توفيت الروائية البريطانية هيلاري مانتيل عن 70 سنة، حسبما أفادت دار نشر "هاربر كولنز". وتعدّ الراحلة، أول كاتبة تفوز مرتين بجائزة بوكر الأدبية البريطانية. وقالت دار النشر في بيان: "تعلن هاربر كولنز ببالغ الأسى أنّ الكاتبة التي حققت أعمالها نجاحاً بارزاً، هيلاري مانتيل، توفيت بسلام الخميس عن 70 سنة، محاطةً بأفراد عائلتها وأصدقائها المقربين".ونشرت الكاتبة 17 عملاً كان أولها "إيفري داي إز ماثرز داي" (كل يوم هو عيد الأمهات) العام 1985، إلا أنها حصدت شهرة كبيرة عقب نشرها سلسلة من ثلاثة كتب بعنوان "وولف هول" (قصر الذئاب) تتناول الحياة المضطربة لتوماس كرومويل الذي كان أحد أبرز وجوه التيار الإصلاحي في إنكلترا. وأشاد النقاد بالرواية وتلقت عليها جائزة البوكر في العام نفسه، ووصفت لجنة التحكيم الرواية بالقول إنها "قطعة غير عادية من رواية القصص" بينما قالت مانتيل عند تسلم الجائزة إنها ستنفق أموالها على "النزوات الشخصية"..ووفقاً للناشر تأخذنا مانتيل في روايتها لكواليس عشرينيات القرن السادس عشر من تاريخ إنكلترا، برواية تعرض بواقعية نقدية بريطانيا التيودورية كمجتمع غير متكامل عبر شخصيات تمثل ثقافة عصر النهضة بالعمل على استكشاف نقاط التقاطع بين النفسي الفردي والسياسي الأوسع نطاقاً.عند هذا المنعطف التاريخي تبدو إنكلترا قاب قوسين أو أدنى من كارثة حقيقية، فلو أن الملك هنري الثامن مات من دون أن يعقب وريثاً ذكراً للعرش، لتعرضت البلاد للدمار في غمار حرب أهلية دامية.هكذا لم يكن من العجيب أن هنري الثامن كان مشغولاً بتحقيق رغبته الجارفة في إبطال زواجه الذي دام عقدين من الزمن من كاترين، للزواج من آن بولين، وهي الرغبة التي كان يعارضها بابا روما ومعظم ملوك أوروبا وأمرائها. وعلى امتداد الرواية نتابع الدمار الذي يتعرض له الكاردينال اللامع وولزي المستشار المتألق للملك هنري الذي يسقط إزاء عجزه في تحقيق رغبة الملك مخلفاً وراءه فراغاً في السلطة ومأزقاً.وسط هذه الأزمة تشتد الحبكة الروائية بظهور "توماس كرومويل" الذي يجمع بين الجاذبية الشديدة والنزوع إلى التنمر، ويملك قدرة فريدة على قراءة الناس من حوله، على الرغم من أنه محارب مرتزق وابن حداد قاسٍ، فبدا كسياسي عبقري، ومستأسد يحظى بطاقة لا حدود لها لمزيد من العمل والإنجاز. لقد خرق كرومويل جميع قواعد المجتمع الصارمة في صعوده إلى السلطة، وبدا أكثر استعداداً لخرق المزيد منها. وقام من رماد كارثة شخصية، إذ إنه خسر عائلته، كما خسر سيده المحبوب وولزي، وشق طريقه بسلاسة في بلاط يسوده قانون الغاب، وشريعة الذئاب، ليواجه بمفرده البرلمان والمؤسسة السياسية والبابوية، لإعادة صياغة بريطانيا وفقاً لرغباته ورغبات هنري الثامن في إنجاز عمل الكاردينال القائم على إغلاق الدور الدينية لبناء المدارس والجامعات.وفازت مانتيل بجائزة بوكر عن كتاب "أخرجوا الجثث" من سلسلة الكتب التي تُرجمت إلى 41 لغة. أما الكتاب الأخير من السلسلة وعنوانه "المرآة والضوء" (نُشر العام 2020) فلاقى إشادة من النقاد، وتشكلت يوم صدوره طوابير من القرّاء أمام المكتبات لشرائه.