يعودُ الشاعر نزار أبوناصر في الموعدِ نفسه، كل عامٍ، لِيطرَحَ إشكالاً شِعرياً وشَاعرياً؛ وبِخُطَاه نفسها نحو إحداث الجَلَبَة المحسوبةِ بِدقةٍ في عَمَله "ألف لام ميم.. بيروت"؛ في هذه المجموعة بالذات يَصِل من المعرفة الفلسفية بحيث أنه يتناول الخَبَر بطريقته المتجددة المتناغمة مع الأفق الحديث في طرح القصيدة الشعرية العالمية، والتي تتراوح من عميق التراجيديا إلى فضاء الكوميديا السوداء. فهو يحمل هموم المطحونين من الناس ليصل بها إلى مدارك السَّمَاعِ الأعلى في منظومة التلقي والمتلقي، ليجيب عن التساؤل النقدوفلسفي العصري عَن ماهية وضرورة الشِّعر وإلى أين يصل مَدَاه ومبتغاه في مدركات التلقي الحديثة، فهو الشاعر والمتلقي وهو الأصل والصورة أحياناً والمرآة في أغلب الأحيان، لذلك يُصر على أن يقف بجانب المهمشين والعاديين.يتضح صوت الشاعر المتفرد المُتَّحد مع الإنسانية جَمعَاء على اختلاف ألوانها وأشكالها، وهو صوتها لأنه ابنها، وقد أسس لهذا المفهوم منذ مجموعته الثانية: "بدل فاقد"، مروراً بتجلياته الشعرية المعرفية في "يسرقون الصيف من صندوق الملابس" وصُولاً إلى هذه المجموعة الصادرة حديثاً "ألف لام ميم.. بيروت"، حيث يُثَبِّتْ بحثه الدائم عن موارد الرَّحمة والتَّسامح والإنسانية بشكلها العالمي. وهو هنا يجرِّب في كل شيء؛ في البناء الشعري، وفي المضمون المقصود، وفي طريقة العرض والتقديم والتناول. بدايةً من الغلاف الذي جاء ليمارس وقْعَه المتعامد على بدن الورق، والعناوين المائلة للشّرح الأفقي المباشر سرداً لا شعراً في تجربة قد تبدو غريبة لكنها تحْمِل الرسائل من العناونين حتى آخر نقطة في النَّص؛ ومن عناوين القصائد: بيروت بعد أن فازت بالانتخابات عادت لتضارب في البورصة، وعنوان آخر: لِنْدا مازالت تزرع البرتقال وهم مازالو يلعبون "سُدوكو". وبعد العناوين المغايرة يأتي الشِّعر مكلِّلاً بطريقته المبتكرة في لَقْطِ الأفكار المتوالية وترتيبها في قالبٍ شعري تَرَاوح بين التفعيلي والعمودي كعادته في كل أعماله،.. لكن هذه المرة وبجرأةٍ مقصودةٍ ضَمَّنَ مجموعته 3 منثوراتٍ تؤسس لفكرته الأم عَن مفهومه الشِّعري.."ألف لام ميم.. بيروت" مجموعة شعرية كَرَّسها الشاعر للحديث عن مدينته الحبيبة بيروت التي في خاطره دائماً. وكما يقول، بيروت هي القاهرة وَعَمّان والقدس وأبوظبي والرياض ودمشق وتونس والرباط؛ وكل العواصمِ في تعالقِ اللغةِ والتراث والمستقبل. وجاءت المجموعة الكبيرة نسبياً من القطع المتوسط تحتوي على 29 قصيدةٍ أغلبها يتَّسم بالطول والاستدراك الفكري في 247 صفحة، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان.