في أحيان كثيرة تكون الأسماء والمسميات عبارة عن شكليات مطلوبة للتغطية على معطيات أخرى. الجميع يعرف ان احدى أكبر الازمات في المنطقة تتصل بالتوسع والطموح الإيراني للسيطرة ومد النفوذ واستعادة امجاد امبراطورية سابقة، وهذا باعتراف المسؤولين في إيران أكثر من مرة في طموحهم وحديثهم عن استعادة هذا المجد.
انحصرت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الامريكية تحت عنوان الحد من مخاطر الطموح النووي الإيراني، وعند اشتداد المواجهة انطلقت مباحثات بين الطرفين في محاولة الوصول الى حلول واستقرت في المحصلة على تسمية معادلة مجموعة الخمسة زائد واحد.
مجموعة 5+1 هي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا، والتي تتولى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي والتي بدأت عملها في عام 2006 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
المفاوضات الفعلية هي بين الولايات المتحدة وإيران ووجود الدول الأخرى من باب المساندة واستكمال الشكليات والدليل انه عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاقية التي وقعها باراك أوباما انفرط عقد الاتفاق كله وعاد التوتر الى الأجواء بين الدول الغربية وإيران في المنطقة والعالم.
في لبنان دارت وتدور مفاوضات ومباحثات مع إسرائيل بشكل غير مباشر حول ترسيم الحدود البحرية اذ يأتي في العنوان العريض حيث يقف لبنان ويتولى الامر الرؤساء الثلاثة.
لم يستطع الوسيط الأميركي الشديد النزاهة عاموس هوكشتاين ضبط مشاعره مؤخرا حين شعر ولمس الموقف الظاهري الموحد الذي اُبلغ به من الرؤساء الثلاثة، وقد عبر عن هذا الامر باطناب أكثر من مرة باللعب على شرش جنون العظمة اللبناني المتضخم، بمدحه الوحدة الظاهرة لدى المسؤولين الثلاثة وقُدم الامر للراي العام باعتباره أحد الإنجازات الفريدة، فيما لم يتورع (كبير المفاوضين اللبنانيين) الياس بو صعب، من التشديد والتعليق عليه واعتباره هذه الوحدة الثلاثية، حجر الزاوية في المفاوضات مع إسرائيل.
في المحصلة، تبين ان المواقف والتصرفات التي أقدم عليها وأعلنها السيد حسن نصرالله عبر تحريكه حفنة من المسيرات الالكترونية، لعبت دورا متقدما في تعجيل بلورة الاتفاق مع إسرائيل على الترسيم والدفع باتجاه استكماله ووصوله الى الخواتيم التي يكاد يصلها.
عمليا ان ما جرى كان نتيجة المفاوضات الشكلية التي أجرتها الترويكا العائدة زائد واحد متمكن هو امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.
حين أراد بنيامين نتنياهو التهجم على الاتفاق خاطب خصمه رئيس الحكومة الحالي يائير لبيد بالقول ان الاخير استسلم لنصرالله ومنحه الثروة النفطية الخاصة بشعب إسرائيل.
هل ان هذا الاتهام واقعي؟ وان لبنان استطاع عبر هذا الاتفاق تصيد إسرائيل كما يحاول نتنياهو وبعض المعارضة الإسرائيلية الإيحاء؟
مما لا شك فيه ان لبنان بامس الحاجة كما يقال، لقرش من غيمة، وهو على مسافة صغيرة وبسيطة من توقيع الاتفاق المهم الذي يوصف الان بالتاريخي عن حق لأكثر من سبب. لكن وسط هذه الاحتفالية البالية والمضحكة، لا يخلو الامر من بعض الملاحظات البسيطة التي لابد منها إزاء ما جرى ويجري.
ليس مستحبا الان العودة الى صيغة الترويكا الشهيرة، فمن جهة فان الإيحاء بالوحدة الداخلية اللبنانية فيه القليل من الإفادة المعنوية والكثير من الاستخفاف بالعقول، كما ليس مستحبا على الاطلاق ولا مقبولا الاستمرار في هذه الخدعة السياسية الإعلامية والدستورية الممجوجة.
الرؤساء الثلاثة مع أهمية قدراتهم الخارقة التي نعرفها، لا يمكنهم ان يحلوا مكان المؤسسات الدستورية الأساسية التي تمثل الشعب اللبناني.
يقول الدستور في نص المادة 52: " يتولى رئيس الجمهورية المفاوضات في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حين ما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب."
معنى ذلك انه لا يمكن القفز عن دور مجلس الوزراء في الاطلاع على نص الاتفاق ومناقشته واقراره ومن ثم احالته الى مجلس النواب لإبرامه وليس اطلاع النواب عليه فقط.
في العادة وفي ابسط الأمور، ما من جهة رسمية يمكنها، قبول هبة من واهب ولو كانت سيارة اسعاف، من دون موافقة وعلم مجلس الوزراء، فكيف باتفاق ينظم ترسيم حدود لبنان الدولية لاستخراج ثروة نفطية لا أحد يعرف مقدارها وكمياتها.
الرؤساء الثلاثة مشكورون على سعيهم وعملهم مع السيد نصرالله على انجاز اتفاق الترسيم، لكن التجارب دلت ان تجاهل احكام الدستور لم تكن ولا مرة خطوة مفيدة او صائبة. وفيما تجتمع الحكومة الإسرائيلية في غرفتيها للاطلاع على الاتفاق ودراسته واقراره ومن ثم احالته الى الكنيست، غير مقبول ولا مستساغ ان يتم تجاهل المؤسسات الدستورية وراي الشعب اللبناني في هذه الاتفاقية التي تتجاوز المعاهدة بكل بنودها وابعادها.
هناك الكثير من النقاط التي تحتاج الى التدقيق وقبل التوقيع وعلى وجه الخصوص ما يتصل بحقوق لبنان بحقل قانا المفترض.
تقول السردية الرسمية الانتصارية، ان لبنان حصل على حقوقه كاملة في حقل قانا وتقول المعلومات ان لبنان أتم اتفاقا تمسك به بالخط 23 الذي اعترف بحقل كاريش لإسرائيل مقابل حصول لبنان على حقل قانا كاملا.
في المقابل تقول المعلومات الصحافية العلنية ان شركة توتال اتفقت مع إسرائيل على ان تدفع لها حصة من أرباحها من حقوقها في حقل قانا.
رئيس الوزراء الاسرائيلي يائيير لابيد أعلن بصراحة، أن "إسرائيل ستحصل على 17 بالمئة من عائدات حقل قانا".
الامر يدلل ان لبنان لم يحصل على كامل موجودات ومحتويات حقل قانا والا ما الدافع لكي تدفع توتال من أرباحها لإسرائيل؟ وهل الأرباح محسومة من حصة لبنان وكم هي وما هو الاتفاق على ذلك؟
هل هناك من قطب مخفية أخرى في الاتفاق لم يعلن عنها حتى الان؟
في الامس القريب انطلت على المواطنين كذبة الازدهار والاستقرار الاقتصادي والنقدي وعاش الجميع في فقاعة الفرادة اللبنانية فكانت الكارثة التي نعيش في وسطها الان.
ثمة سؤال، هل تكذبون علينا مرة جديدة؟