2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo صحيفة فرنسية تكشف: عميل إيراني سرّب معلومات حساسة قادت لاغتيال نصرالله logo كيف حدّدت إسرائيل موقع الشهيد السيد نصر الله؟ logo بالفيديو: غارة عنيفة على الشويفات logo اغتيال نصرالله يفتح الباب لتوغل إسرائيلي في لبنان.. خطة نتنياهو تتسارع logo بايدن: حان الوقت لوقف إطلاق النار في لبنان logo حسن نصرالله... قائد المقاومة لثلاثة عقود logo تنياهو ينفذ "ضربته الأقوى"... نظام إقليمي جديد عنوانه إسرائيل logo تاريخ حزب الله وأمنائه العامين: من التأسيس إلى اغتيال نصرالله
تعريف فالتر بنيامين
2022-10-13 11:56:10

الملفت في السنوات الأخيرة، مدى الجموح (لدى العرب وغيرهم) في العودة إلى طروحات الكاتب الماركسي الألماني فالتر بنيامين (15 يوليو 1892-26 سبتمبر 1940)، سواء في النقد الأدبي أو الفن التشكيلي أو الحديث عن الهالة والأفكار المتشعبة والشذرية حول الصورة والراديو والحكواتي والسينما واللون والترجمة والتاريخ. والكتابة عن بنيامين تأتي كنوع من محاورة أو محادثة أو استحكاء لأفكار فيها شيء من الشاعرية والفتنة والسحر، مع أن بنيامين الديالكتيكي سعى إلى كسر السحر الكارثي والاسهلاكي للأشياء، من خلال الهدم وإعادة البناء.ويحار المرء في ما يقول عن هذا الجموح في حب بنيامين في زمن "السوائل" (إذا ما استعرنا أطروحات زيغمونت باومان" 1925 – 2017)، وموت الأشياء وتصدّع المفاهيم وفقدان "الهالات"... هل هي أهمية أفكار بنيامين التي ربما "تعيش حياة لاحقة"، على حد تعبيره؟ أم رؤيته أو سيرة حياته؟ أم تصوفه الثوري أم لغته وشاعريته وانتحاره؟ أسئلة كثيرة تلزمها محاور كثيرة للإجابة عنها وتأويلها، والحال أن الخيط الرابط بين الكتابات حول بنيامين تكمن في البحث عن تصنيف كتاباته ووضعها في خانات فلسفية وأدبية وصوفية وثورية وماركسية. لكن التصنيف يبقى على شيء من الضبابية، يشبه، بمعنى مجازي قبر فالتر الضائع على الحدود الفرنسية الاسبانية. يكتب الباحث مايكل تاوسيغ: "عندما جاءت حنّه أرندت للبحث عن قبر فالتر بنيامين بعد أشهر من وفاته في فندق فرانسيا في بورت بو (Portbou) على الحدود بين إسبانيا وفرنسا، لم تجد شيئاً. لم تجد شيئاً، أي، لا شيء سوى أحد أجمل الأمكنة التي رأتها في حياتها".... "ليس مقدراً للقبر أن يعثر عليه أحد"، كتبت لغيرشوم شوليم بعد زيارتها بقليل، "فإسم [بنيامين] لم يكن مكتوباً في أي مكان". وفي صورة مجازية مقابلة، يعنون راي مونك، أستاذ الفلسفة في جامعة ساوثهامبتون، مقاله عن فالتر بنيامين بـ"أول فلاسفة البوب" ("أول فلاسفة الجماهير" في ترجمة ثانية)، ويقول: "غالباً ما يوصف فالتر بنيامين بالفيلسوف، لكنكم لن تجدوا أعماله ضمن المقررات الدراسية مدروسة أو مدرَّسة في أقسام الفلسفة في كثير من الجامعات البريطانية والأميركية، ربما في أقسام اللغة الإنكليزية، والدراسات السينمائية والإعلامية، أما في أقسام الفلسفة، فلا. وينقل مونك أنه، في العام 1999، تلقى الفيلسوف الأميركي ستانلي كافيل Stanley Cavell (الذي ألَّف كتاباً عن أفلام هوليوود الكوميدية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته، وهو شيء يصعب أن نتوقع من فيلسوف تحليلي أن يفعله)، دعوة لحضور مؤتمر في جامعة ييل، احتفالاً بنشر جامعة هارفرد الجزء الأول من "مختارات" بنيامين. وقد طلب خطاب الدعوة من المدعوين المنتظرين أن يقيِّموا إسهام بنيامين، كلّ في مجاله المعرفي. فأعلن كافيل أن "الإجابة الأمينة على مسألة إسهام بنيامين الفعلي في مجالي هي تقريباً صفر".
