وصل وزير الصحة فراس الأبيض باكرًا صباح اليوم الأحد إلى الشمال، مكلفًا من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لمتابعة ملف الإصابات بفيروس الكوليرا التي تم تسجيلها في المنطقة وعددها ثلاثة.
وفي حين دعا ميقاتي وزراء الصحة والداخلية والبلديات والطاقة والمياه والبيئة والزراعة إلى اجتماع مطلع الأسبوع لمتابعة هذا الملف، فقد كانت سراي حلبا الحكومي في عكار المحطة الأخيرة في جولة عكار لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، استهلها من مخيمات المحافظة حيث ظهرت أولى الحالات لدى نازح في مخيم من مخيمات بلدة المحمرة.
الزيارة شهدت لغطًا لجهة تحديد هوية المخيم الذي سيزوره الوزير. فحسب إعلان الوزارة هو مخيم الريحانية في ببنين، لكن الإصابة ظهرت لدى نازح سوري من سكان مخيم 045 في المحمرة. في النهاية وصل الوزير إلى مخيم 045 في حين كان الإعلام وعناصر الأمن المولجين حماية الجولة ينتظرونه في مخيم الريحانية.سراي حلباولما كانت الأمور فيما خصّ وباء الكوليرا محدودة حتى الآن عند حالتين مثبتتين (سوري ولبناني) وحالة واحدة في دائرة الشك (طفلة لبنانية)، وما زالت الأوضاع بشكل عام بعيدة عن فكرة التفشّي الكامل للوباء في المنطقة، فإنه وفي غضون ذلك لم يحضر محافظ عكار عماد اللبكي اللقاء مع الوزير الأبيض لأسباب خارجة عن إرادته، حسب ما قيل. وقد نابت عنه أمينة سر المحافظة رولا البايع، كما حضر النائبان محمد سليمان وجيمي جبور ورؤساء اتحادات بلديات المنطقة. وصل الأبيض إلى سراي حلبا بحدود الساعة 12 بعدما كان قد جال على بعض المخيمات للنازحين السوريين والمستشفى الحكومي الوحيد في المنطقة، حيث يرقد مرضى الكوليرا لتلقي علاجهم. في السراي استمع الأبيض لرؤساء اتحادات بلديات عكار عن تفسيرهم للظاهرة المرضية الجديدة وأسباب المشكلة، كذلك استمع لمندوبين عن منظمات دولية كاليونيسف ومنظمة الصحة العالمية.انتقاد النازحين والمنظمات الدولية! لم تكن كل الأمور بيضاء أمام الأبيض في عكار، فهو أشار في بداية حديثه إلى أنه لمس أن الخدمات عبر الدولة أو الجهات المانحة بأسوأ مستوى لها، سواء للبنانيين أم للنازحين السوريين لاسيما شبكات المياه والصرف الصحي، وجاءت الأزمة الاقتصادية والانهيار لتزيد من عمق المشاكل الأساسية التي يعاني منها السكان في هذه المنطقة. هنا أخذ النائب بلال عبدالله الكلام وهو رئيس لجنة الصحة النيابية وقال: "من غير المقبول أن يتحمل لبنان عبئين، عبء النزوح وعبء الكوليرا التي دخلت إلينا من سوريا. فالكل يعرف أنه لم تكن هناك حالات كوليرا، في حين كانت سوريا تعج بالحالات إلى أن سمعنا عن حالة مثبتة وهي لنازح. ومن يدري إذا كان هذا النازح قد أتى بالمرض من سوريا أم لا؟.. إن تذرّع المنظمات الدولية بمشكلة أوكرانيا لتخفيف المساعدات للبنان أمر غير مقبول". هنا عاد الوزير الأبيض من جديد إلى سدة الكلام ليؤكد أن ذرائع المجتمع الدولي لعدم مساعدة لبنان كلها مرفوضة، لترد مسؤولة في المنظمة السامية لشؤون اللاجئين، وتعيد التأكيد على أن موضوع النفايات والصرف الصحي ليس من صلب عمل هذه المنظمات، التي تركّز على التوعية والإرشاد بشكل أساسي، لكنها ومع ذلك وسّعت نطاق عملها بعض الشيء بتقديم المساعدات في مجال تأمين مستلزمات الوقاية ومياه الشرب النظيفة وما شاكل.الاكتفاء بالوقاية ليس من خلاصة واضحة أو نتائج للجولة الصحية في عكار، باستثناء تشديد الأبيض وعبدالله على الوقاية والتوعية، لأن الكوليرا وباء قديم يعود الآن بعد كل هذه السنين بسبب تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية. وطالما الإمكانيات محدودة لدى الدولة، فالتوعية أساسية لمكافحة الوباء قبل انتشاره وتفشيه، وتخرج الأمور من مجال السيطرة عليه.
تعهد الأبيض أنه سينقل ما سمعه من بلديات عكار ونوابها وفاعلياتها إلى مجلس الوزراء ليُبنى على الشيء مقتضاه. لم يخرج رؤساء الاتحادات البلدية مرتاحين من الاجتماع سيما وأنهم طرحوا الكثير من المشاكل في مجال النفايات والصرف الصحي والمياه، لكن الوزير لم يقدم وعوداً في هذا الخصوص، إنما في المقابل طالبهم كبلديات بالرقابة على مياه الصهاريج التي تباع وإذا أمكن أن توضع فيها مادة الكلور لحمايتها.
وخلال مؤتمره الصحافي كان الوزير الأبيض حريصاً أمام منظمة الصحة العالمية على تأكيد جهوزية الوزارة للتعامل مع الكوليرا في حالة التفشي، عندما أعلن أن الوزارة قد جهَّزت 9 مستشفيات في المناطق اللبنانية وعدد من مختبرات الرصد وضعت جميعها في حالة تأهب قصوى، داعيًا المنظمات إلى دعمها بالتمويل والتجهيز لتقوم بعملها على أفضل وجه. ماء وصابون؟!في المحصلة، أراد الوزير من الزيارة أن يستعرض حجم المشاكل أمام الجهات الدولية المانحة، ويقول لهم أن كل ما قمتم به من مساعدات في السابق لم يمنع من تفشي وباء الكوليرا. وخلال الاجتماع في سراي حلبا استطعنا تمييز خطابين للأبيض، الأول للجهات الدولية المانحة والثاني للبلديات والمواطنين. فالخطاب الثاني الأبرز عندما قال للبنانيين:"الكوليرا وباء عادي والقضاء عليه لا يلزمه أكثر من ماء وصابون وبعض التوعية"، وللجهات المانحة قال لهم عن الوضع بالإنكليزية big crisis أي الأزمة كبيرة. فإذا كانت الأزمة الكبيرة حسب الوزير، قد تستفحل بسبب النفايات المنتشرة على الطرقات وفي الشوارع، وفي ظل انعدام المياه النظيفة والانقطاع المتواصل للكهرباء، فإن الوزير قد جاوب العكاريين ولو مواربة "الحل عندكم وعليكم بالتوعية، وباقي الخدمات التي تطلبونها سأرفع فيها ورقة إلى الاجتماع الحكومي".