واشتهرت مانتل في تنقلها داخل بريطانيا وخارجها. فقد عاشت لسنوات برفقة زوجها في بوتسوانا، وكتبت عن تلك التجربة روايتها المعادية للعنصرية "تبديل في المناخ" 1994. ثم انتقلت إلى السعودية وأقامت في جدة، وكتبت عنها روايتها "ثماني شهور في شارع غزة" 1988. وهو اسم المكان الذي أقامت فيه، واختارت المترجمة فاطمة نصر عنواناً بديلاً للرواية في ترجمته العربية وهو "كوابيس جدة". وتدور أحداث الرواية في مدينة جدة في بداية الثمانينات الميلادية و تحكي قصة عائلة بريطانية (زوج وزوجة) انتقلا للإقامة فيها لإتمام مشروع بناء عملاق لإحدى الوزارات، حيث يعمل الزوج مهندساً للإنشاءات وتظل الزوجة حبيسة المنزل بلا عمل.منذ بداية الرواية لا تتحرج هيلاري مانتل في نقل مشاعر الريبة والتوجس التي تشعر بها (فرانسيس) الزوجة وراوية الأحداث. فهي وعلى الرغم من اغترابها الدائم عن وطنها بريطانيا، وعلى الرغم من إقامتها في بلدان فقيرة في أفريقيا لسنوات، إلا أنها لا تشعر بالارتياح للذهاب للسعودية حيث ينبغي عليها تغطية رأسها طوال الوقت والامتناع عن احتساء الخمر والأسوأ من ذلك هو بقاؤها بلا عمل في المنزل حيث أن تخصصها كرسامة خرائط غير مرغوب فيه هناك.من أهم أعمالها القصصية مجموعة "اغتيال ماري ثاتشر" 2014، "تعلم كيف تتكلم 200"، وغيرها. ومن أهم أعمالها الروائية "موضع أكثر أماناً" 1992، "العملاق أوبراين" 1998، "تجربة في الغرام" 1995. وقد تحولت بعض روايات الراحلة إلى مسرحيات فنية أنتجتها شركة رويال شكسبير، كما تم إنتاجها كمسلسلات مصغرة لـ"بي بي سي".ولدت مانتيل (كنيتها تومسون عند الولادة) في 6 يوليو/تموز 1952 في ديربيشر لعائلة من أصل أيرلندي، ونشأت في ظل مساوئ أن تكون "امرأة من الشمال وفقيرة" على ما تشير في مذكراتها "تسليم الشبح" المنشورة العام 2003. عانت من أوجاع في الرحم، وخضعت لعمل جراحي حرمها من الإنجاب وتسبب لها بتبدل ملحوظ في صورتها. وقد كتبت عن ذلك في سيرة حياتها التي ظهرت العام 2003 بعنوان "الهرب من الأشباح"، والتي يقول عنها بول برايانت في موقع "غود ريدز" إنها في حياتها العادية نساء عديدات في امرأة واحدة. شابة وعجوز، فقيرة وثرية، من الطبقة العاملة والمتوسطة، مرفوضة لكن ناجحة ومتفوقة. نحيفة فعلاً وتبدو بدينة للغاية. ختمت مانتيل حياتها بكتاب منوعات حمل عنوان "قصاصات مانتيل"، وهو مجموعة مقالات وذكريات.ونعى مؤلفون بريطانيون ومؤسسات أدبية الكاتبة باعتبارها "واحدة من أفضل الكتّاب في عصرنا". وقال الرئيس التنفيذي لدار هاربر كولنز في المملكة المتحدة في بيان: "هيلاري كانت الأفضل في جيلها، وهي كاتبة مهمة وشجاعة وتظهر تعاطفاً كبيراً في أعمالها (…) سوف نفتقد جميعنا لحضورها وحكمتها وحسها الفكاهي، ونعتز بإرثها الأدبي المذهل".وأشار الكاتب نيكولاس بيرسن إلى أنّ كل عمل من كُتب مانتيل يشكل "حبكة فيها جمل نيّرة وشخصيات لا تُنسى، في ظل رؤية مذهلة"، لافتاً إلى أنّ الراحلة كانت تعمل الشهر الفائت على رواية جديدة. وغرّدت مؤلفة سلسلة كتب "هاري بوتر"، جيه كيه رولينغ، إنّ مانتيل "كانت عبقرية". وكتب حساب جائزة بوكر الأدبية البريطانية في تويتر "إنّ جميع القيّمين على الجائزة حزينون جداً" لوفاة مانتيل.