يبدو بنيامين طيفاً أو شبحاً، بل "نجماً" بامتياز، وكتاباته "موضة ثقافية" على نحو ما درجت كتابات رولان بارت كموضة، وكذا فوكو وكونديرا وكافكا وسارتر، فيها منحى يقترب من الأيقنة في استعمالها في الوسط الما بعد حداثوي. ونتاج بنيامين ظاهرة، رغم أنه لم يسبق أن ألّف كتابا قطّ، بحسب قول الناقد الماركسي الأميركي فريدريك جيمسون في كتابه "ملفات فالتر بنيامين"، على الأقل ليس بالمعنى بالتقليدي. إذ كان بنيامين، خلال الأعوام الأولى بعد 1920، قد دوّن شهاداته عن مسرح الباروك الألماني. ويقول الناقد تيري إيغلتون في تعليقه على فرديريك جيسمون، في مقالة عنوانها "الماركسي والمسيح" ("الماركسي والمخلّص" في ترجمة أخرى): "كان بنيامين مُنظّراً حداثياً لا منظّراً في الحداثة. فكانت كتاباته جزءاً من التجربة الثقافية، لا تعليقاً عليها. كما فتغنشتاين، كان بنيامين من مناهضي الفلسفة وشَعر بالحاجة إلى أسلوب كتابة مختلف يمكّنه من التعبير عمّا عناه، وكانت الكتب أحد المفاهيم التي خضعت لتساؤلات وتشكيك مناهضي الفلسفة. هناك جزء ظريف في كتاب "شارع ذو اتجاه واحد"، بعنوان: كيف تؤلف الكتب السمينة. فكان ينبغي للكتب الأكاديمية أن تكون مفهومة بصورة معقولة، أن تكون أفكارها نظرية وأن تُكتَبَ من وجهة نظر محددة. على النقيض من ذلك، فإن قدراً كبيراً من الفن المعاصر يفضّل تعدد وجهات النظر والسّرديات غير المتواصلة. فيُتاح للفنانين أن يلجأوا للإبهام بدلاً من التوضيح، أو أن يفضلوا الصورة على المفهوم. على الكتب أن تكون وحدة متسقة كذلك، لكن وحدة النص بالنسبة لروّاد الحداثة مفهومٌ مشكوك في جدواه".الأفكار تبدو تسكّعاً في حياة بنيامين، هو ابن التشرّد والضياع والترحُّل والملاحقة النازية، حتى إن انتحاره جرى على تخوم الأمكنة وحوافي المدن. وفي كتابه "شارع ذو اتجاه واحد" الصادر العام 1928، قدّم انعكاساً لرغبته في العيش من دون انخراط أعمى في النظم القائمة للتصوّرات والأمور. لا يثور ولا يرضخ، بل "يتسكّع" بين تفاصيل حياة يومية عادية، ويخرج منها إلى ما هو أبعد من أشكالها الواضحة: المأكل، أثاث البيت، الساعة اليدوية، محطة البنزين، وغيرها من العناوين المفتوحة على خصوصيات وحميميات سجالية. تعكس العناوين في كتاب بنيامين، بناء الحياة المعاصرة نفسها في ظاهراتها المنتافرة كلياً، لكأن الكتابة عند بينامين صارت من زمان العدسة الحية للتصوير الفوتوغرافي التي تكتفي بالتقاط مشاهد عارية من دون تأويل ولا تنديد ولا "شكوى".والسؤال الذي يشتغل عليه المترجم أحمد حسان، في تقديمه، هو محاولة تفهّم هذا الطابع الاستثنائي لكتابة بنيامين في نص "شارع ذو اتجاه واحد": لماذا ليست هي "لا بفلسفة ولا بشِعر"؟ في ماذا يكمن عدم قابليتها للتصنيف مع أنها تندرج في الظاهر ضمن سياق فكر النظرية النقدية؟ يشتغل بنيامين على كوكبة مركبة من المسائل تعود إلى نقطتين، هما: مسألة الكتابة (بما هي كتابة الأنا وأحلامها وكتّابها في المجتمع بمسوخاته وانحرافاته)، ومسألة الخطاب الإشهاري وما يقتضيه من تشخيص نقدي مدقق لمدينة الراهن بشوارعها وموانئها وحاناتها، وواجهاتها. لكنه، في هذه المسألة وتلك، إنما يفتتح، كما يقول الفيلسوف الماركسي إرنست بلوخ، "بازاراً فلسفياً" يؤثثه بجملة عناوين يمكن صوغها عن صناعة عنونة قلما نجد لها نظيراً. وبنيامين، في تعريف حنة آرندت، هو المفكر الذي "لم يتعلم السباحة مع التيار ولا السباحة ضد التيار"، وهي في ذلك على حق، بحسب النقاد، شريطة أن نفهم من ذلك أن بنيامين في كتابته "المتشذّرة"، يريد أن يحيا في العالم من دون دعوى الانقلاب عليه، ومن دون الانخراط الأعمى في النظام القائم للتصورات والأمور: فما هو بالثائر ولا بالراضخ. إنه بالأحرى صعلوك يتسكع بين ثنايا الظواهر والأشياء، ويتعقب أدق دقائقها، لا شيء يذهله في ذلك كله أكثر من أنها تظهر وتتبدّى، حتى في غياب من يرى ويسمع. تمثّل أعمال بنيامين المتشظّية بحسب غريم غيلوتش في كتابه "فالتر بنيامين: تراكيب نقدية"، مزيجًا انتقائيًّا ومستفزًّا إلى حدّ كبير من المفاهيم والموضوعات والحوافز المستقاة من مجموعة مميزة ومتنوعة من المصادر: الصوفية والمشيحانية اليهوديتين، والرومانسية الألمانية المبكرة، والحداثة، لا سيما السوريالية، وماركسية غير أرثوذكسية إلى حدّ بعيد.ولم يتردد الفيلسوف الألماني فولفرام أيلِنبيرغِر، في كتابه "زمن السَّحَرة"، في وضع بنيامين ضمن اربعة فلاسفة (مع لودفيغ فيتغنشتاين، ومارتن هايدغر، وإرنست كاسيرر) أعادوا اختراع الفلسفة، بين الحربين العالميتين، وسعوا إلى تغيير العالم بإعطائه كامل انتباههم؛ وهو درسٌ ما زال صداه يتردّد بعد نحو مئة سنة، إذ استدعى الرومانسية والتصوف اليهودي والسوريالية والماركسية في محاولة للكشف عن عالمٍ جديد! فالتر بنيامين، بحسب صلاح عثمان في قراءته كتاب فولفرام أيلِنبيرغِر، وهو ابنٌ آخر لرجل أعمال يهودي ثري، تحول إلى الصحافة والنقد الثقافي بعدما فشل في الحصول على وظيفة أكاديمية ثابتة نظرًا لعدم استكمال بحوثه المؤهلة للأستاذية، لكنه عُرف كناقدٍ ثقافي ومُحللٍ حادٍ للمراحل الأولى من الرأسمالية الاستهلاكية، كما يُعرف اليوم جيدًا بعمله غير المُكتمل "مشروع الأروقة"، وهو مجموعة هائلة من الكتابات عن الحياة والتصميم المعماري للأروقة المُغطاة بالحديد والزجاج في مدينة باريس قام بها بين العامين 1927 و1940، ونُشرت بعد وفاته بلغات عديدة. كانت البصيرة والفهم –وليس مجرد الرؤية البصرية– هي شغف بنيامين المؤثر، لكنه كان من الناحية النفسية مضطربًا ومكتئبًا، مُخادعًا ومزدريًا بعنف لكافة منافسيه بما في ذلك مارتن هايدغر...باختصار، كما يقول الناقد فيصل دراج، "كان فالتر بنيامين موسوعي الثقافة ولم يكن متخصصًا، مدمنًا على تأويل النصوص ولم يكن فيلسوفًا، جميل الأسلوب عازفًا عن الكتابة وغارقاً في التذكير بما كتبه الآخرون. ترجم من الفرنسية إلى الألمانية ولم يعتبر ذاته مترجمًا. كتب دراسات لامعة عن غوته، ولم تُنشر، وأنجز دراسة طويلة عن بريخت ولم يرحب بها أحد، وعمل سنوات على كتاب عن باريس في القرن التاسع عشر لم يكمله، من دون أن يكون مؤرخًا... وبعدما مات، تحولت كتاباته التي لم تنشر في حياته، إلى مجلدات، لم يكن شاعرًا وإن عاش حياته كلها بشكلٍ شاعري". فالتر بنيامين، بحسب عناوين أحد الكتب عنه، "حياة لم تكتمل"... وللحديث صِلة.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top