تجتمع لجنة المؤشر على مدار أشهر لتقرر زيادة "مُعيبة" على رواتب العاملين الخاضعين لقانون العمل اللبناني. وريثما يتم دخول الزيادة حيز التنفيذ يكون التضخم قد أكلها. هذا المشهد ليس افتراضياً بل واقعياً جداً. إذ اجتمعت لجنة المؤشر لمرات عديدة وخرجت في شهر حزيران الفائت بتوافق على زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص بقيمة 600 ألف ليرة، وهو ما كان يوازي حينها نحو 21 دولاراً أما اليوم فلا تتعدى الزيادة 14 دولاراً.
لجنة المؤشر المؤلفة من جميع ممثلي الهيئات الاقتصادية من تجار وصناعيين ومقاولين وسماسرة مع ممثلي الاتحاد العمالي العام والروابط التعليمية والجامعة اللبنانية والضمان الاجتماعي، اجتمعت تحت مظلة وزارة العمل، واستندت إلى أرقام التضخم الصادرة عن مديرية الإحصاء المركزي. ذلك بعد النظر إلى ظروف اقتصادية أخرى، حسب وزير العمل مصطفى بيرم، الذي أعرب أكثر من مرة عن أجواء إيجابية تسود اجتماعات لجنة المؤشر، وأن الجميع كان منفتحاً لإنجاح الخطوة كي يتناسب الوضع مع ما قررته الدولة في القطاع العام.. "بعيداً عن الشعبوية ومنعاً لإلحاق الغبن بأحد"!
يصعب تفسير مفاهيم الأجواء الإيجابية والغبن والتوازن بين القطاعين العام والخاص التي عناها المجتمعون، لكن بالمحصلة توافق الجميع على لا زيادة. فلا يمكن اعتبار الـ600 ألف ليرة زيادة على الرواتب. اللهم إلا إذا كان المجتمعون يجهلون تكلفة موائد الطعام التي يجلسون عليها يومياً في منازلهم.
عن الزيادة على الرواتب
قبل تقييم زيادة غلاء المعيشة الـ600 ألف ليرة، لا بد من توضيح بعض النقاط المتعلقة بآلية تطبيقها. فالزيادة التي صدرت بموجب مرسوم غلاء المعيشة رقم 10598 بتاريخ 19 تشرين الأول 2022، باتت سارية المفعول من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية في 20 تشرين الأول، وتبلغ قيمتها 600 ألف ليرة، و28 ألف ليرة يومياً.
تطبق زيادة الـ600 ألف ليرة على راتب كل عامل أو موظف يخضع لقانون العمل. أي لجميع موظفي القطاع الخاص وموظفي بعض مؤسسات القطاع العام. تُضاف إلى راتب الموظف بشكل مقطوع مهما بلغ حجم راتبه.
أما زيادة الـ28 ألف ليرة عن كل يوم عمل فتطال العاملين بشكل يومي، أي المياومين، وليس الموظفين، ويبلغ مجموع الزيادة للمياومين في حال عملوا على مدار الشهر من دون أي عطل، أي على مدى 24 يوماً شهرياً بمعدل 6 أيام في الأسبوع، وهو أمر شبه مستحيل، فتبلغ حينها الزيادة على بدل يومياتهم 672 ألف ليرة فقط.
بهذه الزيادة ارتفع قيمة المدخول الذي يتخذ أساساً لاحتساب اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى مليونين و600 ألف ليرة. ففي شهر أيار الفائت أضيف إلى الحد الأدنى للاجور زيادة بقيمة مليون و350 ألف ليرة ليصبح مليوني ليرة، واليوم مع زيادة الـ600 ألف ليرة بات الحد الأدنى الرسمي للاجر الشهري مليونين و600 ألف ليرة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى خضوع هذا الراتب بما فيه من زيادات غلاء معيشة لضريبة الدخل الشهرية والبالغة 4 في المئة، يموجب التعديلات التي لحقت بالشطور الضريبية في موازنة العام 2022.قيمة الزيادة
لم يخجل ممثلو الهيئات الاقتصادية من الإصرار على تقدير زيادة غلاء المعيشة بـ600 ألف ليرة، أو ما يقارب اليوم 14 دولاراً، وربما أقل يوم غد مع استمرار سعر صرف الدولار بالارتفاع مقابل الليرة. كما لم يخجل ممثلو العمال ووزارة العمل بقبول هكذا زيادة واعتبارها أفضل الممكن.
وإذا كانت الزيادة أفضل الممكن بالنسبة إلى مؤسسات ناضلت للبقاء منذ بداية الأزمة، فإنها ليست أفضل الممكن بالنسبة إلى الشريحة الأكبر من المؤسسات التجارية والصناعية والمستوردة وغيرها، نسبة إلى الارباح التي راكمتها منذ بداية الأزمة، لاسيما منها التي تعتمد الدولار الفريش في تسعير منتجاتها والليرة في رواتب موظفيها.
وإذا ما قاربنا زيادة الـ600 ألف ليرة لجهة قدرتها الشرائية فإنها لا تتجاوز تكلفة وجبة غذائية واحدة لعائلة متوسطة تتألف من 4 أفراد. إذ يبلغ متوسط كيلو اللحم 350 ألف ليرة وتشكيلة من الخضار الأساسية لا يقل سعرها عن 100 ألف ليرة، باعتبار ان متوسط كيلو البندورة يبلغ 25 ألف ليرة، والخسة 35 ألف ليرة وربطتي خبز بنحو 50 ألف ليرة، هذا ولم نحتسب أي من المواد الأساسية اللازمة لتحضير الوجبة الغذائية من غاز ومياه وزيت وغير ذلك.
باختصار رفعت الدولة اللبنانية قيمة رواتب موظفي القطاع الخاص وعموم الخاضعين لقانون العمل بقيمة "طبخة واحدة وصحن فتوش".