لم يصحُ أهل الطالبة ماغي محمود في جبل محسن من صدمة مقتلها. فهي كانت صغيرة البيت، وينقل عنها الأهل والجيران والأصدقاء طموحها الكبير في إكمال رحلتها الأكاديمية، وتحدي كل المصاعب الاقتصادية والمعيشية التي تواجه عائلتها. لكن الإهمال قتلها، في جريمة وقعت داخل المدرسة، التي من المفترض أن تكون أكثر الأمكنة أمانًا. شهادة الوالد وبصوت مبحوح يختنق من البكاء، يتحسر محمود محمود، والد ماغي، وهو يعمل في الخياطة، على مقتل ابنته، وكانت الصغيرة في المنزل ولها ثلاث شقيقات. ويقول إن ماغي كانت تثابر في المدرسة لتحقيق طموحها بأن تصبح مهندسة. وبعدها دخولها الثانوية قبل نحو أسبوعين، يؤكد أنها سبق أن تشكت لهم من تصدع المبنى، وتحديدًا داخل صفها، "لكننا لم نحسب أن يؤدي ذلك لمقتلها".
ويتحدث الوالد المكسور عن نية الأسرة بالتوجه إلى القضاء، ضد كل من يثبت تسببه بمقتل ابنته، "نصرة لروحها التي لا تعوض بشيء وحماية لأرواح زملائها". ولدى تشييعها عصر الأربعاء، كانت والدتها الثكلى تناجيها من الشرفة في وداعها الأخير، بينما يحملها والدها على كتفيه متجهًا إلى مثواها، وهو عاجز عن تصديق ما حل بابنته التي توفيت على مقعدها الدراسي، بعدما وقع على رأسها جزء من سقف صفها.
في هذا الوقت، يندد كثيرون بدور وزارة التربية والجهات المسؤولة عن الأبنية الأثرية، خصوصًا أن شهادات طلاب ثانوية القبة المعروفة بـ"الأميركان"، أكدت أن غرف المبنى الذي يعود بناؤه لعام 1910 بحالة يرثى لها، وسبق أن شهد سقوط أجزاء من جدرانه. وهو ما يحمل وزارة التربية مسؤولية كبرى، كونها موكلة بالكشف على الأبنية المدرسية الرسمية.
ويقول ناشطون في جبل محسن أنهم لا يعولون أبدًا على التحقيقات التي يجريها القضاء المختص بإيعاز من وزير التربية عباس الحلبي، مستبعدين أن تؤدي لمحاسبة أحد أو تحميل أي طرف مسؤولية مقتل ماغي. ناهيك عن مسؤولية وزارة الثقافة التي لا تؤدي دورها كاملًا في تأهيل وترميم الأبنية الأثرية، خصوصًا في مدينة مثل طرابلس التي تنتشر فيها مئات الأبنية من هذا النوع.
وأغلقت الثانوية أبوابها السوداء، وبدت ممهورة بشعارات الطلاب الغاضبين: "مدرسة الموت"، "بلا ضمير"، "ماغي محمود شهيدة العلم". ووقع 10 نواب عريضة قدموها للحكومة في جلسة البرلمان اليوم الخميس، وحملت عنوان: "سؤال موجه إلى الحكومة اللبنانية بجموع أعضائها، وبشكل خاص إلى رئيسها نجيب ميقاتي ووزير التربية عباس الحلبي، حول انهيار سقف مبنى في طرابلس وأدى إلى وفاة تلميذة وجرح عدة تلاميذ".
وحملت العريضة توقيع النواب: حليمة قعقور، ميشال الدويهي، نجاة صليبا، ملحم خلف، رامي فنج، فراس حمدان، بولا يعقوبيان، ياسين ياسين، إبراهيم منيمنة ومارك ضو.
وتساءل هؤلاء النواب عن أسباب التقاعس القاتل في ترميم مدرسة جبل محسن، واتهموا الحكومة ووزارة التربية بعدم القيام بواجبتهما لجهة الكشف على المدارس الرسمية والخاصة والتأكد من استيفائها الشروط الصحية والهندسية والتعليمية واللوجستية المطلوبة، وعدم اتخاذ الوزارة الإجراءات اللازمة لحماية الأساتذة والتلاميذ من المخاطر التي تسببها هذه الأبنية.
توازيًا، نفذ اهالي وطلاب جبل محسن مسيرة جابت الشوارع، احتجاجًا على مقتل ماغي، وتجمهر العشرات أمام مبنى دائرة التربية في طرابلس.