تلقّفَ وزير الطاقة وليد فيّاض طرح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، استجرار الفيول الإيراني لتشغيل معامل الكهرباء. ونصرالله جزم أن الفيول المنتظر سيكون "هبة"، وانسحبَ هذا التوصيف على ألسن المسؤولين اللبنانيين، فيما يؤكّد مسؤولون إيرانيون، مراراً، أن الفيول ليس هبة. ما خلق ازدواجية غير محسومة حتى اللحظة. على أن المؤكَّد، هو انتقال الملف خطوات إلى الأمام، تتمثّل ببحث لبنان وإيران شروط استقدام الفيول ومسائل تقنية أخرى، من خلال وفد يزور إيران، ويضم مدير عام منشآت النفط أورور فغالي، ومدير الانتاج في مؤسسة كهرباء لبنان بشارة عطية.تضارب في التوصيفمع أن السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، أكّد خلال لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، استعداد بلاده تقديم هبة الفيول، إلاّ أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، نفى يوم الاثنين 19 أيلول أن يكون الفيول المنتظر مجانياً. أما الوفد اللبناني، فيبحث في الشروط التي تبقى ثابتة سواء كان الفيول مجانياً أم مدفوع الثمن. وانطلق كنعاني من أن العلاقات بين البلدين "تقوم على التعاون الثنائي". ولفت النظر إلى أن ما ستقدّمه إيران سيكون "وفق إمكانياتها في إطار المصالح المشتركة".
الترويج لـ"الهبة"، أعطى جرعة تفاؤل لفيّاض الذي اعتبر أن المبادرة الإيرانية تشكّل خطوة لـ"انطلاق تنفيذ خطة الكهرباء التي وضعتها الوزارة، وتشمل زيادة ساعات التغذية تمهيداً لرفع التعرفة وتأمين التوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان لكي تغطي احتياجاتها مستقبلاً بنفسها". ويستند فيّاض إلى أن الهبة هي رأسمال سيسمح لمؤسسة الكهرباء بزيادة ساعات التغذية وتحصيل إيرادات بلا نفقات مقابلة. لكن الردود الإيرانية الرسمية تحبط هذا التفاؤل.التفاف على العقوباتلا شيء محسوماً حيال ملف الفيول الإيراني. فلم ترشح معلومات واضحة من كِلا الجانبين. لكن من المرجّح أن يكون الترويج لتوصيف "الهبة"، هو سبيل للالتفاف على العقوبات الأميركية التي قد تطال لبنان في حال إبرامه اتفاقاً تجارياً صريحاً مع إيران. ومن خلال تقديم الفيول كهبة، يتجاوز لبنان هذه العقوبات، لأنها لا تشمل الهبات. فالقصد من العقوبات هو عدم السماح بإفادة الاقتصاد الإيراني بثمن الفيول.
وقد تصحّ هذه الفرضية فيما لو لم يصرّح المسؤولون الإيرانيون بأن الفيول ليس مجانياً. فهل تريد إيران جرّ لبنان إلى عقوبات أميركية، والتأكيد حينها أنه يسير في الفلك الإيراني بشكل مباشر؟ هي تصوّرات لا يحسمها إلاّ الخبر الرسمي الذي يفترض ظهوره خلال اليومين المقبلين.ومن المرجّح أيضاً أن يكون وضوح الموقف الإيراني حيال عدم تقديم هبة، مقدّمة لطلب خدمات، وهو ما يستشفّ من تركيز كنعاني على مسألة "التعاون الثنائي"، أي بمعنى آخر، خدمات متبادلة. وهذا إن صحّ، يضع اتفاقية الفيول الإيراني بمصاف اتفاقية الفيول العراقي الذي من المفترض بلبنان دفع ثمنه بمنتجات عينية وخدمات. لكن هذا الثمن أثبت عقمه، حتى الآن، مع الجانب العراقي. (راجع المدن).من ناحية ثانية، يبقى أمام لبنان معضلة كمية ساعات التغذية التي سينتجها الفيول الإيراني، وهل ستشكّل فارقاً ملموساً في فضاء العتمة الشاملة المنتشرة؟ الإجابة على هذا السؤال تحدّدها الكميات المستوردة، والتي لم تتّضح حقيقتها بعد. لكن في جميع الأحوال، تبقى الاتفاقية مع العراق نموذجاً غير مشجّع لعمليات استقدام الفيول على هذا النحو. فاللبنانيون لم يشعروا بزيادة حجم الإنتاج وساعات الكهرباء. وإذا اجتمع الفيول العراقي مع الفيول الإيراني في أفضل سيناريو ممكن، فإنه من المنتظر التماس بين ساعتين إلى أربع ساعات نظرية.
تخطّي مخاوف العقوبات وانتظار الخدمات المتبادلة، يعني أن على لبنان تأمين الدولارات لشراء المنتجات العينية التي سيصدّرها إلى إيران، فيكون بالتالي قد دفع ثمن الفيول بطريقة غير مباشرة. لكن هل ساعات التغذية المنتظرة، كافية لبدء وزارة الطاقة عملية رفع التعرفة وتحقيق التوازن المالي لمؤسسة الكهرباء؟. والواضح، أن كل ما يرتبط بهذا الملف، هو رهن التكهّنات التي تزيدها مبالغات "بروباغندا" الوزارة غموضاً.