2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo صحيفة فرنسية تكشف: عميل إيراني سرّب معلومات حساسة قادت لاغتيال نصرالله logo كيف حدّدت إسرائيل موقع الشهيد السيد نصر الله؟ logo بالفيديو: غارة عنيفة على الشويفات logo اغتيال نصرالله يفتح الباب لتوغل إسرائيلي في لبنان.. خطة نتنياهو تتسارع logo بايدن: حان الوقت لوقف إطلاق النار في لبنان logo حسن نصرالله... قائد المقاومة لثلاثة عقود logo تنياهو ينفذ "ضربته الأقوى"... نظام إقليمي جديد عنوانه إسرائيل logo تاريخ حزب الله وأمنائه العامين: من التأسيس إلى اغتيال نصرالله
"حالات الوحدانية": كمالا إسحاق تعود إلى لندن
2022-10-29 12:56:12

في صباح الحادي والعشرين من يناير 1976، وعلى صفحة كاملة، نشرت جريدة "الأيام" السودانية نصاً بعنوان "بيان المدرسة الكريستالية"، وعلى جانبه عنوان فرعي داخل مربع أسود، "علم الجمال الكريستالي". وقّع المانيفستو الفني المؤسس للتيار الكريستالي، عدد من الفنانين التشكيليين السودانيين، كمالا إبراهيم إسحاق ومحمد حامد شداد ونائلة الطيب وهشام عبد الله وهاشم إبراهيم. كان البيان تمرداً على أبوية "مدرسة الخرطوم"، وجمالياتها المهيمنة على الساحة الفنية في السودان، بهذا المعنى كانت الحركة ضد التركيبات التشكيلية الهجينة المستمدة من التراث بشقّيه الإسلامي والإفريقي. وفي الوقت ذاته، رفض موقّعو البيان الالتزام السياسي المفروض على الثقافة من قبل التيار اليساري السائد. بحسب الكريستاليون، العالم لامُتناهٍ، وأشكاله الصلبة مجرد اقتراحات، لا دلالات قطعية. الكريستال شفاف، لذا يكشف للعين ما يقع خلفه أو داخله، لكن الأبعاد تتغير والخطوط تنبعج بحسب زوايا الرؤية والحركة، وفي لعبة التشوهات تلك يبقى الاستمتاع بالجمال هو الطريق الوحيد لكشف الحقيقة.
كانت كمالا إسحاق، الفنانة والأستاذة الجامعية في كلية الفنون بجامعة الخرطوم حينها، هي مُلهمة الحركة، وبالأخص لوحاتها ذات الوجوه والأشكال السائلة والهلامية، تلك التي استوحتها كما تقول من انعكاسات الوجوه على زجاج نوافذ مترو الأنفاق اللندني. درست كمالا في الكلية الملكية للفنون في لندن بين العامين 1964 و1966، وعادت مرة أخرى إليها لاستكمال الدراسة بين 1968 و1969. وفي رجوع آخر هذا العام، وبمناسبة ذكرى ستة عقود على انطلاق تجربتها الفنية، يستضيف غاليري "سربنتين" اللندني معرضاً يضم مختارات من أعمالها بعنوان "حالات الوحدانية"، ويتواصل حتى نهاية يناير2023.لا تقتصر تأثيرات لندن، على مترو أنفاقها. فكمالا تستلهم موضوعات وليم بليك الرؤيوية وأشكال فرانسيس بيكون المشوّهة، لتنتج تكويناتها البصرية، مازجةً بين الملموس والروحي وبين الواقعي والأسطوري.في الغرفة الأولى من المعرض، تكشف لوحات الزار، بشخوصها النسائية ذات الوجوه المنبعجة، والمصفوفة في دوائر تربط بينها تفريعات نباتية، عن تيمات ستميّز أعمالها بشكل دائم، التداخل بين البشري وعالم الطبيعة، وكذا الأختية التي تميز عالم النساء، العالم الذي لا يبدو مغلقاً على نفسه في أعمالها، لكنه مُكتفٍ بذاته أحياناً كثيرة.