يتفاعل ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وسط تضارب بالمواعيد والأعداد، نتيجة صراعات سياسية عنوانها "من يمسك بالملف ومن يقطف الإنجاز"، فيما لبنان الرسمي لم يستجب لكمّ من التحذيرات الدولية والحقوقية من المضي بخطة لا تضمن شروط العودة الطوعية والآمنة بلاد تقع تحت قبضة نظام الأسد.
ورغم كل الخلافات التي شهدها الملف بين اللجنة الوزارية المكلفة بوضع خطة العودة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبين وزير المهجرين عصام أبو شرف، أعلن الأخير الجمعة، أن ثلاث قوافل من اللاجئين ستنتقلُ من لبنان إلى سوريا، الأربعاء المقبل، وأن عدد العائدين سيكون 6000 شخص. صراعات "العودة"وحسب المعطيات، فإن هذا الإعلان يندرج بإطار الصراع الدائر بين شرف الدين ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، الذي يتولى إدارة اللجنة الوزارية بعدما تبرأ ميقاتي سابقًا من الخطة التي وضعها شرف الدين، عقب زيارته الرسمية إلى سوريا.
وفي حديث لـ"المدن"، يستنكر الوزير حجار إعلان مواعيد وأعداد السوريين العائدين إلى بلادهم من قبل شرف الدين، ويقول: "الملف راهنًا بيد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي كلفه رسميًا رئيس الحكومة بذلك. ونقطة الانطلاق وساعة الصفر بيده، وسبق أن أعلن أنه أرسل لوائح بأسماء طالبي العودة الطوعية، وينتظر أجوبة السلطات السورية".
وقبل نحو أسبوع، قال اللواء إبراهيم إن استئناف عملية إعادة اللاجئين ستتم وفق الآلية نفسها المتبعة سابقًا. وقال إن الدفعة المقبلة ستضم نحو 1600 شخص، بانتظار رد السلطات السورية للبتّ بمواعيد إعادتهم.
وسبق أن صرح الوزير شرف الدين لـ"المدن"، أن أول قافلة للعائدين ستضم سوريين من القلمون الغربي التي تقع في الشمال الغربي من مدينة دمشق.
وهنا، يشير حجار إلى أن المديرية العامة للأمن العام افتتحت نحو 27 مركزًا لاستقبال طلبات السوريين الذين يريدون العودة. واللوائح التي يضعها الأمن العام اللبناني بأسماء المتقدمين، يرسلها إلى وزارة الداخلية في سوريا للتدقيق بالأسماء، بعدها يوفرون التسهيلات اللازمة، ثم يرسلون الموافقة لإعادتهم بالقافلة.
ويرفض حجار الدخول بتفاصيل تحديد المواعيد والأعداد، تحسبًا لأي طارئ لوجستي، و"حفاظًا على خصوصية عمل فريق اللواء إبراهيم بالملف". ويقول إن "أول ثلاث دفعات، ستكون تجريبية، للتأكد من الآلية، وعلى أساسها تذهب الأمور بالاتجاه الصحيح".
ويعتبر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار أن الملف قفز من المستوى السياسي إلى المستوى التقني وحسب وهو بيد الأمن العام، على قاعدة أن اللجنة انتهت من وضع الأسس اللازمة للخطة.
لكن، هل تبقى خطة اللجنة قائمة مع إقبال لبنان على فراغ رئاسي، وخلاف حول شرعية إدارة حكومة ميقاتي المستقيلة الحكم؟ يجيب حجار: "نتمنى أن يكون هناك حكومة بالأيام والساعات المقبلة، وأن ينتخب رئيس جمهورية بالمهل الدستورية. ومع ذلك، فإن خطتنا لعودة السوريين هي خريطة طريق واضحة يمكن أن تستكملها أي حكومة مقبلة". سوريا غير الآمنة ومنذ العام 2017، درج الأمن العام على تنظيم عمليات عودة جماعية للاجئين السوريين، وتمت بموجبها وفق بياناته إعادة أكثر من 400 ألف لاجئ إلى سوريا، بينما وثقت بعض المنظمات الدولية والحقوقية حالات ترحيل "قسرية".
وواقع الحال، تمضي السلطات اللبنانية بهذه الخطة من دون أي رؤية واضحة أو ضمانات دولية للعائدين، بعدما أثبتت السنوات الفائتة أن معظم من عادوا إلى سوريا كان مصيرهم الموت أو الاعتقال أو الاختفاء.
والأسبوع الماضي، دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى وقف تنفيذ خطة لإعادة اللاجئين السوريين بشكل غير طوعي إلى بلادهم. واعتبرت حينها أن السلطات اللبنانية توسع نطاق ما يُسمى بعملية العودة الطوعية، "بينما ثبت أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حر حول عودتهم"، بسبب إجراءات تتخذها الحكومة السورية تقيّد "تنقلهم ومكان إقامتهم"؛ ناهيك عن تعرضهم "للتمييز وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية".
وهنا، يقول حجار لـ"المدن" إن ما قالته المنظمة خاطئ، وعلى "منظمة العفو أن لا تستثمر باسم حقوق الإنسان، ولا أن تستعملها لفرض بقاء غير طوعي للسوريين في لبنان، بينما الأمن العام يقوم بواجبه القانوني والإنساني على أكمل وجه"، وفق تعبيره.
وللتذكير، فإن معظم السوريين في لبنان يتحدرون من مناطق معارضة للنظام، مثل حلب وحمص والسويداء وإدلب وريف دمشق وحماه ودرعا، وجميعها تفتقر للبنى الخدماتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية كشروط للعودة. ويخشى معظم السوريين الذين يرفضون العودة من إجبارهم على تأدية الخدمة العسكرية لدى جيش النظام والقوى المسيطرة، ناهيك عن آلية محاسبتهم على معارضتهم، في ظل غياب أي رعاية دولية وأممية للعودة، وتاليًا عدم مراقبتها مسارها، مع نظام احترف كل أساليب التعذيب والقتل والتشريد بحق شعبه.