ربما بات من الأفضل إقفال وزارة الصحة وصرف الأموال التي تنفق عليها على مرضى السرطان والأمراض المزمنة، طالما أنها ليست غير قادرة حتى على تأمين الدواء، بل حتى مجرد مراقبة المستشفيات والصيدليات، التي خزنت الأدوية على السعر المدعوم وباتت حالياً تبتز المرضى لدفع ثمنها بالدولار النقدي.
تتلقى "المدن" العديد من الشكاوى يومياً من مرضى السرطان والمصابين بأمراض مزمنة تفضح مدى التلاعب الحاصل في المستشفيات والصيدليات. إذ ينام المريض على دواء مدعوم من الوزارة ويستفيق على فقدان الدواء من الأسواق. وعندما يعرض الدولار النقدي يتأمن الدواء بقدرة قادر فجأة. لكن ما حصل مع المريض محمد جابر لا يمكن السكوت عليه.خطأ طبيوجابر، كما يقول أحد أفراد عائلته لـ"المدن" شاب يبلغ 27 عاماً، ويعمل في حدادة السيارات. وضعت زوجته توأماً منذ مدة قصيرة واكتشف منذ شهرين أنه مصاب بسرطان الدم.
وفي التفاصيل، ذهب جابر إلى طبيب صحة عامة في النبطية بعدما شعر بوعكة صحية، فطلب منه أن يزور أحد الأطباء المختص بالأورام بعدما اكتشف أن فحوص الدم غير سوية. ذهب إلى طبيب الأورام، الذي نتحفّظ عن ذكر اسمه، وطلب منه إجراء فحوص دم محددة وذلك لقاء دفع 1250 دولاراً نقدياً لسحب العينة في عيادته الخاصة. وشخص الطبيب مرضه بأنه مصاب بسرطان الدم. وأرسله لتلقي العلاج الكيميائي في مستشفى جبل لبنان. وبعد شهر على العلاج الكيميائي (استدان أهله ما يفوق 18 ألف دولار لقاء العلاج) لم يتحسن وضعه. لذا عاد وانتقل إلى طبيب مختص في مستشفى المقاصد، نتحفظ عن ذكره اسمه أيضاً.
اكتشف الطبيب الجديد منذ نحو عشرة أيام أن الفحوص التي أجريت لجابر سابقاً كانت كلها غير دقيقة. فبعد إجراء الفحوص الجديدة في مختبرات الجامعة الأميركية تبين أن مرضه جيني. وكان عليه تلقي العلاج الكيميائي مع دواء ICLUSIG الأساسي في حالته كي يستجيب جسده للعلاج الكيمائي.تكرار العلاجبات جابر حالياً ملزماً بتكرار العلاج الكيمائي مع أخذ الدواء الجديد. وقد صمت الأهل عن الأخطاء الطبية التي حصلت سابقاً وذلك في انتظار شفاء ابنهم. لكن معانتهم بدأت بعدما تبين أن هذا الدواء غير متوفر في لبنان، لأن وزارة الصحة توقفت عن استقدامه. كما أن المستشفى لا يؤمنه. فقد كانت وزارة الصحة تزود المستشفيات به.
تواصل الأهل مع وزير الصحة فراس الأبيض بغية تأمين الدواء، فأكد لهم أن وزارته لم تستقدم هذا الدواء من قبل. لكن أطباء أكدوا لهم أن الوزارة كانت تستقدمه.
ونظراً لحالة ابنهم والخطأ الطبي الذي حصل معه، راح الأهل يتواصلون مع شركات أدوية في الخارج، ووصل بهم الأمر إلى الهند، للإسراع في معاودة العلاج من ناحية، وتخفيف الكلفة المادية عليهم، لأن أسعار الأدوية في الهند أقل من دول أخرى.الوزارة ترفض إبداء الرأيوبعيداً من أنهم سيتكفلون ثمن العلاج الكيميائي من جديد إضافة إلى كلفة الدواء الضروري لحالة ابنهم، فقد عرض عليهم أحد التجار في الهند شراء العلبة لقاء 1300 دولار. وقد عمد الأهل إلى جمع التبرعات من جديد لتأمين ثمن العلاج، لكن المشكلة تبقى في عشوائية الأدوية وكيفية استقدامها إلى لبنان. فهم متخوفون من الوقوع في مصيدة تجار الأدوية. لذا تواصلوا مع وزير الصحة لإبداء الموافقة على الدواء من المصدر الهندي، كي يتثبتوا من أن الدواء مطابق للمواصفات، طالما أن وزارته لا تريد تأمين الدواء. ولم يستجب لطلبهم. ما يعني أن الوزارة لم تكتف بعدم تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها في تأمين الدواء لآلاف مرضى السرطان، وتركت المواطن يتدبر أمره بمعرفته، بل ترفض حتى مساعدة الأهل في إبداء الرأي العلمي والحصول على دواء مطابق للمواصفات.