هل أنهى بوتين "الحُرم النووي"؟
2022-09-23 14:26:25
في مقابلة لقناة "سي بي أس" الأميركية، سُئل الرئيس الأميركي جو بايدن عن رسالة يرغب في توجيهها الى نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن "السيناريو الكابوس"، أي الحرب النووية، فأجاب بصوت كهل يُحذر من المجهول "لا تفعلها، لا تفعلها، لا تفعلها ... ستغير طبيعة الحرب بشكل لم نشهده منذ الحرب العالمية"، وبأن الرد الأميركي سيكون "مصيرياً".
رد الرئيس الأميركي وغيره من التصريحات المضادة، والكلام الروسي المتكرر اليوم عن احتمال اللجوء الى الخيار النووي "في الحرب الدفاعية"، جميعها يُؤسس لمرحلة جديدة في عالمنا الذي ينحو باتجاه انتشار أوسع لهذا السلاح مع تصاعد احتمالات استخدامه. التحدي الأبرز هو نهاية ما يُسمى بـ"الحُرم النووي" أو بالانكليزية "التابو النووي" الذي أسس لمرحلة لا تتحدث فيها الدول المالكة لأسلحة الدمار الشامل، عنها وعن استخدامها، في ظل التزام غير معلن بأساليب الحروب التقليدية، كما حصل مع الولايات المتحدة في فيتنام والاتحاد السوفييتي في أفغانستان. بإمكان دولة عظمى أن تُهزم دون اللجوء الى هذا السلاح، وهو دفاعي على ارتباط بأراضي هذه الدول ووجودها وتوازن الردع بينها وبين خصومها الكبار.
في هذا الاطار، كانت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية صيف عام 1968، لحظة أساسية، لجهة أن وراءها قوة دفع دولية للحؤول دون تفشي هذا السلاح بشكل غير قابل للسيطرة. كانت وجهة العالم مُدمرة غداة استخدام الولايات المتحدة القنبلة الذرية مرتين في حربها مع اليابان، في هيروشيما وناغازاكي في السادس والتاسع من آب (أغسطس) عام 1945، وبعد اجراء الاتحاد السوفييتي أكبر تجربة نووية عام 1961 بتفجير "تسار بومبا" في منطقة نوفايا زمليا شمال الدائرة القطبية (قوة الانفجار كانت 3300 مرة أكبر من قنبلة هيروشيما).
نقطة التحول عام 1968، رغم الانقسامات الدولية، أنتجت سياسة دولية أشد رفضاً للسلاح النووي وتهديده على البشرية، وهي ولدت من بيئة أكثر تمرداً واحتجاجاً على الحروب، وتحديداً في الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن هذا الواقع يتبدل اليوم بشكل جذري، أكان من خلال التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي، وهي صارت متكررة وترتفع وتيرتها بشكل كبير، أو لناحية اتساع دائرة الدول التي تبني قدرات نووية، وكثير منها في منطقتنا من الخليج وشمال افريقيا إلى تركيا وايران. الرئيس الروسي وحليفه دمتري ميدفديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي، تحدثا بشكل واضح عن احتمال استخدام السلاح النووي، في حين هدد اعلاميون روس في فلك النظام، دولاً أوروبية منها المملكة المتحدة بأسلحة الدمار الشامل.
وإذا أضفنا الى ما سبق، الانفلات في الكلام عن السلاح النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حين رد على تهديد الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون بالزر النووي، بأن الزر أمامه أكبر، نكون أمام انحدار خطير في المسؤولية السياسية. وهذا ينسحب على دول نووية أخرى كالهند وباكستان والتهديدات المتبادلة أخيراً بينهما باللجوء الى أسلحة الدمار الشامل.
واللافت أن تراجع الحرم النووي، يتزامن مع اعتراف دولي بالمخاطر المترتبة على العالم نتيجة تبدل المناخ. هناك سباق لاقناع قادة العالم بخطر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وآثاره على المناخ وازدياد ظواهر الطقس المتطرف، كما رأينا في فيضانات باكستان أخيراً، رغم الفشل السياسي في مقاربة هذا التحدي مع تصاعد الشعبوية بأنحاء العالم.
بيد أن يلتقي خطران عظيمان كتبدل المناخ والتهديد النووي في آن من دون أي قدرة على مكافحة الاثنين معاً، وفي ظل صراعات تحتدم، يعني أننا في مركب يعوم بلا قبطان وفي بحر عاصف، بانتظار غرق حتمي لو بقيت الأمور على حالها.
وكالات