته المادية قبل مساعدة من برتراند راسل، وسكن في شقته، وارتبط راسل بعلاقة وثيقة مع فيفيان، لقد قدرها لعقليتها وشخصيتها المتميزة، وقبلت منه هدايا كثيرة كان يجلبها لها، ملابس وبروشات وكتباً كانت تحبها، لقد تعلق بها وكانت أحاديثهما لا تنقطع، وعلى الأرجح كان إليوت يكره فيها هذا الجنس الزائد، وأثناء غيابه عن المنزل خانته بشكل متكرر مع راسل. أي تفاصيل عن هذه الخيانة بقيت مجهولة حتى الآن، لأن مذكرات فيفيان التي كتبتها في المصحة أصبحت في حوزة فاليري زوجته الثانية التي منعت حتى اليوم الاطلاع عليها.
هل كان يعرف إليوت بعلاقتها مع راسل وسكت عنها، أو أنه عرف عن هذه العلاقة فيما بعد ودمرت حياته لآنها أهانت كرامته. هذا النوع من النميمة كان الموضوع الأثير لأهالي لندن، وقد أخذ بها مجموعة من الكتّاب الذين وجدوا في تي اس اليوت تهديدا حقيقيا لمكانتهم الأدبية ذلك الوقت.
كان تأثير فيفيان على قصيدته "الأرض الخراب" حاسماً، هي التي ألهمته المرأة القلقة المهووسة في القسم الثاني من القصيدة، المقطع المعنون بلعبة الشطرنج. وفي مسودات القصيدة هي ذاتها كتبت بخط يدها "رائعة" موجودة على هوامش ومسودات للقصيدة منشورة حديثاً في طبعة ملونة مع تهميشات فيفيان وتشطيبات عزرا باوند.
صدر هذا الالبوم الجميل الخاص بالمسودة بمناسبة مئة عام على ظهور القصيدة، كانت فيفيان أول قارئة ومحررة لإيليوت. وقد عاشت معه في موقع يسمى الآن حانة لاريك غرب لندن، وغالبا ما كانا يتركان نوافذ الشقة مفتوحة أمام الثرثرة القادمة من الشارع، زرته بنفسي في العام 2015، زيارته مهمة لفهم المقطع عن المرأة التي تثرثر بلهجة الكوكني(البريطانية) وهي تنتظر زوجها العائد قريباً من الحرب.