كان خالد ع، من إحدى بلدات عكار يملك في بدايات العام 2015 حوالى 15 مليون ليرة، اي ما يوازي في حينه ألـ 10 الآف دولار، جمعها من عمله في مجال توصيل شبكات الإنترنت للمنازل، وكان يريد أن يبني به بيتًا ليتزوج. حاول خالد بشتى الوسائل أن يحصل على رخصة من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان عبر أحد نواب المنطقة ولكن الأخير لم يمنحه إياها، إذ ظل الطلب في الداخلية مكانك راوح. فقد توقّف عثمان عن إعطاء هذه الأذونات إثر خلاف سياسي نشب حينها بين النائب جبران باسيل والوزيرة السابقة للداخلية ريا الحسن وعثمان وسط تنازع صلاحيات حول من يملك الصلاحية بإعطاء هذه الأذونات من تراخيص بناء أو حتى آبار إرتوازية.
أقلع خالد عن فكرة البناء والإستقرار في لبنان تمامًا ، بسبب الإنهيار الإقتصادي الذي أفقد اللبناني الأمل بحياة كريمة في وطنه، أمّن عملا في دولة قطر وغادر.
بعد 3 سنوات وبدون أي وساطة أو تزلّم فُتح باب البناء في عكار على مصراعيه، وكيفما اتجهت في عكار لا تلمح إلا ورش البناء. طوابق سفلية، طوابق علوية، محلات، منتفعات... كل أشكال البناء تحصل ولا أجهزة أمنية ولا دوريات ولا "فاعلي خير يشتكون". إنها مفاعيل الأزمة الإقتصادية والضائقة المعيشية والإنهيار الذي جعل الأجهزة الأمنية تسكت عن البناء المخالف من أجل تحسين أوضاعها المادية.
فهمي يقرر ويتراجعوكان وزير الداخلية والبلديات السابق العميد محمد فهمي قد أصدر في العام 2020 قرارًا سمح بالبناء على مساحة 160 مترًا لكنه ظل حبرًا على ورق ولم يسلك طريقه إلى التنفيذ، بعدما عدل عنه الوزير، وقد جاء نتاج الكثير من المراجعات والتمنيات من البلديات والفاعليات والمهندسين. لم يسلك القرار طريق التنفيذ بعدما طعنت فيه نقابة المهندسين نفسها لأنه جاء صعبًا عليهم لجهة تأمين الأوراق الكثيرة، كما لم يرغب به المواطنون لكثرة المستندات والخرائط التي يتطلبها ، وكذلك رفضته البلديات لأنه لا يلبي رغباتها.
استمرّ الوضع على حاله إلى أن اقترب موعد الإنتخابات النيابية في أيار الماضي ففتح باب البناء على مصراعيه من دون أي ترخيص من أي جهة كانت. من أراد من المواطنين البناء فإنه يفعل، ولكن عليه أن "يُرضي" القوى الأمنية برشاوى مالية ليس إلا، وأن يمرر ورشته في سواد ليل.
وعليه، فالبناء يحصل في عكّار هذه الأيام من دون أي تراخيص رسمية، والورش منتشرة في كل مكان، المطلوب فقط في حال جاءت أي دورية أمنية (درك، إستقصاء، معلومات) لتوقيف ورشة ما أن يتم "إرضاءها". و"الترضية" هنا ليست كبيرة ولا تتعدى المئة أو المئتي دولار، وهي مقبولة لمن يبني بيتًا بآلاف الدولارات. ولكن إضافة إلى هذه" الترضية" المالية التي تذهب إلى العناصر المتعبين ماديًا هذه الأيام - بعدما باتت معاشاتهم الشهرية لا تتعدى المئة دولار -، على صاحب البناء أن يتصل بأحد نواب عكار ليغطي العمل بورشته.
وفي بعض الحالات يتكفل المتعهدون بموضوع "الترضيات" بأنفسهم ثم يحاسبون بها لاحقاً صاحب المبنى فيتم زيادتها على المبلغ الذي سيدفعه على كلفة البناء المتفق عليه .
وتقول مصادر متابعة لـ "المدن" أن "وزارة الداخلية والبلديات على علم بما يجري في مسألة البناء في عكار ومناطق أخرى مثل المنية والضنية؛ لكنها مرغمة على غضّ النظر بسبب الظروف الصعبة على المواطنين كما على العسكريين". ".
البلديات منزعجةفي المقابل تنظر بلديات عكار بانزعاج إلى ما يحصل. فلا هي قادرة على توقيف أي مبنى في نطاقها لأنه يحظى بتغطية أمنية ولا هي مرتاحة لما يجري، بعدما كانت التراخيص تمر عبرها في السابق وتحقق منها عائدات مالية هي أكثر ما تحتاج الآن إليها. حاول بعض رؤساء البلديات رفع شكواهم إلى وزارة الداخلية وطلبوا موعدًا مع الوزير لبحث إمكانية تحويل الامر نحو البلديات فلم يلقوا آذانًا صاغية إنما جاءهم الجواب صادمًا:"البناء متوقف وما حدا عم يعمّر".
وفي خضم ما يجري وأمام "التطنيش" الرسمي، ثمة مبانٍ تشيّد في مشاعات الدولة والأخيرة آخر من يعلم.