في هذا البلد المنكوب، لا تزال ولو شريحة ضيّقة من الملميّن تُعنى بتجميل الوجه الثقافي للبنان، بالرغم من كلّ التشوّهات التي طالته على مرّ السنين الأخيرة. وإن كان دور الجامعات قد غُيّب في الفترة الأخيرة، لظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية، فإن الجامعة العربية في بيروت قد تمكنّت من شقّ طريقها متجاوزةً هذا الإحباط، محتفلة بتراث ثقافي كان لينهار لو لم تلتفت إليه.
من أجل ذلك، افتتحت جامعة بيروت العربية قبل أيام متحفها، الذي أدرج على لائحة المتاحف الوطنية، والمؤسسات الثقافية مؤخراً، والذي يضمّ مجموعة من الكتب النادرة والمخطوطات الفريدة والمتنوعة التي تعود إلى بداية القرن الثامن ميلادي.مرحلة الترميمفي حديثه مع "المدن" يصف رئيس جامعة بيروت العربية، البروفيسور عمرو جلال العدوي، مرحلة ترميم الكتب النادرة والمخطوطات، حيث تم جمعها من مكتبات الجامعة، وإرسالها إلى مركز الترميم في جامعة الكسليك التي تُعنى بترميم المخطوطات، ومن ثمّ مسحها ضوئياً وتحويلها إلى سجل ديجيتال، ووضعها على شاشات إلكترونية صغيرة. وبعد ذلك، صمّم المتحف لعرض هذه الكتب والمخطوطات في بيئة مناسبة لها، وذلك للحفاظ عليها من التلف.
وحسب العدوي، فإن الهدف الأساسي للمتحف هو التعرّف على الحضارات، والاطلاع على باقي الثقافات، إلى جانب الحفاظ على قيمة هذه الكتب والمخطوطات النادرة، التي تعكس حضارات كثيرة مرت عبر التاريخ. ومما لا شكّ فيه فإن هذا المتحف هو فرصة للباحثين وللطلاب الجامعيين ولكل شخص مُلمّ بتاريخ الحضارات وتطورها على مر الزمان، لإتمام البحوث التي تختص بالحضارات أو بالتاريخ، سواء كانوا طلاباً من داخل الجامعة أو من خارجها. مشروع جديدونظراً لاهتمام جامعة بيروت العربية بتوفير مستقبل مشرق لطلابها وأساتذتها، فإنها تعمل أيضاً على مشروعٍ سيبصر النور خلال الأسابيع المقبلة، أطلقت عليه عنوان "تجديد الأمل"، وهي فكرة مستوحاة من الجامعات العالمية. فرصة ستقدّم لطلاب الجامعة وأساتذتها لإطلاق وعرض مشاريعهم الإبداعيّة، في حين ستؤمن لهم الجامعة كل المساعدات المطلوبة من مجموعة خبراء، بهدف تطوير هذا المشروع وتحقيقه.نسخ نادرةيضم المتحف حوالى 200 كتاب نادر ومخطوطات تاريخية تعود لأكثر من 17 حضارة تاريخيّة ومنها: الحضارة المصرية، الحضارة العربية والإسلامية، والحضارة العثمانية وغيرها الكثير. ويعود تاريخ هذه المجموعة إلى القرن الثامن ميلادي وصولاً إلى القرن التاسع عشر ميلادي. لاسيما أن ميزة هذا المتحف أنه يضم نسخاً نادرة وفريدة لبعض الكتب والمخطوطات، ولا تتوفر منها أي نسخٍ أخرى حول العالم.
وحسب حسانة محي الدين، الدكتورة الجامعية المتخصصة في علوم المعلومات والمكتبات، فإن هذه الكتب النادرة بدأ تجميعها منذ تأسيس جامعة بيروت العربية عام 1960 حتى عام 2017، وبعد الإنتهاء من عملية الترميم والتجهيز، لم يخوّل للجامعة افتتاح المتحف عام 2019 بسبب ظروف البلد وجائحة كورونا، ولكنها عادت وافتتحته هذا العام.معايير وظروف خاصةوتتابع محي الدين، أن هذا المتحف بُني وفقاً لمعايير خاصة ومواصفات دولية لحفظ هذه الكتب والمخطوطات من التلف، حيث تم الاهتمام بتأمين التغذية الكهربائية الدائمة للمتحف، وسحب الرطوبة من الكتب والمخطوطات، وعرضها في لوحات زجاجية سميكة إلى جانب تأمين درجة حرارة ثابتة لها، وذلك نظراً لأهمية الحفاظ على هذا التراث.
تفتح أبواب المتحف خلال أيام الأسبوع للطلاب والزائرين. وقد خصصت إدارة الجامعة موظفاً لمساعدة الباحث أو الطالب على استعمال شاشات الديجيتال لتصفح الكتاب أو الصور إلكترونياً، كما وضعت باقي الكتب والمخطوطات في خزائن مرقمة إلى جانب مجموعة من الكتب القيمة التي وزعت على رفوفٍ المتحف.
أثبتت جامعة بيروت العربية اليوم دورها التنويري، من خلال أهمية هذا المتحف في الحفاظ على التراث الذي يعتبر ذاكرة الشعوب، وجعله كنزاً غير القابل للإندثار، ووسيلة لنقل المعرفة إلى الأجيال القادمة.