مأزق تعليم اللاجئين السوريين في الجامعة اللبنانية: العنصرية الصافية
2022-10-16 12:56:08
بُعيد الجدل الذي أثارته قضية تعليم اللاجئين السّوريين مؤخرًا على الصعيدين السّياسيّ والتربوي، مضافًا إلى قلق دولي وتخوف الجهات المانحة، فضلاً عن القيمين على هذا الملف، من ضياع كل مساعيهم المستمرة لضمان حقّ التعليم لأكبر عدد من الطلاب اللاجئين.. تبرز معضلة لطالما غُيبت قسرًا عن مضمار البحث والنقاش، وهي العقبات القانونية والإدارية التّي تُعرقل تسجيل اللاجئين السّوريين وحتّى الأجانب في الجامعة اللبنانية، والتّي تأججت مؤخرًا بعد بروز شرط تحصيل الإقامة للتسجيل في الجامعة، هذا فضلاً عن الفساد المستشري في هذا الملف كما باقي الملفات، مصحوبًا بعنصرية واستنسابية وبيروقراطية فضائحية.عنصرية واستنسابيةوفي حين لا جديد يُطرح حتّى اليوم في إطار الحلحلة الجدّية لوضع الجامعة اللبنانية المأزوم، الذي طاول الأساتذة والموظفين والطلاب اللبنانيين المسجلين في الجامعة على حدًّ سواء، ليس من المستغرب أن تتفاقم وتيرة هذا التأزم على أكثر الحلقات ضعفًا من أهل الجامعة، أي الطلاب الأجانب والمقيمين في لبنان من الجنسيات المختلفة وخصوصاً اللاجئين السّوريين والفلسطينين.
هذه المأزومية لطالما احتدمت وتأججت في السّنوات الماضية، ممثلةً بعقبات إدارية مقصودة أحيانًا وغير معالجة في أغلب الأحيان، والتّي حالت طرديًا دون تسجيل عدد لا يُستهان به من الطلاب اللاجئين والأجانب الطامحين بحيازة الشهادات الجامعية ودون إتمام مساعيهم، فيما يتنطح المسؤولون والإداريون بأوهى المسوغات لتبرير هذا الهدر في الطاقات البشرية، بدوافع عنصرية تارةً وبحجج الإقامات تارةً أخرى .
وفي هذا السّياق يشرح محمد أ. (25 سنة، سوري) أنه حاول مرارًا التسجيل في كلية الطب، لكنه فشل في الالتحاق بها، لا لكون علامته متدينة ولا تؤهله للدخول إلى كلية الطب، بل كان من المتفوقين في المدرسة الثانوية والسنة التحضيرية في كلية العلوم، لكنه واجه مشكلة كبيرة مع المعنيين في الكلية من مجلس الطلاب التابع للتيار الوطني الحرّ، الذين تعاطوا معه بفوقية وإزدراء، بعد أن تبين لهم أنه من الجنسية السورية، ومع الموظفيين الإداريين الذين أضاعوا ملفه ثلاث مرات متتالية، بحجج لامنطقية في كل مرة. و"ضياع ملفه" حال تلقائياً دون تسجيله في كلية الطب، واضطره للانتقال إلى جامعة خاصة بمنحة لدراسة اختصاص الكومبيوتر.عقبات إداريةفي حديثها مع "المدن" تُشير الطالبة السّابقة في الجامعة اللبنانية أمل عبدالله (20 سنة، سورية)، للعقبات التّي واجهتها لتحصيل تعليمها الأكاديمي، والبيروقراطية التّي كادت أن تحرمها من إستكماله: "سجلت بعد نيلي الشهادة الثانوية اللبنانية في كلية العلوم-فرع الحدث، اختصاص العلوم البيولوجية والكيمياء، وكنت قد قدمت في ملف التسجيل إفادة من قاضٍ تقضي بإعفائي من تقديم هوية أو إقامة بسبب تلف الأوراق الرسمية الخاصة بي في سوريا، وذلك بعد 2011، والتّي تتضمن أيضًا إفادة بشرعية إقامتي في لبنان منذ 2010 بصورة نظامية، ولم ألحظ أي عقبات في أول فترة، لكن سرعان ما اختلفت الأمور عندما قررتُ دراسة العلوم السّياسيّة بالإضافة لإختصاصي الأساسي، وفضلت هذه المرة التسجيل في كلية الحقوق والعلوم السياسية في صيدا، لاختصار مسافة الطريق الطويلة بين بيتي في الجنوب وبيروت".