في لوحتها "مائدة العشاء"(1974)، يظهر توظيف كمالا لتقاليد الفنون الغربية الكلاسيكية، ومن ثم إعادة بناء عناصرها وتفسيرها، بغرض قلبها رأساً على عقب. فاللوحة الممكن التعرف على مرجعيتها في أيقونات "العشاء الأخير" الكنسية، تبدو مقلوبة حقاً، أو على الأقل نصفها مقلوب، ما يجبر الجمهور على ليّ أعناقهم لتفحص الشخوص في النصف السفلي من اللوحة. المسيح وتلاميذه، الرجال حصراً، تحلّ نساء في أمكنتهم، وبوجوه داكنة اللون، وفي ما يخص التراتبية التي تحكم علاقة الجالسين حول المائدة، فتبدو مراوغة، حيث لا يمكن التيقن من وجودها. وتمثّل تلك اللوحة نموذجاً لخط فني عملت كمالا عبره على خلخلة مركزية الجماليات الذكورية والبيضاء الممثلة في الأيقونات المسيحية، ولعلها استلهمت في ذلك أيقونات كنائس النوبة وشمال السودان والكنيسة الإثيوبية، وتعد لوحتها "العذراء السوداء" في مدخل متحف السودان القومي من أشهر أعمالها المرتبطة بتلك التيمة الفنية.أما عملها "بيت المال" (2019)، ففيه، تبسط كمالا مخططاً للحي الذي ولدت فيه بمدينة أم درمان، يشبه مخططات علماء الأنثروبولوجيا التي تمثل علاقات الدم والنسب في المجتمعات غير الأوروبية. وبحسب بصمتها المميزة، تزعزع كمالا نموذج الأسرة المثالية، فالكثير من عناصر الشبكة لا يمثل التشكيلات الحصرية للأسرة النووية، أي ثنائية الرجل والمرأة، أو ثلاثية الرجل والمرأة والطفل، بل يشتمل المخطط أيضاً على علاقات أخرى: المرأة والمرأة، والمرأة والطفل، والمرأة والنساء، والمرأة وحدها، وأحياناً شخوص لا يمكن تحديد جنسها، وعلاوة على ذلك تتداخل خطوط الروابط الاجتماعية مع جذور الأشجار المحيطة باللوحة والموزعة داخلها، مرة أخرى لتذكيرنا بهذا العالم الواحد الذي لا يمكن الفصل فيه بين الاجتماعي والإيكولوجي.وببنية تشكيلية مشابهة، تتناول كمالا في لوحتها "الشهداء"(2022) مجزرة القيادة العامة التي ارتكبتها قوات الجيش ضد المتظاهرين السودانيين في الخرطوم في العام 2019. على خلفية زرقاء، تتوزع أجرام دائرية تشبه الفقاعات بأقطار مختلفة، وتحتوي كل منها على أعداد متفاوتة من وجوه مستديرة، بينما تخترق تلك الدوائر وتربط بينها فروع مورقة ومنحنية تنتشر في اتجاه عمودي إلى أعلى. تذكرنا زرقة الخلفية بالجثث التي تم إلقاؤها في النهر بعد المذبحة، أما الوجوه فمنزوعة الجنس، أو لا يمكن تبيّن جنسها، وتبدو الأجسام الدائرية كبويضات تحوي أجنّة متشابهة، لا حزن في اللوحة ولا رثاء ولا غضب، معظم الوجوه تبدو مبتسمة في الواقع. الانطباع الذي تتركه اللوحة، بتجريديتها الرمزية هو ذلك الوعد بالتجدد. فكما تزيل كمالا في كل أعمالها تلك الفواصل بين الأرضي والروحي، وبين الطبيعي والبشري، يبدو هنا وكأن الحدود بين الحياة والموت قد تلاشت، لصالح الحياة التي تستمر في صور أخرى.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top