وأضافت: "عندما ذهبت للتسجيل فوجئت برفض تام لملفي من قبل المسؤولين، الذين طالبوني بإقامة، علمًا بأني أرفقت إفادة القاضي بطلب التسجيل، ورفضوا في النهاية تسجيلي في الكلية بالرغم من كوني طالبة سابقة في الجامعة اللبنانية، وقالت إحداهن: "محل ما تسجلتي رجعي". فما كان مني سوى التسجيل في كلية الحقوق والعلوم السّياسيّة في الحدث، والتّي تبعد عن مكان إقامتي، والذين بدورهم قاموا بأخذ توقيعي على تعهد يشترط عليّ تأمين الإقامة في أسرع وقت ممكن، بالرغم من معرفتهم أنه من شبه المستحيل تأمين الإقامة. وإزاء هذا الواقع هاجرت إلى كندا لاستكمال تعليمي بعدما وجدت أنه من شبه المستحيل تحصيل شهادة في لبنان في ظلّ هذه الظروف".في السنوات الماضية كان هناك شبه تغاضٍ رسمي عن شرط الإقامة للتسجيل في الجامعة اللبنانية، وخصوصاً للطلاب من التابعية السّورية، الذين يواجهون عقبات إدارية مختلفة للاستحصال على جواز سفر (الذي يُكلف حوالى 800 دولار أميركي) أو هوية أو إخراج قيد سوري (والذي يتقدم إليها الطلاب عبر السفارة السّورية والتّي بدورها لا تعطيها لكافة الطلاب)، وبالتالي استحالة الحصول على الإقامة، إلا أن اللافت ومنذ مطلع العام الحالي عاد شرط الإقامة إلى الواجهة، بعد أن كان مغيبًا نسبيًا لسنوات. وقد برر المعنيون بهذا الملف في الجامعة ووزارة التربية، عبر عدّة بيانات رسمية، أن التشديد على هذا الإجراء هو لسبب إحصائي بحت، ولمعرفة أعداد اللاجئين السّوريين بصورة غير شرعية في الأراضي اللبنانية.مناصرة ودعموإزاء هذه العقبات نظمت رابطة الطلاب الجامعيين في لبنان AUSL، في مطلع السنة الماضية، حملة مناصرة وتضامن مع اللاجئين السّوريين الذين يواجهون مشكلات في تسجيلهم في الجامعة اللبنانية. وقد حاولوا التواصل مع رئيس الجامعة اللبنانية حينها فؤاد أيوب، وعدد من المعنيين في المنظمات الحقوقية وشؤون اللاجئين، لكنهم لم يتلقوا أي جواب أو ردّ واضح على مطالبهم، كما أشاروا في تقارير وتصريحات سابقة.
يُذكر أن الرابطة تنشر كل فترة على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها عن آلاف الطلاب الذين يتواصلون معها بصورة دورية، ويواجهون مشاكل في التسجيل ويتعرضون لممارسات عنصرية، خصوصاً في السنة الماضية مع الإضرابات والشروط التّي فرضت بصورة مستجدة، المتعلقة بالأوراق الثبوتية والمشاكل المالية. وقد دعت الرابطة المنظمات الدولية والجهات المانحة لدعم تكاليف التعليم العالي للاجئين من جهة التسجيل، التّي كانت قبل الأزمة تتراوح بين المليون والمليون ونصف المليون، أي بين 700 وألف دولار أميركي.المعادلة وشرط الإقامةوإن كان التسجيل وما يصحبه من عراقيل إدارية وقانونية يختلف من كلية لأخرى ومن فرع لآخر، ومحكومًا أحيانًا بتسجيلات شرطية مسندة بتعهد يقضي بتأمين الإقامات وإرفاقها بملفات التسجيل لاحقًا، وتحديدًا بعد شهر عن إمضاء التعهد، تبرز أزمة أخرى وهي المعادلة وما يعقبها من شروط تعجيزية لاحقًا، بعدما صدرت قرارات متفرقة تُلزم الطلبة الذين يريدون تعديل شهاداتهم الثانوية أو المتوسطة أو الأساسية السوريّة بتوثيق التسلسل الدراسي، وبيان حركة المرور على الحدود وبعدها جواز السّفر والإقامة، هذا فيما معظم هذه الخطوات صعبة جدًا، بل مستحيلة في بعض الحالات، كالذين تدمرت مدارسهم أو لجؤوا خلسة أو بصورة غير شرعية.
هذا الواقع جعل بعض الطلاب السّوريين يتسربون من التعليم في الجامعة اللبنانية، بعد مواجهتهم لصعوبات في التسجيل فيها، بوصفها الخيار الوحيد المتاح أمامهم، منتقلين إلى جامعات ومعاهد خاصة، أو اللجوء إلى أوروبا بصورة نظامية أحيانًا وبصورة غير شرعية أحيانًا أخرى، وغالبًا للبحث عن وظيفة أو عمل يكفيهم وأسرهم. أما على الصعيد الاجتماعي والتربوي، فإن هذه العقبات لا تعدو سوى كونها المشاركة الرئيسية في هدر الطاقات البشرية، وزيادة معدلات البطالة في صفوف اللاجئين. والملام الوحيد في هذه الأزمات هي إدارة الجامعة اللبنانية التّي قضمت مقدرات الجامعة، وجعلت أهلها في حالة ترقب وتخوف دائم، وساهمت في مظلومية الطلاب الأجانب وخصوصاً السّوريين، فضلاً عن تقاعس بعض الجهات والمنظمات المسؤولة عن هذا الملف بوضع خطط لضمان حق التعليم العالي للراغبين باستكماله، والسّلطة اللبنانية التّي استفادت من الدعم الدولي ونهبته وتقف اليوم عاجزة عن سدّ الفجوة في الحقوق والواجبات التّي أحدثتها.
وكالات